عفو أبي بكر رضي الله عنه:
هذه قصة حفظتها لنا كتب السُّنة النبوية، وطرفَا القصة هما صحابيان جليلان، الصديق أولهما أبو بكر، والثاني ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنهما، وقد رواها الإمام الحاكم في مستدركه، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه عن ربيعة بن كعب الأسلمي t قال: أعطاني رسول الله r أرضًا، وأعطى أبا بكر أرضًا، فاختلفنا في عذق نخلة، قال: وجاءت الدنيا فقال أبو بكر: هذه في حدي وقلت: لا بل هي في حدي. قال: فقال لي أبو بكر كلمة كرهتها وندم عليها، قال: فقال لي: يا ربيعة قل لي مثل ما قلت لك، حتى تكون قصاصا، قال: فقلت: لا والله ما أنا بقائل لك إلا خيرا، قال: والله لتقولن لي كما قلت لك، حتى تكون قصاصا، وإلا استعديت برسول الله r. قال: فقلت: لا والله ما أنا بقائل لك إلا خيرا، قال: فرفض أبو بكر الأرض، وأتى النبي r فجعلت أتلوه، فقال أناس من أسلم: يرحم الله أبا بكر هو الذي قال ما قال، ويستعدي عليك، قال: فقلت: أتدرون من هذا؟ هذا أبو بكر هذا ثاني اثنين، هذا ذو شيبة المسلمين، إياكم لا يلتفت فيراكم تنصروني عليه، فيغضب فيأتي رسول الله r، فيغضب لغضبه، فيغضب الله لغضبهما فيهلك ربيعة، قال: فرجعوا عني، وانطلقت أتلوه حتى أتى النبي r، فقص الذي كان، قال: فقال رسول الله r: «يا ربيعة ما لك والصديق؟» قال: فقلت مثل ما قال كان كذا وكذا، فقال لي: قل: مثل ما قلت لك فأبيت أن أقول له، فقال رسول الله r: "أجل، فلا تقل له مثل ما قال، ولكن قل: يغفر الله لك يا أبا بكر " قال: فولى الصديق t وهو يبكي. قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه».
إن هذه القصة تحمل جملة من الدروس، ولا أدري بأيها أبدأ، هل أبدأ برسول، وكيف سمع من أبي بكر وربيعة رضي الله عنهما، وكيف جعلهما يتجاوزان هذه المرحلة،أم النفس الكبيرة للصديق t، أم ربيعة t وتوقيره للصديق t... وفيها جمل كبيرة من التسامح لمن تأملها.