المؤمن
هو اسم من أسماء الله – تعالى – يدل على الأمن والأمان، فلا أمن إلا منه، ولا راحة إلا وهي صادرة عنه، وهو الذي يفزع إليه الخائف، فيؤمنه، والله يعطي الأمان لمن استجار به واستعان .
والمؤمن هو الذي يؤمن الصادقين من عباده يوم القيامة، وهو – سبحانه – الذي يهيئ الأسباب المحققة للأمن، ويسد أبواب الخوف، وهو المصدق بعلمه وقوله وفعله ؛ لأنه علم بوحدانيته، وأخبر بذلك، وأظهر من بدائع أفعاله ما يدل على توحيده، فهو الله المؤمن .
وقد ورد اسم الله المؤمن في القرآن الكريم في قوله – تعالى - {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُون}[الحشر:23].
ويختص هذا الاسم الجليل عن سائر الأسماء بمجموعة من المعاني والخواص فيما يلي:
الأولى: أن الله تعالى هو المؤمن الموحد نفسه، لقوله – تعالى -: {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم}[آل عمران:18].
الثانية: أن الله – تعالى – هو المؤمن الهادي لمن يشاء، وذلك لقوله – تعالى -: {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُون}[المجادلة:22].
الثالثة : أن الله – تعالى – هو المؤمن الذي أمن عباده المؤمنين من عذابه يوم القيامة حيث قال – تعالى - {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُون * ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِين} [الحِجر:45 - 46].
الرابعة: أن الله – تعالى – هو المؤمن الذي أمن عباده في الدنيا حيث قال – تعالى -: {الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْف } [قريش:4].
الخامسة: أن الله – تعالى – المؤمن أمن أولياءه من هواجس النفوس ودواعي الزلات، ونوازع المخالفات حتى لا تدعوهم نفوسهم إلى ارتكاب محظور، قال – تعالى -: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون}[يونس:62].
السادسة: أن الله تعالى المؤمن أمن المؤمنين المتقين المصلحين حيث قال: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون}[الأنعام:48].
السابعة: أن الله تعالى المؤمن هو الإله الذي لا يجب الخوف إلا منه قال – تعالى -: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِين}[الأعراف:56].
الثامنة: أن الله – تعالى – المؤمن دافع أولي الألباب إلى التصديق بوجوده ووحدانيته بما أودع في غرائز البشرية من الاستعداد للاعتراف بوجوده، والإقرار بربوبيته ومصداق ذلك قوله – تعالى - {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِين}[الأعراف:172].
انعكاسات وتجليات الاسم في حياة المسلم:
اعلم أخي المسلم أنك إذا ذكرت اسم الله – تعالى – المؤمن وآمنت به حق الإيمان فإنه يتحقق لك عدة فوائد:
الأولى: أنه يجعل المسلم متحليًّا بالمراقبة الدائمة لله تعالى:
قال – تعالى - {إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء}[آل عمران:5].
وعن أبي ذر جندب بن جنادة وأبي عبد الرحمن معاذ بن جبل رضي الله عنهما عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: « اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن »(.
حيثما كنت زماناً ومكاناً فالله مطلع عليك .. الله ناظر إليك، الله شاهدك .
إذا ما خلوت الدهر يوما
فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة
ولا أن ما تخفيه عنه يغيب
الثانية: أنه يجعل المسلم محافظًا على الأعمال الصالحة:
قال – تعالى -: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُون}[الحديد:16].
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نام عن حزبه من الليل، أو عن شيء منه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر، كتب له كأنما قرأه من الليل» .
الثالثة: أن يجعل المسلم مؤديًّا للأمانة:
قال – تعالى -: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}[النساء:58].
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبُو مَالِكٍ ، عَنْ رِبْعِيٍّ ، عَنْ حُذَيْفَةَ ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَجْمَعُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى النَّاسَ، فَيَقُومُ الْمُؤْمِنُونَ، حَتَّى تُزْلَفَ لَهُمُ الْجَنَّةُ، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ: يَا أَبَانَا، اسْتَفْتِحْ لَنَا الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: وَهَلْ أَخْرَجَكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ، إِلَّا خَطِيئَةُ أَبِيكُمْ آدَمَ، لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، اذْهَبُوا إِلَى ابْنِي إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ، قَالَ: فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، إِنَّمَا كُنْتُ خَلِيلًا مِنْ وَرَاءَ، وَرَاءَ، اعْمِدُوا إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ، الَّذِي كَلَّمَهُ اللَّهُ تَكْلِيمًا، فَيَأْتُونَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ، فَيَقُولُ: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى، كَلِمَةِ اللَّهِ وَرُوحِهِ، فَيَقُولُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُومُ فَيُؤْذَنُ لَهُ، وَتُرْسَلُ الأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ، فَتَقُومَانِ جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ كَالْبَرْقِ، قَالَ: قُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، أَيُّ شَيْءٍ كَمَرِّ الْبَرْقِ ؟ قَالَ: أَلَمْ تَرَوْا إِلَى الْبَرْقِ كَيْفَ يَمُرُّ وَيَرْجِعُ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ، ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ، ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ وَشَدِّ الرِّجَالِ تَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ، وَنَبِيُّكُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ؟ يَقُولُ: رَبِّ سَلِّمْ، سَلِّمْ، حَتَّى تَعْجِزَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ، حَتَّى يَجِيءَ الرَّجُلُ، فَلَا يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إِلَّا زَحْفًا، قَالَ: وَفِي حَافَتَيِ الصِّرَاطِ كَلَالِيبُ مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ مَنْ أُمِرَتْ بِهِ، فَمَخْدُوشٌ نَاجٍ، وَمَكْدُوسٌ فِي النَّارِ "، وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ، إِنَّ قَعْرَ جَهَنَّمَ لَسَبْعُونَ خَرِيفًا .
الرابعة: أنه ينهى المسلم عن العقوق وقطيعة الرحم:
قال – تعالى -: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُم * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُم} [محمد:22- 23].
وقال تعالى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا}[الإسراء:23].
الخامسة: أنه يحذر المسلم من إيذاء الصالحين:
قال تعالى {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا}[الأحزاب:58].
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددى عن قبض نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته .
السادسة: أن يلتزم المسلم بالقناعة والعفاف والاقتصاد في المعيشة:
قال – تعالى -: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِين}[هود:6].
وقال تعالى {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}[الفرقان:67].
ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «ليس الغنى عن كثرة العَرَض، ولكن الغنى غنى النفس» .
ومعنى الحديث كما يقول ابن حجر رحمه الله: " ليس حقيقة الغنى كثرة المال؛ لأن كثيراً ممن وسع الله عليه في المال لا يقنع بما أوتي؛ فهو يجتهد في الازدياد، ولا يبالي من أين يأتيه؛ فكأنه فقير لشدة حرصه، وإنما حقيقة الغنى غنى النفس، وهو من استغنى بما أوتي، وقنع به ورضي، ولم يحرص على الازدياد، ولا ألح في الطلب، فكأنه غني!، وقال القرطبي رحمه الله: معنى الحديث أنَّ الغنى النافع أو العظيم أو الممدوح هو غنى النفس، وبيانه أنه إذا استغنت نفسه كفَّت عن المطامع، فعزَّت وعظمت، وحصل لها من الحظوة والنزاهة، والشرف والمدح؛ أكثر من الغنى الذي يناله من يكون فقير النفس لحرصه، فإنه يورطه في رذائل الأمور، وخسائس الأفعال؛ لدناءة همته وبخله، ويكثر من يذمه من الناس، ويصغر قدره عندهم، فيكون أحقر من كل حقير، وأذل من كل ذليل.
والحاصل أن المتصف بغنى النفس يكون قانعاً بما رزقه الله، لا يحرص على الازدياد لغير حاجة، ولا يلح في الطلب، ولا يحلف في السؤال، بل يرضى بما قسم الله له، فكأنه واجد أبداً، والمتصف بفقر النفس على الضد منه لكونه لا يقنع بما أُعطي، بل هو أبداً في طلب الازدياد من أي وجه أمكنه، ثم إذا فاته المطلوب حزن وأسف فكأنه فقير من المال؛ لأنه لم يستغن بما أُعطي، فكأنه ليس بغني، ثم غنى النفس إنما ينشأ عن الرضا بقضاء الله تعالى، والتسليم لأمره، علماً بأن الذي عند الله خير وأبقى فهو معرض عن الحرص والطلب، وما أحسن قول القائل:
غنى النفس ما يكفيك من سد حاجة فإن زاد شيئاً عاد ذاك الغنى فقراً
السابعة: أن ينتهي المسلم عن الغش والخداع:
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حمل علينا السلاح فليس منا ومن غشنا فليس منا».
الثامنة: أن ينتهي المسلم عن الإيذاء والتعذيب بالنار:
عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمرة معها فرخان فأخذنا فرخيها فجاءت الحمرة فجعلت تفرش فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من فجع هذه بولدها ردوا ولدها إليها، ورأى قرية نمل قد حرقناها قال: من حرق هذه؛ فقلنا: نحن ؛ قال: إنه، لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار.