أويس بن عامر القرني رضي الله عنه الحمد لله رب العالمين، إله الأولين والآخرين، وقيوم السموات والأرضيين، من تكلم سمع نطقه ومن سكت علم سره، ومن عاش فعليه رزقه، ومن مات يؤوب إلى رحمته، وكلنا يشتاق إلى رحمتك في الدنيا والآخرة فأوسع لنا رحمتك وأوسع لنا رضوانك، وأقمنا في مرضاتك وتوفنا وأنت راضٍ عنا، والصلاة والسلام على خير الذاكرين، وإمام الشكارين، وسيد الخلق أجمعين وعلى آله وصحبه الطيبين. مجابو الدعاء. وجدت شخصية ثرية أمامي حاولت أن أتجنب اللقاء به؛ لأنه هزني وزلزلني قبل سنوات عديدة عندما تكلمت عن السابقين إلى الله، لكنني وجدت فيه من سمات التواضع وسمات الإمامة، وحسن السمت وطول الصبر وحسن الرجاء، ما يجعلني ألتقي به الليلة، إنه التابعي أويس بن عامر القرني رضي الله عنه، اللهم أدخلنا في الصالحين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: (إذا لقيت أويسا فمره أن يدعو لك) وفي حديث آخر (فمروه أن يستغفر لك)، لم يلتقي أويس بسيدنا رسول الله، ولم يكن في جيل الصحابة ولم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن النبي ذكره للصحابة، يعني هو لما تكلم النبي عنه لم يكن موجودا على قيد الحياة ولكن النبي علمه ربه أن هناك رجل سيكون آية من آيات الزمان وآية من آيات المكان وفلتة من فلتات أمة الإسلام. الأساس عندنا عند أهل السنة والجماعة، أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم في مرتبة أعلى ممن عداهم، يعني الصحابي أعلى من التابعي والتابعي أعلى من تابعي التابعي وهكذا الرتب، لكننا أمام حادثة عجيبة لا تختلف كثيرا عن طلب موسى عليه السلام العلم على يد رجل ليس بنبي، ولم يستطع موسى عليه السلام أن يصبر على تلقي العلم مع العبد الصالح، وكان موسى أعلم أهل زمانه، ورغم ذلك عندما التقى بالخضر عليه السلام وجد أن الخضر بحر لا شاطئ له، وعلم غزير لا نهاية له، وفيض من الكبير لا يبارى ولا يضارع ولا يطاول هؤلاء الناس الذين نتكلم عنهم إذا كنا هنا في مجابي الدعاء أو مع السابقين إلى الله جعل الله لهم إمامة في الناس وجعل الله لهم قدم صدق في قلوب الناس، وجعل الله لهم بصمات لا ينساها الزمان. وإن طال بك الزمان، سيدنا عمر تلقف كلمة رسول الله، إذا لقيت أوسا ابن عامر، وهو من قرن من اليمن فمروه أن يدعو لك، وكان في يديه برص يعني نقطة برص صغيرة، صليت على النبي. وذكر النبي صلى الله عليه وسلم، علامات حسية بحيث إذا رآه سيدنا عمر لا يختلف عليه أحد فهو رجل مجاب الدعوة، وإن تكلمنا عن مجاب الدعاء فهو أسبقهم إلى الله وحق لي أن أتكلم عنه، فأنا معجب به إعجابا عظيمة جدا؛ لأنها سابقة في تاريخ الزمان أن النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أنه سيكون هناك في جيل التابعين الذين بعد الصحابة رجل يفوق إيمانه إيمان الصحابة رغم أنه -يا سادة يا كرام- لم يجالس النبي صلى الله عليه وسلم انظروا إلى مدى حب عمر للخير وتلقفه لكلام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فظل عمر عندما كان أمير المؤمنين يخرج كل عام للحج موسم الحج ويلتقي بوفود أهل اليمن ويسألهم: أفيكم أويس؟ أفيكم أويس أفيكم أويس كم سنة؟ عشر سنوات ولم ييأس ولم يمل ولم يتعب ولم يتعاظم الأمر عليه وهذه هي المرتبة العمرية التي أحدثكم عنها كل يوم في برنامج (عمريات). في السنة العاشرة سيدنا عمر بن الخطاب خرج إلى جبل الصفا في موسم الحج فوجد جمعا كبير من أهل اليمن فقال: أفيكم أويس؟ فسكتوا فقالوا هذا كبيرنا فاسأله عن أويس من باب التكبير والتقدير لكبير القوم فذهب إليه سيدنا عمر على جبل الصفا فقال: دلني على أويس، فقال له تركناه في عرفات يرعى الغنم يعني يسوق الهدي، فخرج عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه والإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنهما إلى أين؟ إلى عرفات الله، فوجد رجلا بسيطا رثا متبزلا، وهذه سماته يعني الناس الذين نتكلم عنهم هذه سمتهم شيء طبيعي إنه يكون هذه سماتهم يغلب عليهم الفقر، ويميلون إلى الزهد والورع. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رب أشعث أغبر ذو طمرين) يعني لابس ثوب من قطعتين مرقع يعني قطعة بيضا وقطعة رمادي (ذو طمرين لا يؤبه له، مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره) ، وكان أويس بن عامر القرني واحدا من هؤلاء فذهب إليه عمر وعلي رضي الله تعالى عنهم وقال له: أنت أويس؟ فسكت مخافة أن يشتهر أمره فنظروا في يديه فإذا فيه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو حاول أن يتخفى عنهم؛ لأن هؤلاء الناس لا يحبون الشهرة لا يحبون المظهرية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب الأتقياء الأنقياء الأخفياء)، اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين. فقال له عمر مفاجأة زلزلته وأبكته وعرفته قدره عند الله: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا لقيت أويسا فمروه أن يستغفر لك، فإن له دعوة لا ترد) يعني مجاب الدعوة، فتأثر تأثرا شديدا أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام، يتكلم عنه ولم يره يتكلم عنه ولم يره وكان صفاته الزهد والورع بادية على أويس بن عامر القرني رضي الله تعالى عنه، فهو خفي عن الناس ما أحد عرفه له حال مع الله يقوم بمهنة بسيطة جدا وهي أن يرعى الغنم بالنيابة عن أفواج الحجاج كما أنه ذو طمرين، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، كما أنه لا يؤبه له ما يشد أحد يعني من حيث المظهرية والزينة، كما أنه (لو أقسم على الله لأبره). فتشبث به عمر قال له: إني أبحث عنك من عشر سنوات لقد أتعبتني حتى وصلت إليك، لقد أتعبتني حتى وصلت إليك، فمروه أن يستغفر لك ومروه أن يدعو لك. طبعا سيدنا أويس تعجب من كلام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أدعو لعمر وعمر أمير المؤمنين؟ ولكن له حال خاص مع الله سبحانه وتعالى، هذا الحديث وهذه القصة التي أحكيها لكم ترد على الناس الذين يعتقدون أن طلب الدعاء من الغير بدعة، يعني عندما تقول لأحد الناس: ادعو لي أن يسعدني ربي أو يشفني أو أن يعافني يقول: هذه بدعة من قال: إن هذه بدعة؟ وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سيدنا عمر أن يبحث عن أويس يبحث يبحث، فإذا ما لقيت أويس فمروه أن يستغفر لك، ومروه أن يدعو لك فإن له دعوة لا ترد. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، في واقعة أخرى خارجية قد ذهب إليه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يستأذنه في العمرة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تنسنا من دعائك يا أخي) يا أخي، وفي رواية (أشركنا في دعائك يا عمر) فبكى عمر متأثر بكلام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال عمر: هذه الكلمة، يعني الجملة التي قالها رسول الله، أحب إليّ من الدنيا وما فيها، وهكذا يرد النبي بأسلوب عملي وعلمي على الذين ينكرون طلب الدعاء من الغير. ويؤكد لك النبي صلى الله عليه وسلم أن طلب الدعاء ممن يتوسم فيهم الصلاح {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر: 75] يعني من يتوسم فيهم الصلاح، وأن طلب الدعاء ممن لهم حال مع الله، {الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59]، هذا الخبير خبره الله وأعطاه الله وعلمه الله بما لم يعلمك أنت، ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فمروه أن يدعو لك) يعني طلب الدعاء من الصالحين يعتبر من الواجبات الشرعية التي لا تنهض حياة الإيمان إلا بها، لأنك إذا دعوت لغيرك دعوت له بلسان لم يعصي هو به الله عز وجل ولذا فأصبحت دعوتك لأخيك مستجابة؛ لأن الله جاعل معك ملكا فإذا ما دعوت لأخيك بظهر الغيب قال الملك: ولك بمثل ما دعوت، ولك بمثل ما دعوت، أي إن الملائكة عليهم السلام يؤمنون على الدعاء عندما تدعو لغيرك، ولذا تأكد لك وتأكد لي وتأكد لعموم أمة الإسلام أن من دعا لأخيه بظهر الغيب فإن دعوته مستجابة، صليت على النبي، صلى الله عليه وسلم. ولم يفترق عمر عن أويس حتى دعا له، وحتى استغفر له، ثم قال له: أين تذهب؟ فقال: سأذهب إلى الكوفة فقال له عند من كي نرسل معك من يوصلك؟ وفجأة اختفى ولم يلقه عمر بعد هذا أبدا؛ لأنهم أخفياء لأنهم أخفياء لما انكشف أمره وسطع نوره وعلم أمره واشتهر سره اختفى حتى لا يقول الناس هذا أويس هذا أويس فاختفى اختفاء تاما، ولكن الذي لا خلاف عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم، علمنا أن الأدنى إذا دعى للأعلى وكان الأدنى له حالا مع الله فإن دعوته مستجابة يعني: يجوز للطفل كما كان يفعل سيدنا عمر الحالة العمرية أنه إذا رأى طفل ينكب عليه كما أفعل هكذا، ويقول له يا ولدي ادع الله لي فقد سبقتك بالذنوب وسبقتني أنت بصفاء القلب ولا يترك الطفل حتى يدعو الطفل لسيدنا عمر وما أدراك ما عمر أمير المؤمنين. أويس بن عامر القرني من أزاهير الزمان؛ لأن له سرا مع الله وسره مع الله أنه كان بارا بأمه، لكي تعرفوا أن أصحاب الأحوال حالهم أن لهم جزيئة معينة وخصوصية معينة جعلت لهم حال وصل، وجعلت لهم حال قرب فتميزوا فيما فشل فيه الآخرون، ونجحوا فيما أخفق فيه الآخرون، وجعل الله لهم علامات نيرة على أنهم إذا دعوا في الأرض أمّن عليهم كل من في السماء؛ لأن دعواتهم تخرج من القلب مليء بحب الله موصول بحب الله علم أنه يناجي قيوم السماوات والأرض. من كتاب مجابو الدعاء لفضيلة الاستاذ الدكتور أحمد عبده عوض الداعية والمفكر اللإسلامي