لنا في نساء الصحابة
رضي الله عنهن القدوة والأسوة، نرى في حياتهم المثال الأعظم فكن رضي الله عنهن
أنوارًا في البيوت تضيئها بنور الإيمان، وتزرع فيها أشجار الأنس والرضا.
كانت النساء في عهد
النبي صلى الله عليه وسلم همهن أن يشمل بيوتهن الرضا، وكن يعشن بالقناعة، تحملن
شظف العيش، ويحملن العبء مع أزواجهن.
وخير ما نبدأ به بنت
رسول الله صلى الله عليه وسلم الطاهرة المطهرة فاطمة الزهراء حبيبة رسول الله صلى
الله عليه وسلم وزوج الحبيب علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
روى أبو الورد بن
ثمامة: قال: قال علي لابن أعْبُد: (أَلا أُحدِّثُكَ عنِّي وعن فاطمةَ بنت رسولِ
الله -صلى الله عليه وسلم-، وكانت من أحبِّ أهله إِليه، وكانت عندي؟
قلتُ: بلى، قال: إِنها
جَرَّتْ بالرَّحا، حتى أَثَّرت في يدها، واستقتْ بالقِرْبة حتى أَثَّرَت في نَحْرِها،
وَكَنَسَتِ البيتَ حتى اغبرَّت ثيابُها، فأتى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- خَدَم،
فقلتُ: لو أتيتِ أباكِ فسألتِه خادما؟ فأتته فوجدتْ عندهُ حُدَّاثا، فرجعت.
فأتاها من الغَدِ، فقال:
(ما كان حاجتُكِ؟) فسكتت، فقلتُ: أنّا أُحَدِّثُكَ يا رسولَ الله: جَرَّت بالرَّحى
حتى أَثَّرَتْ في يَدِها، وحَمَلَت بالقِربة حتى أَثَّرتْ في نَحرها، فلمَّا أن
جاءَ الخَدمُ، أمرتُها أن تأْتِيَكَ، فتَستَخْدِمَكَ خادما، يَقيها حَرَّ ما هي
فيهِ.
قال، أي أبوها رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (اتَّقي الله يا فاطمةُ، وأَدِّي فريضةَ ربِّكِ، واعملي
عَمَلَ أهلِكِ، وإذا أَخَذْتِ مَضجعكِ فَسَبِّحي ثلاثا وثلاثين، واحمَدي ثلاثا
وثلاثين، وكَبِّري أربعا وثلاثين، فتلك مائة، فهي خَير لَكِ من خادم، قالت: رَضِيتُ
عن الله وعن رسوله) زاد في رواية: (ولَم يُخْدِمها). [البخاري ومسلم و أبو داود].
ونرى معًا كيف كانت
تفعل أسماء بنت أبي بكر في بيتها رضي الله عنها وعن الصحابة الكرام:
قالت - رضي الله عنهما
-: (تزوَّجني الزُّبَيْرُ، وماله في الأرض من مال ولا مملوك، ولا شيء غيرَ فَرَسه،
- وفي رواية: غير ناضح، وغير فرسه - قالت: فكنتُ أعلفُ فَرَسَهُ وأكفِيه مُؤونَتَه
وأسُوسُه، وأدُقُّ النَّوى لناضحه، فأعلفه، وأَسْتقي الماءَ، وأخْرِزُ غَرْبَه،
وأَعجِنُ، ولم أكن أُحْسِنُ أخبزُ، فكان تخبِزُ لي جارات من الأَنصار، وكنَّ نسوةَ
صِدْق.
قالتْ: وكنتُ أنقُلُ
النَّوى من أرض الزبير التي أقْطَعَهُ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- على رأسي،
وهي على ثُلَثي فَرْسَخ، قالت: فجئتُ يوما والنَّوَى على رأسي، فلقيتُ رسولَ الله
-صلى الله عليه وسلم- ومعه نفر من أصحابه - وفي رواية: من الأَنصار - فدعاني، وقال:
إِخْ، إِخْ، ليحملني خلفَه، قالت: فاستحييتُ وذكرتُ غَيْرَتك - وفي رواية: فاستحييْتُ
أَن أسيرَ مع الرجال، وذكرتُ الزُّبيرَ وغيرَتَهُ، وكان أغْيَرَ الناس - فعرَف
رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أني قد استحييتُ، فمضى.
فجئتُ الزُّبَيْرَ، فقلتُ:
لَقِيَني رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- وعلى رأسي النوى، ومعه نفر من أصحابه،
فأَناخ لأركبَ فاستحييتُ منه، وعرفتُ غَيْرَتَكَ، فقال: والله لَحَملكِ النَّوى
على رأْسكِ أشدُّ عليَّ من ركوبك معه، قالت: حتى أرسل إِليَّ أبو بكر بعد ذلك
بخادم، فكَفتْني سياسة الفرَس، فكأنما أعتقني). [أَخرجه البخاري ومسلم].
قال الحافظ ابن حجر،
رحمه الله في شرحه لقصة أسماء بنت أبي بكر، رضي الله عنهما: (السبب الحامل على
الصبر على ذلك شغل زوجها وأبيها بالجهاد وغيره مما يأمرهم به النبي صلى الله عليه
وسلم ويقيمهم فيه وكانوا لا يتفرغون للقيام بأمور البيت بأن يتعاطوا ذلك بأنفسهم
ولضيق ما بأيديهم على استخدام من يقوم بذلك عنهم فانحصر الأمر في نسائهم فكن
يكفينهم مؤنة المنزل ومن فيه ليتوفروا هم على ما هم فيه من نصر الإسلام)
وممن يقتدى بها في
المودة لزوجها والإخلاص والوفاء أم الدرداء رضي الله عنها:
وكانت أم الدرداء يتيمة
في حجر أبي الدرداء تختلف معه في برنس تصلي في صفوف الرجال، وتجلس في حلق القرّاء
تَعَـلَّم القرآن، حتى قال لها أبو الدرداء يومًا: الحقي بصفوف النساء.
وحَدّثتْ أنها قالت
لأبي الدرداء عند الموت: إنك خطبتني إلى أبوي في الدنيا فأنكحوك، وأنا أخطبك إلى
نفسك في الآخرة. قال: فلا تنكحين بعدي. فخطبها معاوية فأخبرته بالذي كان، فقال:
عليك بالصيام.
قالت أم الدرداء: قال
لي أبو الدرداء: لا تسألي أحدًا شيئًا، فقلت: إن احتجت؟ قال: تتبعي الحصّادين
فانظري ما يسقط منهم فخذيه فاخبطيه ثم اطحنيه وكُـلِـيه.
قال عون بن عبد الله: كُـنا
نأتي أم الدرداء فنذكر الله عندها.
وقال مكحول: كانت أم
الدرداء فقيهة. ومن فقهها:أنها كانت تقول: إن أحدهم يقول اللهم ارزقني، وقد علم أن
الله لا يمطر عليه ذهبا ولا دراهم، وإنما يرزق بعضهم من بعض، فمن أُعطي شيئا
فليقبل، فإن كان غنيًا فليضعه في ذي الحاجة، وإن كان فقيرا فليستعن به.
وكان الصبر والتقوى سمة
عامة لنساء الصحابة رضي الله عنهن فكن صابرات محتسبات مؤمنات طاهرات همهن الدين، ويسعين
لرضى الله عز وجل.
روى ابن جرير الطبري في
التاريخ عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال:مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم
بامرأة من بني دينار، وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم بأُحد، فلما نُعوا لها قالت: فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قالوا: خيرا يا أم
فلان. هو بحمد الله كما تحبين. قالت: أرنيه حتى أنظر إليه، فأشير لها إليه حتى إذا
رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل. تريد صغيرة.
رحم الله الصحابيات
ورضي الله عنهن فقد كن خير عون للصحابة الكرام في طريقهم إلى الله لم تأخذهم
الدنيا من دروب الإيمان، ولم يشغلهم شيء عن رضا الرحمن.