بين الصدق والتقوى الربط بين الصدق والتقوى موجود أيضًا في سورة الزمر في قوله تعالى {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (الزمر: 33)، كأنك لن تكون تقيًّا إلا إذا كنت صادقًا مع الله، وإنني أحب هذا الرجل وأتكلم عنه كثيرًا من أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا الرجل ما أحب من الدنيا شيئًا إلا أن يموت شهيدًا، وقد أتى ورسول الله صلى الله عليه وسلم يوزع الغنائم، فأعطاه الحبيب صلى الله عليه وسلم نصيبه، فغضب، وقال: يا رسول الله، ما على هذا بايعتك، أي: ما أريد من الدنيا شيئًا، إنما بايعتك على أن أُضرب بسهم فأموت، فأدخل الجنة، وحَدَّدَ المكان الذي يتمنى أن يستشهد فيه، فجاءته ضربة في المكان الذي أشار إليه فمات شهيدًا. والحديث بتمامه في الصحيح "أنَّ رجلًا مِنَ الأعرابِ جاءَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فآمنَ بِهِ واتَّبعَهُ، ثمَّ قالَ: أُهاجرُ معَكَ، فأوصى بِهِ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ بعضَ أصحابِهِ، فلمَّا كانَت غزوةٌ غنمَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ سبيًا، فقسمَ وقسمَ لَهُ، فأعطى ما قسمَ لَهُ، وَكانَ يرعى ظَهْرَهُم، فلمَّا جاءَ دفعوهُ إليهِ، فقالَ: ما هذا؟ قالوا: قَسمٌ قَسمَهُ لَكَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، فأخذَهُ فجاءَ بِهِ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، فقالَ: ما هذا؟ قالَ: قَسمتُهُ لَكَ، قالَ: ما علَى هذا اتَّبعتُكَ، ولَكِنِّي اتَّبعتُكَ على أن أرمى إلى ههُنا، وأشارَ إلى حَلقِهِ، بسَهْمٍ، فأموتَ فأدخلَ الجنَّةَ فقالَ: إن تَصدقِ اللَّهَ يَصدقكَ، فلبِثوا قليلًا ثمَّ نَهَضوا في قتالِ العدوِّ، فأتيَ بِهِ النَّبيُّ يحملُ قَد أصابَهُ سَهْمٌ حيثُ أشارَ، فقالَ النَّبيُّ: أَهوَ هوَ؟ قالوا: نعَم، قالَ: صدقَ اللَّهَ فصدقَهُ، ثمَّ كفَّنَهُ النَّبيُّ في جبَّةِ النَّبيِّ، ثمَّ قدَّمَهُ فصلَّى علَيهِ، فَكانَ فيما ظَهَرَ من صلاتِهِ: اللَّهمَّ هذا عبدُكَ خرجَ مُهاجِرًا في سبيلِكَ فقُتلَ شَهيدًا أَنا شَهيدٌ على ذلِكَ". قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (يوسف: 109). والمعنى: ما أرسلنا من قبلك أيها الرسول للناس إلا رجالًا منهم، ننزل عليهم وحينا، فهم أقدر على فهم الدعوة والرسالة، يصدقهم المهتدون للحق، ويكذبهم الضالون عنه، أفلم يسيروا في الأرض، فيعاينوا كيف كان مآل المكذبين السابقين وما حلَّ بهم من الهلاك؟ ولثواب الدار الآخرة أفضل من الدنيا وما فيها للذين آمنوا وخافوا ربهم.. أفلا تتفكرون وتعتبرون؟ أي: ما بلغوا مرتبة النبوة إلا لأنهم رجال صادقون مع الله، فقال: يا رسول الله، ما بايعتك على هذا، إنما بايعتك على أن أُضرب بسهم ها هنا، فأموت شهيدًا، فأدخل الجنة، وبعد لحظات قلائل، خرج هذا الرجل مجاهدًا في سبيل الله تعالى، وفي نفس المكان الذي حدَّده جاءه سهم فقتله، فترك سهمه، أي نصيبه من الغنائم، في الدنيا، فجاءه سهمه في الجنة. وبعد المعركة نظر إليه الحبيب صلى الله عليه وسلم على مسافة بعيدة وهو يشير إلى أصحابه: "أهو هو؟" قالوا: نعم يا رسول الله، قال: "صدق مع الله فصدق الله تعالى معه".. إن تصدق مع الله فإن الله تعالى يصدق معك.