البَرَكةُ النبوية في الطعام وغيره الحمد لله رب العالمين ولِيِّ الصالحين، وغِياثِ المُستَغيثِين، ومُجِيبِ دعوَةِ المُضطَّرِّين، والصلاةُ والسلامُ على خيرِ الخَلْقِ خيرِ الأنامِ ومِفتاحِ دارِ السلامِ، وعلى آله وصحبِه الكرام، وبعد. "البَرَكةُ النبوية في الطعام وغيره" إن حضراتكم لا يخفى عليكم أن الله تعالى اختصَّ نبيَّه صلى الله عليه وسلم بخصوصيات كثيرة وبمزايا كثيرة، وجعل في ريقه بركةً، رِيقُهُ بَركةً، وجعل في حاله بركةً، وجعل في طعامه بركةً، وجعل بركةً في دعائه، وفي كل ما مَسَّتْهُ يداه صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه، مثَلًا سيدنا حُذيفة بن اليَمان رضي الله تعالى عنه كلَّفه النبيُّ صلى الله عليه وسلم ليلةَ الأحزابِ بِمهمة استخبارية، وكانت هذه الليلةُ ذاتَ رِيحٍ شديدةٍ وقَرَّةٍ (باردةٍ) كي يأتي بخبر القوم، ولمَّا عادَ كان قد أصابَهُ البردُ أي ما يُشبِه الإنفلوانزا، أو الزكام، ونحو ذلك، فلمَّا عادَ لاحظَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم تغَيُّرَهُ فألبَسَهُ فضْلَ عباءةٍ كانت عليه يُصلِّي عليها، يعني أعطاه النبِيُّ صلى الله عليه وسلم جزءًا من عباءته، أو خلَعَ عباءتَه، المهِم أنه لَفَّهُ في عباءَةٍ له صلى الله عليه وسلم، فلمْ يَزَلْ نائِمًا حتي الصُّبْحِ، أي: إنه استَراحَ بمجرد أن وُضِعَت عليه عباءةُ الرسول صلى الله عليه وسلم، استراح: شعر بالراحة، وسَكَنَ بَردُهُ، وقد دعا له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن لا بأسَ به مِن حَرٍّ أو بَردٍ. طبعًا هذه الدّلالات على برَكَةِ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم لا تخفَى على أحدٍ مُنصفٍ كريمٍ، كما أن الله تعالى مَنَّ عَلَي نَبِيِّه الكريم ببركة الماء الذي يَنبُعُ من بين أصابِعِه. تعالوا معًا نتصور إناءً كالشَّفشَقِ أو الكوز فيه ماءٌ كمْ يكفي هذا من الناس ليُشرَب ويُتوضَّأ به؟ الجواب: يكفي واحدًا على الأكثر. لكن الذي حدث غير ذلك والسبب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وَضَعَ يَدَهُ فِي الرَّكْوَةِ هذه، قال الراوي رضي الله عنه: فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا قُلْتُ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً، بل وماذا أيضًا؟ يقول الصحابيُّ رضي الله عنه: لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً ! وهذا الحدث تكرر أي خروجُ الماء من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم بركةً منه وفضلًا من الله تعالى عليه. أيها المؤمنون الكرام، ليس هذا الحديث الشريف فقط الذي يبين بركة المصطفي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن الحقيقة أنه صلى الله عليه وسلم كانت حياتُه كلها بركةً؛ عن عبد الله بن مسعودٍ قال: " كنا نَعُدُّ الآيات بَركةً"( ). يعني: كل آية وكل ما يُشبه المعجزة فالصحابة رضي الله عنهم يعدُّونها بركةً، بينما غيرهم يراها تخويفًا قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ فَقَلَّ الماءُ، فقال: اطلبوا فضلَةً من ماءٍ، فجاءوا بإناء فيه ماء قليل، فأدخل يدَه في الإناء، ثم قال:"حيَّ (أي هَلُمَّ أو أَقبِلوا) على الطهور المبارك" هذا كلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والبركةُ من الله تعالى. يقول الصحابيُّ رضي الله عنه: ولقد رأيتُ الماء يَنْبُعُ من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد كنا نسمع تسبيحَ الطعام وهو يُؤكَلُ، الله أكبر! ما هذا الجمال!. وعن جابرٍ رضي الله عنه، أن أباه توفّي وعليه دَيْنٌ [جابر بن عبد الله رضي الله عنهما والدُه هو عبد الله بن حرام شهيدُ يومِ أُحُدٍ] فأتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقُلتُ: إن أبي ترك عليه دَيْنًا وليس عندي إلا ما يخُرِجُ نَخْلُهُ (نخلُ والدِه رضي الله عنه) ومعنى كلامه أنه ليس عنده سيولة مادِّيّة؛ فأنتظِر موسِمَ البَلَحِ أو التَّمْرِ فآخُذُ ما يأتي من النخلِ فأبيعُهُ وأَتَعَيَّشُ منه، ولا يبلُغُ ما يخرجُ سدادَ ما عليه، (يقصد أن ما يخرج من النخل من التمر لا يكفي ما على والده من الديون، قال الصحابِيُّ رضي الله عنه: يا رسول الله انطَلِقْ معي حتى لا يُفْحِشَ عليَّ الغُرَماءُ (أي: يا رسول الله تعال معي نزُرْ الغُرماءَ الذين لهم مال عند أبي رحمه الله فلا يتكاثرون بالكلام علَيَّ وبالشتائم أو التعنيف بسبب ما لهم من مال، وليس معي فتحميني من القِيل والقال والاتهامات، يا رسول الله) يقول: فَمَشَى عليَّ: أي خرَجَ النبِيُّ صلى الله عليه وسلم معي من دار إلي دار ومن مكان إلى مكان، قال: فخَرجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم معي إلى بَيْدَرَ (البَيْدَر: مكان يُزرع فيه التمر وهكذا) من بيادِر التمر (أي إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للصحابي بعد ذلك خُذْنِي للخير الذي عندَكم، فخرج معه النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلي بيدر فدعا ثُمَّ أَخَّرَ (أي: طَوَّل في الدعاء) ثم جلس عليه فقال: انزعوه، أي أخرِجوه، فأوفاهم الذي لهم، وبقِيَ مثلُ ما أعطاهم. ما هذا الجمال، لم يَقُلْ النبيُّ صلى الله عليه وسلم له: استلف مثلًا وإنما البركة أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذه إلى مكان التمر وجلس النبيُّ صلى الله عليه وسلم عليه ودعا فتكاثرَ التمرُ أي: زاد إلي أن غَطَّي ما على أبيه من مالٍ (دَيْنٍ) ثُمَّ تركَ الآخَرَ كي ينتَفِعَ به الناسُ، وبَقِيَ مثلُ ما أَعطاهُم. يعني: أَخْرَجُوا نصفَه فانسَدَّتْ الدُّيون وبَقِيَ النصفُ الآخر ثروةً لهم. ولا يَخفَي عليْكُم أن الله تعالى أَعطى لنبِيِّهِ صلَّى الله عليه وسلم القُدرةَ على أن يشاهِدَ الصحابةَ الذين خَلْفَه صلى الله عليه وسلم دون أن يَنظُرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لهم.