نماذج متعددة للتسامح

نماذج متعددة للتسامح 
ويمكن أن نتوقف عند نماذج عملية سلوكية تؤكد التسامح الفعلي للإسلام مع غيره من الديانات:
إن المتتبع للتراث العلمي في الإسلام بداية مما أرساه الرسول الكريم يتأكد له ما نحن بصدده. فقد اشترطت قريش على النبي r شروطًا قاسية، منها أن من جاء من محمد إلى قريش لا ترده إلى محمد. ومن جاء إلى محمد بغير إذن وليه أده محمد.
وقبل النبي الكريم شرطهم الجائر، لحكمة رآها، وتبرم بعض الصحابة بالشروط، ووفى لهم الرسول بشرطهم، وبعد كل هذه السنوات من العداء والقتال يمن الله عليه بفتح مكة، ويتوجه إليهم قائلًا: (ماذا تظنون أني فاعل بكم؟) قالوا: خيرًا أخ كريم وابن أخ كريم، قال: (اذهبوا فأنتم الطلقاء، لا تثريب عليكم. اليوم يغفر الله لكم).
 وقبل ذلك أحسن الرسول معاملة أسرى بدر، ووزع الأسارى السبعين على أصحابهم وأمرهم بأن يحسنوا إليهم. فكانوا يفضلونهم على أنفسهم في طعامهم.
وعندما نتقدم في مساحة الزمان قليلًا نرى عمر بن الخطاب بالشام، وقد حانت الصلاة وهو في كنيسة القيامة، فطلب البطريق من عمر أن يصلي بها. وهم أن يفعل ثم اعتذر بأنه يخشى أن يصلي بالكنيسة فيدعي المسلمون فيما بعد أنها مسجد لهم. فيأخذوها من النصارى. وكتب للمسلمين كتابًا يوصيهم فيه. بألا يصلوا على الدرجة التي صلى عليها إلا واحدًا واحدًا غير مؤذنين للصلاة وغير مجتمعين
وهذه كما يبدو لنا سماحة مضاعفة تتخطى الحاضر إلى المستقبل، سماحة تنبع من نفس طاهرة، وتعتمد على بصيرة نفاذة بعيدة المرمى، سماحة مضاعفة لأن صاحبها لا يعتمد على سماحته وحده، ولا على تحلله من التبعة وحده، إنما يريد ممن يجيئون بعده طال الزمن أو قصر أن يكونوا سمحاء مثله، ويريد أن يتحلل من تبعة يومه وغده، وإن لم يكن له في المخالفة ضلع.
وقد اشتهر عنه t أنه كان ينصف من يشكو إليه من النصارى واليهود، فقد علم أن الوليد بن عقبة واليه على بني تغلب قد توعد النصارى فخشى أن يوقع بهم شرًا، فعزله وولى غيره.
وهذه نماذج أخرى توضح علاقة المسلمين الفاتحين بأهل الكتاب بعد فتح البلدان:
1-   كتب المسيحيون في الشام إلى أبي عبيدة وهو معسكر في فحل يقولون: يا معشر المسلمين أنتم أحب إلينا من الروم وإن كانوا على ديننا، أنتم أوفى لنا، وأرأف بنا، وأكف عن ظلمنا وأحسن ولاية علينا، ولكنهم غلبونا على أمرنا وعلى منازلنا.
وغلق سكان حمص أبواب مدينتهم حتى لا يدخلها جيش هرقل، وأعلموا المسلمين أن ولايتهم وعدلهم أحب إليهم من ظلم الرومان وتعسفهم.
2-   سارت القبائل العربية في الشمال تحت حكم الروم باعتناق الإسلام والانضمام للمسلمين مثل بني غسان، وكذلك صنعت بعض القبائل العربية التي كانت موالية للفرس.
3-   رحب القبط في مصر بالفتح الإسلامي، ولقوا من عمر أعظم التسامح، لأنه أنقذهم من الاضطهاد الديني، ومن عسف الروم وتنكيلهم بمخالفيهم في المذاهب مما يجعلهم يحتمون بالصحراء، أو يفرون هربًا، أو يخفون دينهم، فإذا بعمرو بن العاص يكتب لهم عهدًا بحماية كنيستهم، ولعن أي مسلم يخرجهم منها، وكتب أمانًا للبطريق بنيامين، ورده إلى كرسيه، بعد أن تغيب عنه ثلاثة عشرة عامًا.
4-   عندما فتح المسلمون بلاد الفرس لم يلقوا من الشعب مقاومة عنيفة، لأن حكامه كانوا قد استبدوا به وأعنتوه، وكانوا يناصرون ديانة زرادشت، ويستغلون نفوذهم في اضطهاد الفرق الدينية الأخرى، وأثقلوهم بالضرائب الباهظة.
ولم يخب أمل الفرس في عدالة المسلمين وسماحتهم، لأنهم عاملوا بالتسامح من بقي من الفرس على دينه، وكفلوا لهم حرية في العبادة، وقد أمر أحد قواد الخليفة المعتصم 218هـ بجلد إمام ومؤذن، لأنهما اشتركا في هدم معبد من معابد المجوس، لتستخدم أحجاره في بناء مسجد مكانه.
5-   رحب اليهود وسكان البلاد في إسبانيا بالعرب الفاتحين، لأنهم سيخلصونهم مما حل بهم من مظالم لا تطاق، حيث حكم القوط الطبقي التعسفي الظالم الذين يستأثرون بالضياع الواسعة.


تصفح أيضا

أخبار الطقس

SAUDI ARABIA WEATHER

مواقيت الصلاة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد عبده عوض