خطبة الجمعة "51" الشهودية لله عز وجل " لفضيلة الأستاذ الدكتور / أحمد عبده عوض الداعية والمفكر الإسلامي
الحمد لله رب العالمين، أمره بين الكاف والنون، إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون، سبحان من تواضع كل شيء لعظمته، وذل كل شيء لعزته، واستسلم كل شيء لإرادته، سبحان من هو العزيز في ملكوته، العليم بأمور عباده، {رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ ۗ وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِن شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} {قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَىٰ (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ (50) قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَىٰ (51) قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ ۖ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى (52)}.
و أشهد أن لا إله إلا الله، من زاده الله شكرا، زاده الله عرفانا، ومن زاده الله عرفانا
ازداد إلى الله تعالى قربا، "ولإن شكرتم لأزيدنكم".
وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله نور الأنوار وسر الأسرار، ومفتاح دار السلام، الصلاة والسلام عليه شفاء لما في الصدور، {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (58)}.
الشهودية لله عز وجل
اختيار هذا الموضوع جاء لأن الملاحدة يعيبون علينا عندما نقول: أشهد أن لا إله إلا الله، فهم يحتجون ويوقولون: هل رأيتم الله؟ هل شاهدتم محمدا رسول الله؟
الملاحدة يعتقدون أن مطلق الإيمان أن تؤمن بما تراه، وما لا تراه ألا تؤمن به، وهذا الكلام باطل، الروح موجودة فيكم، ولكنكم لا ترونها، هل معنى هذا عدم وجودها؟ الجاذبية موجودة، ولكنكم لا ترونها، هل معنى هذا أن الجاذبية غير موجودة؟
الشهودية شرط الإيمان
مدخلك إلى الإيمان: أشهد أن لا إله إلا الله، الذين يؤمنون بالغيب، الله تعالى غيب، لأنك لم تره، لكن نعماءه لا ينكرها جاحد، {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ}.. ما هو أكبر شيء مشهود في الحياة؟ الله، في كل حركة نفس الله، في كل طعمة الله ، في كل شربة الله، في كل نومة الله، "أإله مع الله تعالى الله عما يشركون".
عندما أقول: أشهد أن الا إله إلا لله معناها أنني شهدت الله، لأنني شهدت نعماء الله، وشهدت قدرة الله..
وأنت لست مهيئا لكي ترى الخالق، فالإنسان لا يقدر أن يرى الله تعالى في الدنيا، {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)}.
أول المؤمنين أن الله لا يُرى في الدنيا، ولما قال بنو إسرائيل: أرنا الله جهرة، وكانوا واقفين فوق جبل الطور، ارتفع الجبل وارتفع كانه ظلة عليهم، {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171)}. فتحولت الأرض إلى سماء، فماتوا جميعا صعقا من الخوف.
ثم دعا موسى ربه أن يحييهم، فأحياهم الله بدعوة موسى عليه السلام، من يفعل هذا إلا الله؟
لن تكون مؤمنا إلا بـ: "أشهد"، شهودية حق وقلب وعين وبصر وبصيرة، وأول من شهد لله هو الله، وأول من حمد نفسه هو الله، وأول آية في القرآن الكريم: الحمد لله رب العالمين، معناها أن الله تعالى علم سلفا أن أحدا لن يقدر على حمد الله، فحمد الله نفسه، الحمد لله رب العالمين، معناها أن الله تعالى شهد لنفسه.
{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)}، لماذا شهد الله لنفسه؟ لأن أحدا لن يقدّر عظمة الله إلا الله تعالى، وسيدنا داوود عليه السلام يقول: رب علمني كيف أحمدك، فقال: لن تستطيع أن تحمدني ولو جعلت لك بكل شعرة لسانا، لن تستطيع أن تحمدني.
قدرة الله تعالى لا يحيط بها إلا الله{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)}، أولو العلم في منزلة الملائكة عند الله، بل أضاف الله لأهل العلم خاصية لم يعطها الملائكة.. "قائما بالقسط"، فشهد أهل العلم كما شهد الله والملائكة. لا إله إلا هو العزيز الحكيم. هذه الجملة شهد بها االله والملائكة وأولو العلم.
وإذا رأيت من يعترضون على القرآن فلا تصدقهم لأن الله تعالى يقول: أنزله بعلمه والملائكة يشهدون، فجعل شهودية الملائكة جانبا من علم الله تعالى.
يوم أن نزل القرآن قبل أن يخلق السماء والأرض علم فيه كل ما سيجري في السماء والأرض.
البشارة بالشهادة
كل من قال: لا إله إلا الله مخلصا بها قلبه موقنا به فقد بشره رسول الله صلى الله عليه وسلم، النبي صلى الله عليه وسلم أمر معاذا أن اخرج وبشر الناس أن من شهد أن لا إله إلا الله موقنا بها قلبه وجبت له الجنة، أساس التوحيد: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)}، إذن؛ التوحيد علم، وإذا لم تدخل هذا العلم لن تنتفع ببشرى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
معنى "لا إله إلا الله" أن الإنسان ينزوي أمام عظمة الله، ويجهل أمام علم الله. ويفتقر أمام غنى الله، اللهم اغننا بالافتقار إليك.
لا يبشَّر أحد بالجنة إلا من شهد أن لا إله إلا الله، موقنا بها قلبه، وليس جديدا أننا عندما جئنا إلى هذه الحياة فإن الله تعالى جعل هذه الشهادة شرط الإسلام، لأن الله تعالى أخذ علينا الشهادة جميعا ونحن في ظهر آدم عليه السلام.
الشهادة في عالم الذر
أخذ الله الميثاق على كل الناس وهم في ظهر أبيهم آدم، {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ} جميع الناس في ظهر أبيهم آدم شهدوا لله، فلماذا تكذب على نفسك عندما تخرج إلى الحياة؟ {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ (172)}. أن الله تعالى أخذ الميثاق علينا بالشهادة، ودخل رجل على سيدنا رسول الله فعلمه النبي الشهادة، فقال: لا أريد إلا هذا، يكفيني الشهادة وأن أعمل بها، وأن أقوم عليها، فبشره النبي بالجنة، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.
كتاب الكون
الكون كله يشهد أن لا إله إلا الله، هذا الكتاب اسمه الكلمات، كل ما فيه يقول: الكون عبارة عن كلمات، كل كلمة في الكون تشهد أن لا إله إلا الله، {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27) مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ۗ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28)}.
العالم الآن 6 مليار نسمة، وكلهم بالنسبة لله تعالى كواحد فقط، فما بالكم بالخلق من أول سيدنا آدم؟ {مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ۗ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28)}.
إذا أردت أن تدخل كليات الإيمان فإن الكون هو دليلك على الله، يقلب الله الليل والنهار، تقليب الليل والنهار. {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62)} جعل آلاف الكفار يشهدزن أن لا إله الله، انتظام الأفلاك في السماء في كتاب الكون، {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39)}، كل يوم في منزلة. {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)}.
{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)}. مستقرها السجود عند عرش الرحمن.
كتاب الكون المفتوح يقرأه المسلم والكافر، ولكن من يتعلم؟ أصحاب النظر الذين قال عنهم الله تعالى: {قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ (101)} {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (59)}.
الكون كتاب مفتوح، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ا مشى نظر في السماء فتأمل عظمتها فقال كلما فتح عينيه إلى السماء: ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار.
الخطبة الأخرى
الحمد لله رب العالمين، {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (90) مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91)}.
{الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا (39)}.
دعاء الشهودية لله عز وجل
لا إله إلا الله، بيده الملك والملكوت، سبحان من سبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته، سبحان من له الجلال وله الكمال، سبحان من يجير ولا يجار عليه، والصلاة والسلام على خير الأخيار وإمام الأبرار النبي العربي المختار، ارزقنا شرف الشهادة بين يديك نشهد لك بالربوبية، ونشهد لك بالوحدانية، ونشهد لك بالأسماء والصفات، فاعلم أنه لا إله إلا الله، يا من يطعم ولا يطعَم، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، نشهد لك بالوحدانية، لا ند لك، لا نظير لك، لا وزير لك، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)}.
أقسم بك عليك يا الله، نجنا بهذه الشهادة، احفظنا بهذه الشهادة، اجعلها نجاة لنا، وهداية لنا، واجعل بها سعينا مشكورا، وذنبنا مغفورا، ودعاءنا مستجابا، {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ (62)}.
يا من يعلم حالنا، ويرى مكاننا، ولا يخفى عليك شيء من أمرنا، كلنا مشتاقون إلى الفرج، وعجلت إليك رب لترضى، ارض عنا الآن، لا تفرق جمعنا إلا وقد عفوت عنا، وسلمتنا من الذنوب والآثام، ومن جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء، اجعل لسان حالنا: وعجلت إليك رب لترضى.