الإسلام أعمال وأقوال لا شعارات

الرئيسية المقالات مقالات دينية

الإسلام أعمال وأقوال لا شعارات

 
الإسلام أعمال وأقوال لا شعارات
اتباع الإسلام ليس كلامًا ولا شعارات، فمَن أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحب آل بيت رسول الله، يعمل {واتبع ملة إبراهيم حنيفًا}، فما معنى الحنيفي؟ الحنيفي هو: الأملس الناعم، هذا زجاج حنيفي، وهذا الجدار حنيفي، وهذا المقعد ليس حنيفيًّا، "واتخذ الله إبراهيم خليلًا"، لأن قلبه أملس، ولأن قلبه أبيض، يلبس ثيابًا بيضًا، وقلبه أبيض، وليس يلبس ثيابًا بيضًا وقلبه أسود!
ولذا عندما تكلم الله تعالى في الحج، قال: {حنفاء لله}، في شأن الحجاج، لأن الحاج سافر وترك الدنيا والأهل والأحباب، على أن يعود إليهم من الحنفاء لله غير مشركين به، معنى أنه حنيفي أنه لا يحمل في قلبه حقدًا ولا حسدًا ولا غلًّا، إذا كان الإنسان على هذه الحالة فهذا هو القلب الخليلي، فقوله تعالى {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} (النجم: 37)، كيف أوفي مع الله؟ هذا موضوع مهم، فالنظر أمانة، والسمع أمانة، واللسان أمانة، والفرج أمانة، واليدان أمانة، والقدمان أمانة، وكل هذه الأمانات تؤدي رسالة للمسلم في هذه الحياة، وعندما تؤدي هذه الرسالة على ما أراده الله عز وجل تكون قد بلغت حد الوفاء لله، يعني: حد تأدية الأمانة، لأجل هذا قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله...} (النساء: 125يعني: وَفَّى مع الله تعالى كل شيء.
فقوله تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} (النجم: 37)، يعني: وفَّى مع الله تعالى بحسن اليقين مع الله، فمَن يستطيع أن يذبح الولد إلا إبراهيم؟ لا أحد، {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي المنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} (الصافات: 102)، سيدنا إسماعيل عاش في مكة بعد أن تركه والده، ووالده عاد إلى أرض فلسطين، ثم مصر، فكيف بلغ معه السعي؟ كيف يكون هذا؟ كان سيدنا إبراهيم عليه السلام في صفاته وأحواله قريبًا من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان الله تعالى، كما أسرى بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس، يسري به من بيت المقدس إلى مكة، فكان يأتيه البراق الذي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بلغ معه السعي، يعني أن سيدنا إبراهيم كان يأتي له في مكة كثيرًا عن طريق البراق، فكان يراه في السنة مرتين، أو ثلاث مرات، أو أربع مرات، وهذا معنى قوله تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} (الصافات: 102).
فلما كبر إسماعيل ومشى مع أبيه قال له أبوه: إني أرى في المنام أني أذبحك، فما رأيك؟ "ورؤيا الأنبياء حق"، قال إسماعيل مُرْضيًا ربه، بارًّا بوالده، معينًا له على طاعة الله: أمضِ ما أمرك الله به من ذبحي، ستجدني إن شاء الله صابرًا طائعًا محتسبًا.
ولم يقل: سوف تجدني، وإنما قال: ستجدني، لسرعة الاستجابة، إن شاء الله من الصابرين، فكيف كان حال إبراهيم عليه السلام وهو يذبح ولده إلا أن يكون محبًّا لله تعالى؟! إبراهيم عليه السلام كان يأتي بالبراق من بيت المقدس إلى مكة، فوصل إلى مرحلة تعلق قلبه بولده، سيدنا إسماعيل عليه السلام، هذا معنى وسبب الذبح، وصل لمرحلة تعلق بولده، ولم يشأ العودة إلى بيت المقدس، وإنما أصر أن يبقى في مكة، فتغلب حب إسماعيل عليه السلام على قلبه، فأراد الله تعالى أن يبتليه بذبح الولد، لكي يبقى قلبه خليليًّا لله عز وجل.
إن الله تعالى أراد أن يبتلي إبراهيم في قضية المحبة، هل أنت متعلق بي أم متعلق بولدك؟ ولذا قال تعالى:{وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} (النساء: 125وهو محسن، هذ المرتبة مهمة جدًّا، فالإنسان إذا وجد في حياته حبًّا يزيد عن حب الله فإنه يقطعه، ويبعده عن قلبه، لأنه يصرفه عن الله، ولذا قال الله تعالى {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (المنافقون: 9).. يأيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، لا تَشْغَلْكم أموالكم ولا أولادكم عن عبادة الله وطاعته، ومن تشغله أمواله وأولاده عن ذلك فأولئك هم المغبونون حظوظهم من كرامة الله ورحمته.
الخاسر هو الذي انشغل بالمال والولد عن الله، فصار منافقًا، فقد جاء المنافقون رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى:{سَيَقُولُ لَكَ المخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرَّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (الفتح: 11).
لِمَ انشغلتم بها أيها المنافقون؟! أوليس الله تعالى يملأ على كل مسلم حياته؟! فإنك إذا آنست ببشر فإنه لم يملأ لك حياتك أبدًا، لأنه إما مفقود وإما غائب، أما الله تعالى فليس مفقودًا وليس غائبًا، ولذا فإن سيدنا إبراهيم عليه السلام في نظرية إيمانية عندما وجدهم يعبدون الأصنام من دون الله عز وجل تعجب! لأنه يعلم أن القلب الخليلي لا يتعلق إلا بالله.
وعندما ذهب سيدنا إبراهيم عليه السلام ووجد أن قوم لوط عصوا الله عز وجل، وأن الله تعالى أعطاهم مهلة، وأن جبريل عليه السلام سينزل عليهم بعد قليل فيرفعهم ثم يقبضهم على طرف جناحه.. يعيش إبراهيم هذه الأهوال بعدما شاهد الملائكة وهم قادمون إليهم، قال تعالى:{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} (هود: 74)، فلما ذهب عن إبراهيم الخوف الذي انتابه لعدم أكل الضيوف الطعام، وجاءته البشرى بإسحاق ويعقوب، ظلَّ يجادل رسلنا فيما أرسلناهم به من عقاب قوم لوط وإهلاكهم.
إن إبراهيم لا يجادل ربه في سورة هود "يجادلنا"، وهل يصحُّ لإبراهيم أن يجادل الله؟ وإنما الجدال هنا بمعنى أنه يطلب من الله العفو والصفح، ويلح: يا رب، يا رب، والله تعالى يقول: فعلوا كذا بالنبي لوط، وفعلوا كذا، فيقول سيدنا إبراهيم: يا رب، يا رب... هذا معنى: "يجادلنا".
إن إبراهيم عليه السلام كثير الحلم، لا يحب المعاجلة بالعقاب، كثير التضرع إلى الله والدعاء له، تائب يرجع إلى الله في أموره كلها.. لحليم أوَّاه منيب، لو قلت لك: إن إبراهيم حليم فهذا كلام ليس مؤكدًا، ولكن إذا قال الله تعالى: "إن إبراهيم لحليم" فهذا يقين أنه حليم منيب.
قال تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} (آل عمران: 68فكلُّ ما ورد في القرآن الكريم لمدح سيدنا إبراهيم عليه السلام موجود في سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وبلغ كماله مع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بصورة لم يبلغها مع سيدنا إبراهيم عليه السلام، لكثرة الأعداء الذين كانوا يحيطون برسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وُضع في مواقف أصعب من المواضع التي وضع فيها سيدنا إبراهيم، يأتي إليه الرجل ويمسك بتلابيبه يقول له: أعطني يا محمد، فيعطيه، فيقول له: هذا المال ليس مالك، ولا مال أمك، ولا مال أبيك، زِدْني، فيزيده النبي صلى الله عليه وسلم، يقول له: إنك لم تعدل فزِدْنِي فيزيده النبي صلى الله عليه وسلم.. إنك لم تعدل فزِدنِي، فيزيده النبي صلى الله عليه وسلم، وكلما أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم يزيد في إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول له: اعدل، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول له بأدب شديد: "مَن يعدل إذا لم أعدل؟".
والحديث بتمامه في صحيح البخاري "بيْنَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقْسِمُ ذَاتَ يَومٍ قِسْمًا، فَقالَ ذُو الخُوَيْصِرَةِ، رَجُلٌ مِن بَنِي تَمِيمٍ: يا رَسولَ اللَّهِ اعْدِلْ، قالَ: ويْلَكَ، مَن يَعْدِلُ إذَا لَمْ أعْدِلْ فَقالَ عُمَرُ: ائْذَنْ لي فَلْأَضْرِبْ عُنُقَهُ، قالَ: لَا، إنَّ له أصْحَابًا، يَحْقِرُ أحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مع صَلَاتِهِمْ، وصِيَامَهُ مع صِيَامِهِمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمُرُوقِ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يُنْظَرُ إلى نَصْلِهِ فلا يُوجَدُ فيه شيءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إلى رِصَافِهِ فلا يُوجَدُ فيه شيءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إلى نَضِيِّهِ فلا يُوجَدُ فيه شيءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إلى قُذَذِهِ فلا يُوجَدُ فيه شيءٌ، قدْ سَبَقَ الفَرْثَ والدَّمَ، يَخْرُجُونَ علَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ، آيَتُهُمْ رَجُلٌ إحْدَى يَدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ المرْأَةِ، أوْ مِثْلُ البَضْعَةِ تَدَرْدَرُ قالَ أبوسَعِيدٍ: أشْهَدُ لَسَمِعْتُهُ مِنَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأَشْهَدُ أنِّي كُنْتُ مع عَلِيٍّ حِينَ قَاتَلَهُمْ، فَالْتُمِسَ في القَتْلَى فَأُتِيَ به علَى النَّعْتِ الذي نَعَتَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"([1]) فهذا الرجل يعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلظة شديدة، لذا قال تعالى:في وصف حبيبه صلى الله عليه وسلم {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (التوبة:128).. أي: لقد جاءكم أيها المؤمنون رسول من قومكم، يشق عليه ما تلقون من المكروه والعنت، حريص على إيمانكم وصلاح شأنكم، وهو بالمؤمنين كثير الرأفة والرحمة.

([1]) صحيح البخاري: 6163.

تصفح أيضا

أخبار الطقس

SAUDI ARABIA WEATHER

مواقيت الصلاة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد عبده عوض