ما يصيب المرضى تكريم من الله تعالى لهم
فاختلاف حالات البشر مدعاة لك لأن تشكر الله
تعالى على نعمه الظاهرة وعلى نعمه الباطنة، وأما ما يجري على الناس من ابتلاءات في
حالات لضمور خلايا المخ أو الشلل أو الجلطة، فذلك تكريم من الله تعالى لهم؛ لأنهم
نماذج على الصبر نُعلم من خلالهم غيرهم من أبنائنا أنهم في نعمة العافية، وآخرون
حرموا من هذه النعمة فليعطوا لهذه النعمة حقها، وليحافظوا على هذه النعمة العظيمة
التي لا يرى صحتها إلا الأصحاء، بمعنى أنه ذات مرة رأيت شابا عنده شلل رباعي،
ورأيته جالسا على مقعد ووالده الكهل في سنه الثمانين يسحب المقعد بابنه الذي لم
يتجاوز مرحلة الفتوة اثنا عشر سنة، إلا أنَّ ابنه كان يبتسم ابتسامةً جميلةً تملأ
وجهه نورًا، وتعبِّر عن حالةٍ من الرضا، ثم طالعت وجه أبيه، فإذا به يبتسم
ابتسامةً سعيدةً لا تخلو من حزنٍ مع رضا في نفس الوقت، وهذه الابتسامة تعبّر عن
حالةٍ من الرضا في مكنونها إيمان، وفي مكنونها أنَّ الإنسانَ لن يستطيعَ أن يختارَ
لنفسه شيئًا، وهي ابتسامةٌ تعبر عن حالةٍ من الرِّضا التي في داخلها القناعة أنَّ
ما قُدِّر على الإنسان أن يغير منه شيئا، كما أنَّ اختلافَ الأحوالِ بينَ البشرِ
أمرٌ واردٌ جدًا.
فها
هو إنسان كان سليما جدا، وكان يرى بكلتا عينه ويمشي بقدميه، وإذا بحادثة مفاجئة
نتيجتها أن يداه قد شُلَّت وشُلَّت قدماه ولكنه بقي حيا؛ لكي يحمد الله تعالى على
نعمة الحياة، والناس الذين عندهم ابتلاءات شديدة في أولادهم، أو في أنفسهم هم أعظم
أساتذة في مدرسة عظيمة أنتم أيها لملاحدة لا تعرفونها، وهي نعمة الرضا التي لا نستطيع
أن نعيشها أو نحياها إلا عندما نرى في المجتمع صورًا لهذه الأحوال التي ما أراد
اللهُ العذابَ لأصحابها، وإنما كَتَبَ الله الرحمة لهؤلاء الذين سُلبت منهم بعض
أعضائهم، إنَّ الذي عنده عَرَجٌ يعلمنا الثبات، إن الذي عنده عمى يعلمنا أن
الإنسان يستمد نور البصيرة قبل نور البصر.
إن الإنسان الذي عنده إعاقة حركية هو يعيش حالة
من الأنس والاستغراق مع الله ما عاشها كثير من الأصحاء؛ فإن هؤلاء الصغار رغم
أمراضهم الشديدة وتعطّل حركتهم، وأنهم لم يحظوا بطفولة جميلة ولم يسعدوا لا بلعب
ولا بمرح، ورغم ذلك فهناك حالة من السعادة والرضا والفرح والشغف القلبي يسيطر
عليهم وتملأ حياتهم.