تعريف الأنام بأصناف الكلام
الكلام أصناف، فإذا جلست في مجلس مع الناس، وتكلمت في كل
شيء، ولم تذكر الله تعالى، ولم تصلِّ على الحبيب صلى الله عليه وسلم، فإن هذا
المجلس يكون عليك ظلمة وتِرة، أي: سحابة سوداء، "ما من مجلس لا يذكر فيه اسم
الله تعالى، ولا يصلى فيه على الحبيب صلى الله عليه وسلم إلا كان عليه ترة وحسرة
وندامة، فإن شاء الله عذبه، وإن شاء غفر له".
فالإنسان يتكلم في كل شيء جميل، لكن كلامه مع الله تعالى
لا بد أن يكون كما قال تعالى:{يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ
ذِكْرًا كَثِيرًا} (الأحزاب: 41)، فكل كلام ابن آدم عليه، أي: محاسب عليه، لا له،
إلا ذكر الله تعالى، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر... إلخ، مما يكون الكلام فيه
جميلًا وعظيمًا ويرفع صاحبه، إذن الكلام أصناف، ففيه أعلى، وفيه أوسط، وفيه أدنى.
أما الأدنى فتجد أحدهم يتكلم معك ساعة أو ساعتين ولا
تخرج منه بنتيجة ولا معلومة، هذا كله عليك لا لك، هذا هو الكلام الأدنى، والكلام
الأوسط هو الذي فيه ذكر، وفيه غير ذكر، وتختلط فيه الحسنة بالسيئة {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ
طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ الليْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ
السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} (هود: 114).
وأدِّ الصلاة أيها النبي على أتمِّ وجه طرفي النهار في
الصباح والمساء، وفي ساعات من الليل، إن فِعْلَ الخيرات يكفر الذنوب السالفة ويمحو
آثارها، والأمر بإقامة الصلاة، وبيان أن الحسنات يذهبن السيئات، موعظة لِمَن اتعظ
بها وتذكر.
واصبر على زيادة الحسنات، فالحسنات لا بد أن تكون كثيرة
لكي تمسح السيئات، فإنها تحتاج إلى صبر، وإلى متابعة، فعندما يعتدي عليك أحد الناس
سَبِّح، وعندما تشعر بوحشة سَبِّح، وعندما تضيق الدنيا في وجهك سَبح، قال تعالى{وَلَقَدْ نَعْلَمُ
أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن
مِّنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يأتِيَكَ الْيَقِينُ} (الحجر:
97-99).
والمعنى: ولقد نعلم بانقباض صدرك
أيها الرسول بسبب ما يقوله المشركون فيك وفي دعوتك، فافزع إلى ربك عند ضيق صدرك،
وسبح بحمده شاكرًا له مثنيًا عليه، وكن من المصلين لله العابدين له، فإن ذلك يكفيك
ما أَهَمَّك، واستمرَّ في عبادة ربك مدة حياتك حتى يأتيك اليقين، وهو الموت، وقد امتثل
رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ربه، فلم يزل في عبادة الله، حتى أتاه اليقين من
ربه.