التسامح في الأدب النبوي الشريف لعله من قبيل المسلمات أن نؤكد أن رسول الله محمد صل الله عليه وسلم كان أحسن الناس خُلُقًا، وقد امتدحه القرآن الكريم بذلك ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [ن: 4]، ولذا كانت توجيهاته دالة على ذلك، وكانت سلوكياته خير مرشد لأفضل خلق. لقد كانت بعثة محمد صل الله عليه وسلم إنقاذًا من هذا الإلحاد وعواقبه الشائنة؛ لأنها عرَّفت الناسَ بالله على أصدق وجه، وبأقوى دليل. ولم أعرف - فيما قرأت - بشرًا مثل محمد، وجَّه الفكرَ الإنساني إلى العلم بالله، وملأ القلب الإنساني بالخشوع لله، ثم عن طريق العلم والأدب شرح قضية الوجود، ووظيفة المرء في الحياة، شرحًا عامرًا بالصدق والجمال، تلك أولى آيات الرحمة العامة التي بُعث بها صاحب الرسالة العظمى، يلي ذلك العمل والسلوك، فإن محمدًا محمد صل الله عليه وسلم الإنسان الكبير جاء إلى الأجناس كافَّة بدين: ﴿ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ﴾ [الأعراف: 157].وهذا هو منهج وسط جميل، ففي الناس إباحيون يصطادون الشهوات حيثما لاحتْ لهم، ولا يحسون طعم الحياة إلا من خلال الرغبات المجابة، والغرائز المرسَلة. وفي الناس رُهْبان كظموا على طبائعهم، وحمَّلوها ما لا يطاق، فحملتْ وهي كسيرة مقهورة، ونحوهم، وإنه لشيء مُحزِن أن تذهب أجيال من الناس فداءَ وهمٍ لا أصل له ولا حقيقة. لقد جنَّبَنا النبي محمدٌ محمد صل الله عليه وسلم هذه الكارثة، عرَّفنا كيف نحيا بعد أن عرَّفنا لمن نحيا، وأن الله لم يَفرِض علينا عنتًا، ولم يجشمنا شططًا ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّـهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُم﴾ [النساء: 147].﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ ﴾ [النحل: 30]. وقد يكلف بالجهاد الشاقّ، لكنه واضح الغاية، معقول الدوافع، يستميت المرء فيه؛ لتكون كلمة الله هي العليا، ولتكون حقوق الناس وأموالُهم وأعراضهم ودماؤهم مصونةً مقدَّسة.