بسم الله الرحمن الرحيم

إنها الرحلة العمرية اليومية رحلة الراشد كأنك تحلق في السماء.

درس اليوم هو الدرس السادس والستون وعنوانه مواعظ نادرة

لن أتكلم عن المواعظ التي كان يعطيها عمر للعمال والموظفين والمحافظين والأمراء

هذا موضوع كبير يحتاج إلى مجلدات، ولكن سأتكلم عن المواعظ التي كانت تأتيه هو شخصيا

ولن يعظه إلا العلماء المعاصرون له، وعلى رأسه أستاذه وأستاذ الكل الإمام الحسن البصري أستاذ الورع والزهد في تاريخ الإسلام

 وسنأخذ شيئًا يسيرا مواعظ الحسن إلى الإمام الخليفة عمر بن عبد العزيز.

أما بعد، فكل المثل يعني الناس اللي سنك يعني من المسلمين أخا وللكبير ابنًا وللصغير أبًا أعاقب كل واحد بذنبه على قدر جسمه، ولا تضربن غضبك صوتا واحدا تدخل به النار

 لو انت منفعل وزعلان لا تقضي اسكت تماما ، واعلم أن الهول الأعظم أمامك أنه لابد منها وأنك لابد أن تأتيها يقصد يوم  القيامة إما بالسلامة وإما بالنجاة وإما بالحساب والعقاب

 يعني كلما وعظ ارتاح من الجانب التخويفي من عذاب الله سبحانه وتعالى، وطبعا سيدنا عمر بصراحة لم يكن يحتاج إلى هذا، ولكن لا بأس أن يستمع إلى أعظم علماء عصره

وكتب عمر إلى الحسن: عظني وأوجز

 هو اللي بيطب الموعظة خلي بالك من دي، الحاكم الصالح هو الذي يطلب الموعظة من علماء عصره. فعظني وأوجز. فكتب إليه.

أما بعد، فإن رأس ما هو مصلحك فمصلح به على يدك الزهد في الزهد وإنما الزهد باليقين واليقين بالتفكر والتفكر بالاعتبار

فإذا أنت تفكرت في الدنيا لن تجدها أهلا أن تبيع بها نفسك، ووجدت نفسك أهلا  أن تكرمها بهواء الدنيا فإنما الدنيا دار بلاء ومنزل غفلة.

الكلام هنا بصراحة يكتب بالذهب كلام فريد وكلام أصيل. ثم كتب إليه الإمام الكبير الحسن البصري هذه الرسالة القوية أيضًا:

أما بعد، فلو كان لك عمر نوح عليه السلام، وملك سليمان عليه السلام، ويقين إبراهيم عليه السلام

وحكمة لقمان فإنك أمامك هول الموت ومن ورائه داران إن أخطأتك هذه صرت إلى هذه فريق في الجنة وفريق في السعير.

وكتب إليه الحسن:

يا أمير المؤمنين: أنت عمود الأمة وعمود الخيمة فإن استقمت استقاموا وإن اعوججت اعوجوا معك.

كلام كل الحكام والأمراء والرؤساء والملوك في العصر الحاضر يحتاجون إلى مثله.

مواعظ الحسن له كثيرة جدا ولو أغدقت فيها سأحتاج فيها أياما جميلة سنختمها بكلمتين يقول أما بعد: فأنك في الدنيا لم تكن وكأنك في الآخرة لم تزل

كل كلمة ورائها علوم عظيمة جدا جدا جدا، هل استفاد عمر بن عبد العزيز من مواعظ إمام عصره؟

نعم، استفاد بها بل حفظها ثم كررها في خطبه ثم كتبها إلى البلاد إلى مصر والسعودية والعراق واليمن وكذا وكذا يعني حفظ المواعظ

وعمل بها وتشربها وهضمها ثم كتبها وأرسلها إلى جميع بلاد الإسلام.

أيها السادة الكرام الكمل: عندما كان عمر بن عبد العزيز واليا على المدينة كان يلتقي بعلماء المدينة وأعلامها ومن علماء المدينة طاووس بن كيسان

 طاووس بن كيسان درس له عندما كان صغيرا وعاقبه مرة على تأخره عن صلاة الجماعة ولم يقبل له حجة ولا عذر

 فنشأ في داخل عمر من صغره، نشأ في داخله الخوف من الله سبحانه وتعالى لأنه لم يعاشر إلا من صلح أمره واشتدت همته

 طاووس بن كيسان كتب إليه هذه الرسالة بعد أن صار خليفة:

سلام عليك يا أمير المؤمنين، فإن الله عز وجل، أنزل كتابًا وحل حلالا وحرم حراما وكتب في هذا الكتاب أمثالا

وجعل بعضه محكما وبعضه متشابها، فأحل حلال الله وحرم حرام الله وتفكر في أمثال الله واعمل بمحكمه وآمن بمتشابه، والسلام عليكم.

كلمات بسيطة ممكن نعلمها للأطفال والصغار والكبار وللحاكم والرعية ولكل الناس حتى يتعلموا كيف نتعلم ونتدبر القرآن الكريم.

نقلب صفحة جديدة إلى رجل عظيم بصراحة، اسمه سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، يعني جده سيدنا عمر، سالم هذا عاصر عمر عندما كان أميرا على المدينة، هو في مقام خاله

لما تولى عمر الخلافة كتب إلى سالم هذه الرسالة. هو اللي هيبعتله الرسالة هيطلب منه النصيحة.

أما بعد، فإن الله تبارك اسمه وتعال جده ابتلاني بما ابتلاني به السابقين وهكذا، فأسأل الله الذي ابتلاني بما ابتلاني به أن يحسن عوني وأن يعافيني وأن يحسن عاقبتي

فابعث إلي بكتب عمر جده يعني وقضائه في أهل القبلة وأهل العهد، فإني متبع آثارهم وسائر بسيرته إن شاء الله تعالى.

أرسل لسالم اللي هو في المدينة حاليا بيقول له ابعت لي شغل جدي وكل المكاتبات لكي أنفذها وأسير على هديها.

فرد إليه سالم: أما بعد، فإن الله تعالى خلق الدنيا لما أراد أن يخلقها له فجعل لها مدة قصيرة، كأن ما بين أولها وآخرها ساعة من نهار

 ثم قضى عليها وعلى أهلها الفناء. كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون.

يا عمر: كل شيء سأرسله لك وسأرسل لك كتاب جدك عمر، وكتب له كل شيء وكتب له رسالة طويلة عظيمة جدا في ورقتين معي، لو أن الوقت يسمح لقرأتها عليكم.

لكن المهم: أن الحاكم الصالح هو  الذي لا يتكبر على طلب الموعظة وإنما إذا عاصر أهل الفضل، ما هؤلاء أهل فضل، سالم بن عبد الله بن عمر بسم الله ما شاء الله، طاووس بن كيسان

ودارت المراسلات الكثيرة بينه وبين سالم بن عبد الله، لأن سالم بن عبد الله بصراحة أنا شخصيا معجب به جدا لأنه أستاذ في الورع وأستاذ في التواضع

وحق له أن يكون جده الفاروق عمر رضي الله عنهم جميعا، أهل فضل وأهل سبق وأهل بصر وأهل بصيرة.

وكتب سالم ومحمد بن كعب القرظي هذه الرسالة إلى أمير المؤمنين عندما طلب الموعظة منهما، وهذه لها دلالة عظيمة جدا

فقال له يا أمير المؤمنين: إن الله لم يجعل أحدا من خلقه فوقك يعني انت سلطان  انت الأمير انت الملك انت الزعيم انت أعلى واحد في الأرض

فلا ترضى لنفسك أن يكون أحد من خلقه أطوع له منك

يعني انت السلطان فلازم تكون رقم واحد في العبادة وفي الطاعة وفي الذكر وفي الاستقامة لا يتقدم عليك أحد

واجعل للناس  أصنافًا الكبير بمنزلة الأب والوسط بمنزلة الأخ والصغير بمنزلة الولد الابن

فبر أباك وصل أخاك واعطف على ولدك واعلم أنك أول خلقه يموت

كلمات بسيطة ومهذبة ورقيقة

 ومن عمل بها علا أمره وقويت همته. محمد بن كعب القرظي من الصالحين الكبار جدا وكان من مقولاته التي يحفظها عنه عجائب القرآن أطرن النوم من عينيا

 فكان يكتب لسيدنا عمر رسائل سنأخذ واحدة منها بتقول ايه؟

إن مزاحم اللي هو مساعد سيدنا عمر قال له إن محمد بن كعب  القرظي بالباب قال أدخله

 فدخل وعمر يمسح عينيه من الدموع، فقال له محمد بن كعب ما أبكاك يا أمير المؤمنين، فقال أحد المساعدين أبكاه كذا

فقال محمد بن كعب: يا أمير المؤمنين إنما الدنيا سوق من الأسواق فمنها خرج الناس بما ضرهم ومنها خرجوا بما نفعهم وكم من قوم غرهم منها مثل الذي أصبحنا فيه حتى أتاهم الموت

فاستوعبهم فخرجوا منها ملومين ولم يخرجوا منها سالمين، فظل يعني يعطي له مواعظ جميلة على أنه في موضع الثبات وفي موقع صبر، ووعظه محمد بن كعب القرظي

فقال يا أمير المؤمنين: ثلاث من كن فيه استكمل الإيمان، من إذا رضي لم يدخله رضاه بالباطل يا سلام! يعني لا يجامل، لا يقبل الوساطة، لا يفضل أحد على أحد، وإذا غضب لم يخرجه غضبه عن الحق يعني ممكن ينفعل ذات مرة أو ذات مرتين

 لكن عندما ينفعل فليكن انفعاله بعيدا عن الحكم لا يقضي بين الناس وهو غضبان، لا يصدر حكما وهو غضبان، وهكذا كان القضاة في الإسلام إذا غضب يسكت ميتكلمش

 وإذا غضبوا غضبوا لأجل الله سبحانه وتعالى.

مرة ثانية إذا كنت مفرفشا معي مصحصحا معي مصهللا معي مصليا على حضرة النبي معي صلى الله عليه وسلم، محمد بن كعب بيقوله ثلاثة التزم بها يعني، ثلاث من كن فيه استكمل الإيمان، من إذا رضي لم يدخله رضاه بالباطل

وإذا غضب لم يخرجه غضبه عن الحق، وإذا قدر لم يأخذ ما ليس له، كان هناك واعظ مشهور يسمى بأبي حازم

لطالما أتعب الأمراء، لأن مواعظه كانت شديدة وكانوا ينفرون منه إلا عمر، كان يدعوه يقوله تعالى يا أبا حاتم عظني، اوعظني شوفوا الجمال، فقال له اضطجع

ثم اجعل الموت عند رأسك ثم انظر ما تحب أن يكون فيك تلك الساعة  فغص فيه الآن، وما تكره أن يكون فيك تلك الساعة فدعه الآن، يا سلام، كلام من ذهب الصراحة.

أبو حازم يعظه فقاله اضطجع يعني نام واجعل الموت عند رأسك فانظر بما تحب أن تلق الله تعالى به

فاجعله معك الآن وما لا تحب أن تلق الله تعالى به  فاتركه من الآن. موعظة من ذهب.

وكتب أبو حازم إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، اتق أن تلق محمدًا صلى الله عليه وسلم وأنت بتبليغ الرسالة له مصدق وهو عليك بسوء الخلافة في أمته شهيد

 يعني انت أمير المؤمنين ستقابل رسول الله نفسه وسيسألك النبي يا عمر، ماذا فعلت في أمتي؟

احنا قلنا في الدروس الأولى لمن لم يحضر معنا زمان في الأول أنه لما تهيأت له الخلافة جاءه النبي في الرؤية وبشره بالخلافة قبل أن يكون خليفة

قال له إنك أمير هذه الأمة وتملأ الأمة عدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا وكان معه أبو بكر وعمر

 فقال الزم هذين الرجلين هذا أبو بكر وهذا عمر، ووعظه رجل عظيم اسمه القاسم بن مخيمرة لا تنسوا هذا الاسم المزلزل

 قال دخلت على عمر بن عبد العزيز وفي صدري حديث يتجلجل فيه أريد أن أقذفه إليه يعني داخل مشحون يعني

 فقلت له بلغنا أن من ولي على الناس سلطانا احتجب عن فاقتهم وحاجتهم احتجب الله عن حاجته وفاقته يوم يلقاه، فنظر عمر إليه وبكي، يعني بيقوله اتعلمنا إن أي واحد سلطان زيك كدة لو أغلق بابه دون الناس

 واحتجب دون الناس أغلق الله تعالى باب الرحمة في وجهه، ومن فتح بابه للناس ولم يحتجب عن الناس يا سعداه يا سعداه يوم يلقاه. الله.

موعظة ابن الأهتم لعمر بن عبد العزيز:

ابن الأهتم كان من النساك العباد في عهد الخليفة، فقال له إن الله تعالى خلق الخلق غنيا عن طاعتهم آمنا بمعصيتهم أن تنقصهم حاشاه حاشاه

فالناس يومئذ في الحالات والمنازل مختلفون فلما أراد الله ينشر فيهم حكمته بعث فيهم رسوله عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم

 فبلغ محمد رسالة ربه ونصح الأمة وجاهد في الله تعالى حق جهاده حتى آتاه الله اليقين، ثم ولي أبا بكر وظل يحكي له تاريخ الصحابة رضي الله عنه

ثم قال له في آخر الرسالة: امض رحمك الله لما كان عليه أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، يعني موعظة طويلة لكي يعلمه بما كان عليه الصالحون الكبار.

وكان يدخل الواعظ عليه على سيدنا عمر فيعظه ولا يتركه حتى تبتل الأرض بدموعه

يعني القلب حاضر والنفسية مطاعة وطيعة لله رب العالمين.

وكان أيضًا هناك رجل واعظ في عهده اسمه خالد بن صفوان فكتب إليه خالد بعد أن أرسل إليه عمر فقال: عظني وأوجز

فقال يا أمير المؤمنين إن الله لم يرضى لأحد أن يكون فوقك إن رقم واحد في العالم فلا تجعل أحدا أشهر منك لله

فبكي عمر حتى غشي عليه، ثم أفاق فقال هه يا خالد

خالد بن صفوان يعظه وجالس معه يقول له إن الله تعالى جعلك فوق الناس فلا تجعل  أحد على وجه الأرض أطوع لله منك فبكى حتى أغشي عليه

 فلما أفاق قال هيه هيه يا خالد يعني كمل الموعظة فوالله إني  أخافه خوفا وأحذره حذرا وأرجوه رجاء وأشكره شكرا وأحمدنه حمدا

ولأجتهدن في العدل والإنصاف والزهد في فان الدنيا، والرغبة في بقاء الآخرة ودوامها

حتى ألقى الله عز وجل فلعلي أنجو من الناجين وأفوز مع الفائزين وبكي حتى غشي عليه مرة ثانية

 هذه نفوس طيعة طيبة جميلة، ما أجملها، وكان هناك واعظ من المعاصرين له نختم به ونحلي اسمه زياد العبد فدخل عليه زياد فقال عظني

 فقال يا أمير المؤمنين لا تعمل نفسك في الوصف واعمل نفسك في المخرج مما وقعت فيه، فلو أن كل شعرة منك نطقت ما بلغت كونها ما أنت فيه.

طبعا الكلام معناه إن هو المسئولية كبيرة عليك لو كل شعرة عندك اتكلمت لن تقدر هذه الشعور أن تعبر عن الأمانة التي وضعها الله تعالى في رقبتك فبكى عمر حتى غشي عليه

أيها السادة الكرام لم تنته رحلتنا الرحلة لازالت جميلة ولذيذة ومنعشة وتزلزلني زلزلة كبيرة.

"إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)" المؤمنون