مظاهر التسامح وصوره

مظاهر التسامح وصوره
إنَّ للتسامح مظاهر وصورًا، سوف يقف البحث على بعضها في عدة مطالب، وذلك على النحو الآتي:
المظهر الأول: الرحمة:
من أسماء الله الرحمن والرحيم، إذ برحمته يهدي عباده إلى سبيل سعادتهم، وبرحمته نزّل عليهم الشريعة الكفيلة بتحقيق الخير، والسعادة لهم في الدنيا والآخرة، وبرحمته يُدْخِل المؤمنين في جنته، وبرحمته يغفر للمسيئين
وقد وردت أحاديث تؤكد على تخلق المسلمين بهذا الخلق، فعن جرير بن عبد الله  قال، قال رسول الله r: «لا يَرْحَمُ اللهُ منْ لاَ يَرْحمُ الناسَ» . قال ابن حجر:" وفي الحديث الحض على استعمال الرحمة لجميع الخلق، فيدخل المؤمن والكافر، والبهائم المملوك منه وغير المملوك"، فهي مشروعة لجميع الخلق، حتى لو كانت بيننا وبينهم عداوة ما لم يقاتلوننا، ولا تعارض بين الرحمة العامة التي يستحقها جميع الخلق وبين الشدة على الكفار؛ لأن الغاية من هذه الشدة منع شرورهم، وهذا المنع هو من الأمور العظيمة التي تستدعيها الرحمة.
المظهر الثاني: الإحسان إلى غير المسلمين:
يقيم الإسلام العلاقة بين المسلمين وغيرهم ـ ممن لم يقاتلوهم في الدين، أو يخرجوهم من ديارهم ـ على البر والإقساط والإحسان، قال تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8]. يقول القرطبي في هذه الآية: "هي رخصة من الله تعالى في صلة الذين لم يعادوا المؤمنين، ولم يقاتلوهم، أن يبروهم ويقسطوا إليهم، أي يعطوهم قسطًا من أموالهم على وجه الصلة ". ويقول ابن كثير: "لا ينهاكم عن الإحسان إلى الكفرة الذين لا يقاتلونكم في الدين كالنساء والضعفة منهم"
وأوضح القرافي وجوهًا للبر والإحسان إلى المخالفين فقال: "الرفق بضعيفهم، وسدّ خلة فقيرهم، وإطعام جائعهم، وإكساء عاريهم، ولين القول لهم على سبيل اللطف لهم والرحمة، لا على سبيل الخوف والذلّة، واحتمال إذايتهم في الجور مع القدرة على إزالته، لطفًا منا لهم، لا خوفًا وتعظيما والدعاء لهم بالهداية"
المظهر الثالث: العفو عن المسيئين:
الناظر في كثير من نصوص القرآن والسنة، وسيرة الرسول r وصحابته يجدها تدعو إلى التسامح، وقد وصف العلماء هذا الصفح الجميل بأنه صفح في علوّ من غير استسلام للشر، أو خضوع للأشرار، فإذا كان ما يوجب العقاب فينبغي أن يكون في دائرة الأخذ بالحق من غير اعتداء حتى لا يظهر ذلك التسامح ذلًا ومدعاة إلى تمرد الأشرار، والتمادي في الباطل من دون رادعٍ، وعند ذلك لا يؤدي التسامح غرضه في بناء الكرامة الإنسانية وتعاون الأمم وتقدمها وقد طبّق الرسول r مبدأ التسامح والصفح الجميل في علاقاته مع غير المسلمين في معاهداته وحروبه، ومن صوره: عفوه وصفحه عن أشدّ خصومه يوم فتح مكة، إذ اجتمع أهل مكة أمام رسول الله r يوم الفتح وكلهم في وَجَلٍ ينتظرون ماذا يصنع بهم الرسول r جزاء ما ارتكبوه من جرائر ضد الإسلام والمسلمين، لكنه r عفا عنهم.
المظهر الرابع: إقامة العدل:
العدل: هو إعطاء كل ذي حقّ حقه من غير تفرقة بين المستحقين، وبدون نظر إلى الأمور العارضة كالحسب، أو النّسب، أو المال، أو القوة، أو الضعف، أو العداوة، أو الموالاة
المظهر الخامس: الحكمة في الدعوة وحسن المعاملة:
لقد بيَّن المولى عز وجل في كتابه طرق الدعوة إلى الله تعالى، آمرًا نبيه محمدًا r بالدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، فقال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: 125]، فكان في هذا التأكيد على معنى المسامحة في الدعوة وعدم اتخاذ العنف وسيلة لها
وطابع الحكمة والمعاملة الحسنة في الدعوة إلى الإسلام قبل القتال كانت تلازم الفاتحين حين الفتح، حرصًا منهم على هداية الأعداء للإسلام، وترغيبهم في قبوله، ففي فتح العراق، بعث أبو بكر  إلى خالد بن الوليد  أن يسير إلى العراق، وأن يتألف الناس ويدعوهم إلى الله عز وجل، فإن أجابوا وإلا أخذ منهم الجزية، فإن امتنعوا عن ذلك قاتلهم...، فقال لهم خالد: أدعوكم إلى الله وإلى الإسلام، فإن أجبتم إليه فأنتم من المسلمين لكم ما لهم وعليكم ما عليهم، فإن أبيتم فالجزية، فإن أبيتم فقد أتيتكم بأقوام هم أحرص على الموت منكم على الحياة
المظهر السادس: التواصل مع الآخر:
إنَّ الإسلام لا يقرّ العزلة، بل يدعو للتواصل والتفاعل مع الآخر، ومن أمثلة الصور التي قررها الإسلام في تعامل المسلمين مع غيرهم:
أولًا: إباحة نكاحهم وأكل طعامهم: إذ أباح الإسلام الأكل من طعام أهل الكتاب.
ثانيًا: التعاون مع غير المسلمين في المصالح العامة: فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "أعطى رسول الله r خيبر لليهود أن يعملوها ويزرعوها، ولهم شطر ما يخرج منها "، قال ابن حجر: " لا فرق في جواز هذه المعاملة بين المسلمين وأهل الذمة "وفي التعامل الاقتصادي: ثمَّة آيات عديدة تقرّر ذلك وتدعو إليه، منها قوله تعالى واصفًا أهل الذمة والأمان من أهل الكتاب، وحاثًا على التعامل معهم، ومحذرا ممن لا أمانة لهم منهم.
ثالثًا: الإهداء إلى غير المسلمين: فالهدية لغير المسلمين من الأمور المستحبة سواءً كانت في طعام، أو كساء، أو غيرهما، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رأى عمر حلة سيراء تباع فقال: يا رسول الله ابتع هذه والبسها يوم الجمعة وإذا جاءك الوفد، فقال: "إنما يلبس هذه من لا خلاق له"، فأتي النبي r منها بحلل فأرسل إلى عمر بحلة، فقال: كيف ألبسها وقد قلت فيها ما قلت؟، قال: "إنِيْ لمْ أُعْطِكْهَا لِتَلْبسَهَا، ولكنْ تَبِيْعهَا أوْ تَكْسُوْها"، فأرسل بها عمر إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يسلم. قال ابن حجر: "والهدية للمشرك إثباتًا ونفيًا ليست على الإطلاق...وقوله: فأرسل بها عمر إلى أخ لهمن أهل مكة قبل أن يسلم، واسم هذا الأخ عثمان بن حكيم، وكان أخا عمر من أمه، أمهما خيثمة بنت هشام بن المغيرة بنت عم أبي جهل بن هشام بن المغيرة" .

تصفح أيضا

أخبار الطقس

SAUDI ARABIA WEATHER

مواقيت الصلاة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد عبده عوض