المهيمن
هو اسم من أسماء الله تعالى يدل على أن الله هو
القائم على خلقه، وعلى رعاية العالم وحفظه،
رقيب على أعمال العباد يحاسبهم، كما أنه يرسم لعباده الحدود التي تضمن سلامتهم في
الوقوف عندها، وهلاكهم من تعديها، وذلك بإنزال الشرائع التي تهدي الناس إلى ما فيه
سعادتهم، وهو الذي يتكفل بأرزاقهم، ويراقبهم، ويحكم في أمرهم .
وقد ذكر اسم
الله الجليل المهيمن في القرآن الكريم مرتين، جاء مرة اسمًا لله – تعالى – في قوله
– تعالى - {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ
السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ
سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُون}[الحشر:23].
وجاء مرة أخرى
صفة للكتاب العزيز في قوله – تعالى -: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ
بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا
عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ
عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا
وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي
مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا
فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُون}[المائدة:48].
ويختص هذا الاسم الجليل المهيمن عن سائر الأسماء الحسنى بمجموعة من المعاني
والخواص تتمثل فيما يلي:
الأولى: أن الله هو المهيمن هو الذي يقوم بحفظ عباده:
قال – تعالى -: {اللّهُ لاَ إِلَـهَ
إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا
فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ
بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ
بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ
الْعَظِيم}[البقرة:255].
الثانية: أن الله – تعالى – المهيمن، هو الذي خلق
الإنسان وأنشأه:
قال – تعالى -:
{وَلَقَدْ
خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِين * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي
قَرَارٍ مَّكِين * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ
مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ
أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِين}[المؤمنون:12-
14].
الثالثة: أن الله – تعالى – هو المهيمن والقادر على إماتته:
قال – تعالى - {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ
الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ
الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون}[الجمعة:8].
الرابعة: أن الله تعالى هو المهيمن المتكفل بالأرزاق:
قال – تعالى -: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ
رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ
مُّبِين}[هود:6].
الخامسة: أن الله – تعالى – هو المهيمن
الذي يعلم أحوال عباده في سرهم وعلانيتهم قال – تعالى -: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ
الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُور}[غافر:19].
السادسة: أن
الله تعالى هو المهيمن على خلقه لم يتركهم سدى، ولم يدعهم مهملين، بل وضع لهم
الشرائع التي تنتظم سلوكهم، والتي ترسم لهم الحدود التي لا ينبغي لهم أن يتجاوزوها
في أعمالهم ومعاملاتهم، ويبين لهم مصائرهم إن أحسنوا، وعاقبة أمرهم إن أساءوا،
وأرسل إليهم المرسلين مبشرين ومنذرين، بما أنزل إليهم من ربهم مبينين لهم ما خفي
عليهم من أمر السنة والشريعة، قال – تعالى – مخاطبًا نبيه الكريم: {بِالْبَيِّنَاتِ
وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ
إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون}[النحل:44].
وقد بين رسول
الله – صلى الله عليه وسلم – شريعة الله حق البيان، ولم يدع شيئًا يقرب من الجنة،
ويباعد عن النار إلا أمر به، ولم يدع شيئًا يقرب من النار، ويبعد من الجنة إلا نهى
عنه، وقد أكمل الله – تعالى – دينه، قال تعالى : {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ
وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ
وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا
أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن
تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ
كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ
لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ
دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ
اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيم}[المائدة:3].
السابعة:
أن الله – تعالى هو المهيمن الرقيب على عباده:
قال – تعالى -:
{مَا
قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي
وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا
تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
شَهِيد}[المائدة:117].
فالله تعالى هو المهيمن على أمور عباده والرقيب والشاهد على أفعالهم، وهو
المؤتمن والمستولي عليهم بالرعاية والقدرة، وهو القائم بأعمالهم وأرزاقهم وآجالهم،
والهيمنة هي القيام على الشيء، والرعاية له .