صلة الرحم..السعادة الحاضرة صلة الأرحام من أوجب الواجبات الدين، بها تقوى المودة، وتزيد المحبة، وتشتد عرى القرابة، وتزول العداوة والبغضاء. ومن المشكلات المنتشرة فى بيوتنا كثرة الخلافات والنزاعات بين الأقارب، فتجد القريب يقاطع قريبه، والأخ يهجر أخاه، بل وصل الأمر وللأسف الشديد أن يعتدى الابن على أبيه والعياذ بالله، وأحيانا يطول الهجران لسنوات عدة، تقطع فيها الأرحام وتشحن فيها النفوس، يتوارثها الأبناء عن الآباء، والصغار عن الكبار، وتمضى بهم الحياة ولا يلقون بالًا لهذا الأمر الجلل، وهم قد وقعوا فى كبيرة من كبائر الذنوب، توعد الله على من فعلها باللعن والطرد من رحمته يقول الله عز وجل: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِى الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) } [محمد]. فهذا شاب يزيد عمره عن عشرين سنة لم ير عمته منذ ولد ولا يعرفها. وهؤلاء إخوة متهاجرون لم يكلم الواحد منهم الآخر منذ سنوات قد تصل إلى ربع قرن، وهذا بسبب فتات من فتات الدنيا حقير أو بسبب موقف لم يرضه أحدهما من الآخر. وهؤلاء إخوة يشتكى بعضهم بعضا لدى القضاء ويتهجم الواحد منهم على الآخر بكلام لا يجوز أن يقال للأبعدين، فكيف بالأقربين بل فكيف بالإخوة؟. وينتج عن هذا الهجران الطويل وكل ذلك بسبب عرض من أعراض الدنيا الفانية. فكيف تعيش البيوت فى سعادة وهى واقعة فى عذاب القطيعة ولعن التدابر وغياب الألفة والمحبة. فى الحديث عَنْ أَبِى بَكَرَةَ رضى الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ ذَنْبٍ أَحْرَى أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ عُقُوبَتَهُ فِى الدُّنْيَا، مَعَ مَا يُدَّخَرُ لِصَاحِبِهِ فِى الْآخِرَةِ، مِنَ الْبَغْى وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ) رواه أبو داود. وعن عائشة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلنى وصله الله، ومن قطعنى قطعه الله) رواه البخاري، ومسلم واللفظ له. فكيف تدخل السعادة بيوتًا تقاطع رحمها فيقاطعها الله سبحانه وتعالى. وعن أَبِى مُوسَى، أَنَّ النَّبِى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: مُدْمِنُ خَمْرٍ، وَقَاطِعُ رَحِمٍ، وَمُصَدِّقٌ بِالسِّحْرِ). رواه الإمام أحمد. نعم، إن قطيعة الرحم من كبائر الذنوب لا من صغارها وهى بهذا الوعيد تدخل فى تعريف الكبيرة وضابطها عند العلماء، فكل وعيد ختمه الله تعالى بعذاب أو نار أو بلعنة أو غضب فهو من كبائر الذنوب. إن الواصل لرحمه بقدر ما ينجو من هذا الوعيد الشديد فإن ما يدخره الله له أجر عظيم وخير كثير. ومن ذلك أن الصلة سبب لدخول الجنة: فعن أبى أيوب الأنصاري - رضى الله عنه - أن رجلًا قال للنبى صلى الله عليه وسلم: أخبرنى بعمل يدخلنى الجنة، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: (تعبد الله، ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتى الزكاة، وتصل الرحم) رواه البخارى ومسلم. وعن عبد الله بن سلام رضى الله عنه قال: (لما قدم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة، انجفل الناس قِبَلهُ، وقيل: قد قدم رسول لله صلى الله عليه وسلم، قد قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثًا فجئت فى الناس لأنظُرَ فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء سمعتهُ تكلم به أن قال: (يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام) رواه الترمذي(2485)، وابن ماجه (3251) واللفظ له. كما أنها سبب فى التوسعة فى العمر والرزق: فعن أنس بن مالك رضى الله عنهقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سرهُ أن يبسط له فى رزقه، ويُنسأ له فى أثرة فليصل رحمه) رواه البخارى (5986) ومسلم (2557). قيل: إن معنى زيادة العمر وبسط الرزق أن يبارك الله فى عمر الإنسان ورزقه فيعمل فى وقته ما لا يعمله غيره فيه. وقيل: إن معنى زيادة العمر وبسط الرزق على حقيقتها فيزيد الله فى عمره ويزيد فى رزقه، ولا يشكل على هذا أن الأجل محدود والرزق مكتوب فكيف يزاد؟ وذلك لأن الأجل والرزق على نوعين: أجل مطلق يعلمه الله، وأجل مقيد، ورزق مطلق يعلمه ورزق مقيد، فالمطلق هو ما علمه الله أنه يؤجله إليه أو ما علمه الله أنه يرزقه فهذا لا يتغير، والثانى يكون كتبه الله وأعلم به الملائكة فهذا يزيد وينقص بحسب الأسباب [مجموع فتاوى ابن تيمية]. إن القطيعة لو كانت من صغائر الذنوب لهان أمرها وقلنا: إنها من اللمم تكفرها الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان، لكنها من كبائر الذنوب وتحتاج منا أن نبادر إلى التسامح والتصافي، ومد اليد بالعفو والصفح فإن خير المتهاجِرَيْنِ من يبدأ بالسلام ففى الحديث عَنْ أَبِى أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ: فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِى يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ). أخرجه البخارى فى صحيحه. وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِى قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ: (لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ). رواه مسلم. إن العفو والصفح من شيم الكرام وخلق الصالحين وسبيل الأنبياء وقد حكى لنا القرآن الكريم مثالا رائعًا فى قصة نبى الله يوسف -عليه السلام- مع إخوته، بعد أن حسدوه لمحبة أبيه له، حيث قال قائلهم: {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ}، فألقوه فى البئر ليتخلصوا منه ويقتلوه ولكن الله لطف به فخرج من البئر سليمًا معافى، وتمرُّ الأيام والسنون ويكبر يوسف ويصبح وزيرًا للمال لملك مصر. وجاء إليه أخوته الذين أرادوا قتله ودخلوا عليه يطلبون منه الطعام لقومهم، ولم يعرفوه فى بداية الأمر، ولكن يوسف عرفهم ولم يكشف لهم عن نفسه، وترددوا عليه أكثر من مرة، وفى النهاية عرَّفهم يوسف بنفسه، فتذكروا ما كان منهم نحوه، فخافوا أن يبطش بهم، وينتقم منهم؛ لما صنعوا به وهو صغير، لكنه قابلهم بالعفو الحسن والصفح الجميل، وقال لهم: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 92]. والصلة يمكن أن تكون بما يلي: الزيارة: بأن تذهب إليهم فى أماكنهم. والاستضافة: بأن تستضيفهم عندك فى مكانك. ولا تفقدهم والسؤال عنهم والسلام عليهم. إعطاؤهم من مالك سواء كان هذا الإعطاء صدقة إذا كان الموصول محتاجًا أو هدية إن لم يكن محتاجًا. إنزالهم منازلهم التى يستحقونها وإعلاء شأنهم. ومشاركتهم فى أفراحهم بتهنئتهم ومواساتهم فى أحزانهم بتعزيتهم. عيادة مرضاهم.واتباع جنائزهم.إجابة دعوتهم، إذا وجهوا لك الدعوة فلا تتخلف إلا لعذر.سلامة الصدر نحوهم. إصلاح ذات البين بينهم. الدعاء لهم. نسأل الله العلى العظيم أن ينعم علينا ربنا بصلة الأرحام، وبسط الرزق والرحمة وتمام الإنعام.