هديِ النبيّ الكريم صلى الله عليه وسلم في التَّطَيُّب

الرئيسية المقالات مقالات دينية

هديِ النبيّ الكريم صلى الله عليه وسلم في التَّطَيُّب

هديِ النبيّ الكريم صلى الله عليه وسلم في التَّطَيُّب
الحمد لله رب العالمين المحمود على كل لسان، الرحمن علَّم القرآن، خلَق الإنسان علَّمه البيان، والصلاة والسلام على سيد الأكرمين، وإمام الخلق أجمعين، وعلى آله وصحبه الطيبين.
أما بعد: الدرس الثالث عشر في هذه السلسلة اليومية المعايشة النبوية يتحدث عن"هديِ النبيّ الكريم صلى الله عليه وسلم في التَّطَيُّب".
والطِّيبُ جانبٌ من الثقافة العربية والإسلامية خاصةً الثقافة النبوية المحمدية ذلكم لأن الطِّيبَ يُعطي النفسَ بهجةً وراحةً وسكينةً خاصة العطور العربية التي تفوح منها أنواعٌ جميلةٌ من الطبيعة من الورود والرياحين والزهور والفُلّ والياسَمِين، وما شابَه ذلك، فهي تبعث في النفس الراحةَ والبهجة والمُهجَةَ والابتهاجَ والرغبة في الحياة، وفي حُبِّ الحياة كما أنها تعديلٌ للناحية النفسية والناحية المزاجية فضلًا عن الروائح الحديثة المختَلَطة التي ظهرت ما بين عُطورٍ عربية وأجنبية تم دمجُها وخلطُها، وهي الأخرى رغم عُلُوِّ ثَمنِها وكعبِها ورغم نُدرتِها لكنها جميلةٌ أيضًا؛ لأنها في الأساس مُشتَقةٌ من عناصرَ طبيعية في البيئة.
ولا عجبَ أن يكون موضوعُ التَّطيُّب من الموضوعات التي عُنِيَ بها الغربُ، وتَجِدُ ثقافاتٍ كثيرةً مثلَ دولَةِ "هولاندا" التي يقوم اقتِصادُها كله على الطِّيب والتطيُّبِ والروائحِ وما شابه ذلك، وكل هذا تطبيقٌ - من حيثُ لا يعلمون - لِسُنَّةِ النبِيِّ الكريم صلى الله عليه وسلم.
لقد ورد في الصحيح عند الإمام البُخارِيّ رحِمه الله تعالى عن السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يَرُدُّ الطِّيبَ؛ يعني: متى أُهدِيَ الطِّيبُ إلي سيدنا صلوات ربي وسلامُه عليه، فإن النبي – صلى الله عليه وسلم - كان لا يَرُدُّه، وليس خافِيًا عليك أنه كان يستخدم السواك، والسواكُ الطَّرِيُّ فيه أيضًا ما يُشبِهُ الطِّيبَ والرائحةَ الطَّيِّبَةَ - سلَّمَك الله - فضلًا عن استحداث أنواع من الأَسوِكَةِ (جمع السواك) المختلطة بأنواع من العطور مثل العنبَر والنعناع والياسَمِين وغير ذلك، إذا صلَّيْتَ على النبي صلى الله عليه سلم.
وليس خافيًا أن السواك كان ولا زال جُزءًا أساسيًّا من سُنَّةِ النبِيِّ الكريم صلى الله عليه وسلم، ولِذا معشَرَ السادة الكرام، ظلَّ النبيُّ – صلى الله عليه وسلم - يُوصي بالسواك حتي قال "لقد أكثرتُ عليكم من السواك".
بالطبع السواك هذا سيحتاج منا إلى درسٍ مستقِلٍ، ولكنْ يرى كثيرٌ من العلماء أنه يُعَدُّ نوعًا من الطِّيبِ والتطيُّبِ؛ لأن رائحتَه جميلةٌ بفضل الله تبارك وتعالى، ومعنا حديثٌ آخر وَرَدَ في صحيح الإمام مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ رَيْحَانٌ فَلَا يَرُدُّهُ، فَإِنَّهُ خَفِيفُ الْمَحْمِلِ طَيِّبُ الرِّيحِ» طبعًا الريحان - لا يَخفَى عليكَ - هو الذي قال عنه الملِكُ جَلَّ وعلا: {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ} [الواقعة: 89] فالرَّيْحانُ من الجَنَّةِ، وجميلٌ جدًّا في رائحته، بل في طَعمِه أيضًا، ومُستَساغٌ ومُتناوَلٌ ومَطروحٌ في أي مكان زِراعيٍّ ـــ سلَّمك الله تعالى ـــ ويَنبُتُ بطبيعته وتِلقائيَّتِه بأمرِ الله تعالى وفضله، «مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ رَيْحَانٌ فَلَا يَرُدُّهُ، فَإِنَّهُ خَفِيفُ الْمَحْمِلِ طَيِّبُ الرِّيحِ» نعم؛ "فإنه طيِّبُ الريح خفيفُ المَحمَل" ربما كان الريحان مقصودًا به: عِطر الريحان، أو أوراق الريحان، أو زيْت الريحان أو سِيقان الريحان، لم يُحدد النبيُّ صلى الله عليه وسلم أَيَّ نوعٍ يقصِدُ، ولكن يبدو أن الحديثَ شاملٌ لكل مُستَخلَصات الريحان، كما ذكرها النبيُّ صلى الله عليه وسلم.
وفي سُنَن أبي داود والنَّسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَن عُرِضَ عليه طيبٌ فَلَا يَرُدُّهُ" لماذا يا رسول الله؟ " فإنه خفيفُ المَحمَل طيِّبُ الرائحة" ، كلمة "طِيب" هنا تشمل جميعَ أنواع العطور والروائح العربية، بل وغيرها أيضًا.
وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم عَنِ ابْنِ عُمَرَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِلَّهِ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا، وَإِنْ كَانَ لَهُ طِيبٌ مَسَّهُ» .
فنأخذ من هذا الحديث الشريف استحباب أن يكون مع المسلم منا طِيبٌ في جيبِه كما يفعل خادِمُكُم؛ حيث إن المِسكَ لا يفارِقُنِي والحمد لله، وهذا لقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: "وإن كان له طِيبٌ أن يَمَسَّ منه" يعني: لو عنده عِطرٌ أو مِسْكٌ أو لو أن عنده ريحانٌ أو لو عنده وَردٌ فإنه من السُّنَّةِ الشريفةِ أن يأخذ منه امتثالًا لهَديِ النبِيِّ صلَّى الله عليه وسلم.
ولا أَجِدُ في هذا مبالغةً، فإن هذا الموضوع ليس فيه مُبالَغَةٌ، بل هو صِدُقُ حال وبيانُ حالٍ، على أن النبِيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَتَفَوَّحُ منها, بأبي أنت وأمي يا رسول الله! لأن هذه الرَّياحين الجميلة هي تغيير للحالة النفسية عند الإنسان سواءٌ أكان الأمر بوضع العطر كما هو على جسم الإنسان أم بتعطير المكان كله، فهذا يبعث لك نوعًا من الراحة كما أن معظمها يَطرُدُ الشياطين.
وأما عن الطِّيبِ بصورةٍ عامة خاصةً الروائح العربية فإن الملائكةَ تُحِبُّه، وإن الشياطين تنفِرُ منه، وأحبُّ شيءٍ إلى الشياطين الرائحةُ النَّتِنةُ الكريهةُ؛ فالأرواح الطيبةُ تُحِبُّ الرائحةَ الطَّيِّبةَ, والأرواحُ الخبيثَةُ تُحِبُّ الرائِحةَ الخبيثَةَ.
وثبتَ في الصحيحيْنِ عن السيدة عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «طَيَّبْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي بِذَرِيرَةٍ ، فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، لِلْحِلِّ وَالْإِحْرَامِ» (قولها: طَيَّبْتُ: أي: هي رضي الله عنها). سنتعرَّفُ على ثلاثة أمور مهمة في الحديث:
الذَّرِيرة: عبارة عن نبات عِطريٍّ مثل الماسُورة أشبه بالقصب طويل ثم يوضع في الخلاط إذا أمكن؛ فيتحول إلى سُفُوف من الممكن استخدامه على طبيعته (ذَرِيرَة) مثل الأشياء التي تأتي في طبيعتها؛ فمثلا القِرفَة تأتي أعوادًا كما هي، ويستخدمها الطبّاخون في الطعام أو تأتي مطحونةً للاستخدامات المنزلية والحَلوَى وهكذا، و لحاء البلُّوط يأتي طويلا ثم يُقَطَّعُ ثم يُوضَع في الخلّاط وهكذا، لا تنسَوْا هذا النوع من العطر: الذريرة؛ فهي عطر و طِيبٌ وعلاجٌ، والذريرة كما قلت لك: نباتٌ قَصَبِيٌّ أجوفٌ، أجوَف أي: فارغٌ من الداخل، يُطحَنُ ويُعَطَّرُ به الإنسانُ والمكان ويوضعُ على الجُروح، والذَّريرة هذه من الطب النبوي جاءت في الصحيح عند البُخارِي، وهي مع تجار الأعشاب باسمها الذَّريرة.
هذه الذريرة (معجزة) إذا تم غليُها وشُرِبَتْ فهي ممتازة، وإذا وُضِعَت علي الجروح فهي ممتازة. إذا استنشقتها فهي جميلةٌ، وإذا استخدمتها في صورتها وهي أعوادٌ فهي جميلة أيضًا، وإذا وضعتها على الطعام مثل ورق الغار والقِرفَة فهذا جميلٌ جدا أيضًا، والذريرة تُعجِّلُ بالتئام الجروح، وهي مفيدة جدًّا في التئام الجروح سريعًا لدى مرضَى السكَّر؛ بحيث لا يحتاج إلى عملية أو إلى بتر أو شيءٍ من هذا القبيل.
اعلمْ أن السُّنَّة مُعجمٌ موسوعيٌّ من هَدْيِ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولو أن الإنسان يتألَّم ووضعها على وردٍ، أو على زيْتٍ وتناولها فإنها تُسَكِّنُ الألم مشروبةً أو موضوعة على الجُرحِ أيضًا.
والذريرة كذلك تُعالج حَبَّ الشباب والأمراضَ الجلديَّة وما شابهَ ذلك، هذه أول ملحوظةٌ.
تقول السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: «طَيَّبْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي بِذَرِيرَةٍ، فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، لِلْحِلِّ وَالْإِحْرَامِ» أي: إنها رضي الله عنها كانت تضع الذريرة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في الإحرام وغيره، فانتبِه لهذا الكلام.
والذريرة ممكن أن تنقعها في الماء، مثل السواك فإني أنقعه في الماء أضع السواك في كوب ماء، فيمكن أن نضع الذريرة وهي في صورتها القصبية (وهي أعواد كالقصَب) كما هي في الماء كما السواك، ثم نأخذ الماء ونرُشُّ به على الإنسان أو نرُشّ به المكان.
تقول السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: «طَيَّبْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي بِذَرِيرَةٍ، فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، لِلْحِلِّ وَالْإِحْرَامِ» يعني: قبل أن يلبَسَ ملابسَ الإحرام، أو عقب أن لبسها قبل أن يدخل صلى الله عليه وسلم في النُّسُك، ففي هذه الحالة يجوز.
وأما تَطيِيبُها رضي الله عنها لسيدنا النبي صلى الله عليه وسلم في الحِلّ؛ عندما تحلل النبي صلى الله عليه وسلم التحللَ الأصغرَ (يعني: الحاجّ طوال وجوده في عرفات الله وفي مُزدَلِفةَ لا يجوز له أن يضع الطِّيبَ، ولكن بعد أن يتحلل التحلل الأصغر فيجوز له أن يَضعَ الطِّيبَ ولا يجوز له حينئذٍ أن يأتي امرأتَه أو نسائه.
إذن تعلمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتطيَّب بالذريرة أو تُطيِّبُه بها إحدى نسائه رضي الله عنهُنَّ جميعًا.
أما المعجزة الكُبرى في عالَم العُطور هو المِسكُ الذي قال عنه خيرُ الأنامِ صلى الله عليه وسلم كما ورد في الصحيح عند مسلم عن أبي سعيدٍ الخُدرِي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وَالْمِسْكُ أَطْيَبُ الطِّيبِ" أي: إن المسكَ سيِّدُ العُطور، وهو سيِّد ما يُطَيَّبُ به ويُستطابُ به من العُطور؛ فهو أفخم العطور العربية.
وفي الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَيَوْمَ النَّحْرِ، قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ، بِطِيبٍ فِيهِ مِسْكٌ» . صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام وسلم تسليما كثيرًا.
ومعلومٌ أن المِسكَ من كُثبان الجَنة؛ أي إن أرضيَّةَ الجنة عبارة عن مِسكٍ، وقيل معه الزعفران (أي في أرضيَّة الجنة) نسأل الله تعالى الجنة وما قرب إليها من قولٍ أو عمل.
المِسكُ أقوي المُفرِحات؛ أي: إن الحزين - سلمك الله تعالى- والمكروب إذا وُضِع له المسك، أو شمَّ رائحتَه؛ فإنه يَفرَحُ وينتعِش ويَسعَدُ به.
والشياطين إذا شمَّتْ رائحته فإنها يستحيل أن تتحمله؛ وذلك لشدة المسك الأبيض بالذات على الشياطين، كما أنه علاجٌ للمؤمنين وراحةٌ لصدور المؤمنين، ويبعَثُ الله به الآمال، ويُذهِبُ به الآلامَ، ويُعطِي المِسكُ الأبيضُ الناسَ القوةَ لمناعتهم.
وأما فوائدُه فإنها كثيرةٌ جدًّا ولنا بحثٌ مُستَطابٌ في هذا.
ومِن هَدي النبي صلوات ربي وسلامُه عليه، أن السيدة عائشة رضي الله عنها عطَّرتْه؛ طيَّبَتْه بالمسك والذَّرِّيرَة معًا كما يُفهَم من الأحاديث، وبالتالي يجوز أن تستخدم نوعين معًا بأن تضعَ المِسكَ مع زيتِ الريحان أو تضعَ المِسكَ مع زيت النعناع والأشياء العِطرية الجميلة.
لا أجِد أفضلَ من هَديِ النبي سيِّدِنا صلى الله عليه وسلم، ولا أجِدُ أفضلَ مما قاله الصِّدِّيقُ رضي الله عنه في وصفِ سيدنا صلواتُ ربي وسلامُه عليه بعدَ أن انتقلَ إلى الرفيق الأعلى وظلَّ الصِّدِّيقُ يعتَبِطُ النبِيَّ صلى الله عليه وسلم ويقول له: (بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يُذِيقُكَ اللَّهُ المَوْتَتَيْنِ أَبَدًا) طِبتَ: من الطِّيبِ، أي: إن روائحُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم تَخرُجُ منه عبِقةً إلى وجهِ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه فقال: طبتَ (من التطَيُّبِ).
هكذا نتعلم أن سُنَّةَ النبيِّ الخاتَمِ صلى الله عليه وسلم صالِحةٌ لكل زمان ومكان، وصالِحةٌ مع العَرَبِ ومع العَجَمِ، ولمَ لا؟ وهي من هديِ النبيِّ خيرِ الأنام لهذه الأمَّةِ التي هي {خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110]

{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].

تصفح أيضا

أخبار الطقس

SAUDI ARABIA WEATHER

مواقيت الصلاة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد عبده عوض