وهيب
بن الورد
بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، ولي
الصالحين، وغياث المستغيثين، وأمان الخائفين، أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا، وأنت
خير الغافرين، واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة، وفي الآخرة إنا هدنا إليك، والصلاة
والسلام على أسعد الخلق بالله، وأشرف الخلق عند الله، وأكثرهم تضرعا إلى الله،
فكان ولا يزال إمام المخبتين، الذكارين الشكارين، المتطوعين، المنيبين، الداخلون
إلى جامعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بكل عطايا أنوارها ومداد علومها يجدون
فيها أرضا فيحاء، ويجدون فيها ظلا ظليلا وأرضا طيبة ورب غفور.
ضيوفي في درس (مجابي الدعاء) ليسوا كأي أحد إنهم كما سماهم الإمام ابن
الجوزي (صفة الصفوة)، يعني لما تعصر الكون كله يطلع هؤلاء فقط، ولا زال الأمة
جوادة بالصالحين إلى أن تقوم الساعة ولا تخلوا الأرض أبدا من أولياء أوتاد عظام
يثبت الله بهم الأرض ويثبت الله بهم العباد ويثبت الله تعالى بهم كل من يشقون
الطريق إلى الله فهم أئمة السالكين، وهداة الورعين وقادة الزاهدين.
وحق للإمام الحافظ الإمام الكبير
الإمام الذهبي أن يسميهم (سير أعلام النبلاء) ليس النبلاء فقط، بل أعلام النبلاء
يعني تأتي بالنبلاء وقليل ما هم وتفرزهم وتعصرهم فترى هؤلاء في مقدمتهم.
الإمام وهيب بن الورد بن أبي
الورد، من علماء الطبقة الثالثة من مكة من تابعي التابعين رضي الله عنه، إذا
تكلمنا عن أصحاب الأحوال مع الله فقد بلغوا مرتبة عظيمة، إذا تكلمنا عن الزاهدين
فهؤلاء في قممهم إذا تكلمنا عن الورعين، فإن حالهم يغني عن كلامهم يعني الطريق إلى
الله يحتاج إلى بين قوسين (بين ميلين أخضرين) يحتاج إلى ترويض للنفس الذي يستطيع
أن يروض نفسه قال فيه الملك وحق له أن يكون الملك: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا
(9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 9، 10] لأن الله هداهم فقد هدى بهم؛ لأن
الله نورهم فقد نور بهم، لأن الله زهدهم فقد زهد بهم؛ لأن الله علاهم فقد علا بهم
وبصراحة لا أخفيكم يا سادة يا كرام يا كرام يا سادة أن هذا قليل من كثير.
وهيب تصغير لعبد الوهاب، كان اسمه
عبد الوهاب فصغر نفسه يعني هو الذي صغر نفسه من باب تحقير النفس، وأما أنه ورد،
فأنه يفوح منه الورد كلامهم ورد، وقيامهم ورد وصيامهم ورد فهو وهيب بن ورد بن أبي
الورد، صليت عليه، حل الله لهم الاختلاء به فاستأنسوا بالله هذه نهاية القصة أو
بدايتها، فاستأنسوا بالله فشغلهم الله به ولم يشغلهم بالناس.
كان يقول: ما جالست أحدا من البشر
إلا ويغضب وتعتذر له لا يرضى بقلبه ما جالست أحدا إلا ويقطع رحمه، فإذا وصل رحمه
يعني قعد يعدد عيوب الناس أنهم يذموا بعضهم بعضا، ولا يقنع أحدهم برزقه فقال: كلما
جلست مع أحد أجده ليس راضيا بقدره، وليس راضيا بحاله فأردت أن تكون جلستي وخلوتي
مع الله([1]).
هذه كلمات المفتاحية يعني كلما الواحد
يعاشر الناس يتعب لأنت راضي عنهم ولا هما راضين عنك، كما قال الإمام الشافعي شمس
الأمة رضي الله عنه كان يقول: ما ابتلي أحدا ابتلاء أشد من قوة الهم يعني يتعب
فلما يتعب بيأخذ طريق في الآخر أن يعتزل مشاكل الناس يقول: تعلمت يعني تعلم من
مشايخه الكبار عن عطاء بن أبي رباح الذي هو في الطبقة الثانية هذا في الطبقة
الثالثة في الطبقة الثانية من؟ عطاء بن أبي رباح يسبقه يعني جيل أعلى منه، تعلمت
منه أن الحكمة في عشرة أقسام: تسعة منها الصمت، 1 – الصمت 2- الصمت 3 – الصمت 4 – الصمت 5 – الصمت 6 – الصمت 7 - الصمت
8 - الصمت 9 – الصمت و 10 – اجتناب الناس، فيقول: فعالجت التسعة الأولى التي هي
الصمت، فلم أقدر غلبني لساني، فجعلت العشرة كلها في اجتناب الناس فلما اجتنبت الناس
آنسني ربي به، وبعدين من حالهم إن هما لا يرضى أحدهم عن نفسه أبدا يعني كان يصلي
وبعد الصلاة يبكي فيقول: اللهم ما أنقصت منها فاغفر لي وأنا أعلم أنني أعصيك فيها
يعني أنا أعصيك وأنا أصلي فاغفر لي عصياني لك في صلاتي يعني يعتبروا العبادة
معصية؛ لأن قلوبهم -طبعا هذه أحوال صعبة ليس
أي أحد يقدر على كده- يعتبروها معصية كيف وهو في الطاعة لا يكون حاضرا
بالصورة التي يرى فيها الله أمامه هو هذا حالهم ولذلك سلموا من الدنيا، وسلمت
الدنيا منهم.
وكان النقطة الأساسية في حياته
الورع الخوف من الحرام الورع الورع ولذا كان يجتنب الناس مخافة أن يأخذ شيئا حراما
وكان مقيم في مكة من أهل مكة يعني وهيب بن الورد بن أبي الورد المكي مات في مكة
فيقال له: ألا تشرب من زمزم؟، قال: بأي دلو؟ يعني أعطوني دلوا ليس فيه حرام،
اعطوني دلوا ليس فيه حرام، يعني انظر الورع يقول: إني أخشى أن أعصى الله بطاعته.
فلما وصلوا إلى هذه الحالة تعرف
الملأ الأعلى إلى حالهم، بعد أن صفت أرواحهم في الملأ الأدنى. سفيان الثوري، عبد
الله بن المبارك كانوا يأتون مكة ويعرفونه فيجمعون الناس بعد الصلاة في الحرم
المكي الله أكبر ويقولون: هلموا إلى الطبيب سنسمع واحد يتكلم بكلام الطبيب، يعني
هو وهيب يعني كلامه يطبب القلوب، ويطبب النفوس.
وعرف عن هؤلاء القوم الصالحين أن
كلامهم حديث عهد برحمة الله يعني ليس كلاما مستهلكا ولا كلاما مكررا ولا كلاما
متكررا تسمعه كأنك تسمع إلى أنبياء الله، قوموا إلى الطبيب فكان يسمى بالطبيب رغم
أنه لم يدرس الطب؛ لأن كلامه كانت تتطبب به الأرواح وتهدأ به النفوس وكان لا يأكل
الفاكهة مخافة أن تكون فيها شبهة حرام، فإذا مرت السنة وانتهت الفاكهة فإنه يكشف
عن بطنه ويقول له: يا وهيب مرت عليك سنة ولم تأكل فاكهة، هل نقص منك شيء؟ يعني
يأدب نفسه يقنع نفسه أن الله تعالى أتاه من الزهد والورع والقناعة بحيث ينتظر كرم
الله يوم القيامة.
ألم أقل لك: إن الإمام أحمد بن
حنبل ظل ثمانية عشرة عاما لا يلبس إلا خفا مرقعا، وكلما نقر فيه نقرة يرسله إلى من؟
الإسكافي، الإسكافي مرة يركب له توزة، يركب له حوزة. كم سنة؟ ثمانية عشرة سنة
الراجل الإسكافي يقول له: يا شيخنا لقد تعب. يعني يقول له عبد الله ابنه ابن أحمد
بن حنبل رضي الله عنه: يا أبي الملوك يرسلون إليك الفلوس، وتردها وتمشي بهذا الخف؟
فيقول: إني أرجو أن يبدله خيرا منه يوم القيامة، فلما مات شاهدوه في نفس اليوم
يطير بخف من ذهب.
ألم أقل لك: {لَهُمْ مَا
يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ} [الزمر: 34] تتلمذوا
في هذه المدرسة العظيمة يقول أحد الصالحين في عهده: كنت أطوف حول الكعبة في ليلة
باردة (خطيرة) يقول: في ليلة باردة خطيرة فوجدت وهيبا ساجدة فظللت أطوف وهو ساجد
وظللت ألحظه طوال الليل لم يرفع رأسه وقبل الفجر اقتربت منه فسمعت صوتا يقول له:
يا وهيب أبشر، فإن الله قد غفر لك، فالتفت فلم أجد أحدا طبعا أنه حالهم إنه يسجد
ثلاث ساعات، أو أربع ساعات لا يرفعها يعني هذا بالنسبة لهم أمر أحبوه يعني هذه
حياتهم يعني قال: فلما أصبحت ذهبت إليه، وقال له: أتدري ماذا جرى بالأمس؟ قال له:
ماذا جرى؟ فقصّ عليه القصة فبكى وهيب وقال له: لا تخبر بهذا أحدا حتى أموت.