من أسباب وقف الحال (أ) إذن هناك نعمة تغافل عنها كثير من الناس الذين يستشعرون أن حالهم واقف، ونُذَكِّر النَّاسَ – لا أوقف الله لكم حالا – وقد يتبادر لذهن الأشخاص أَنَّ وَقفَ الحالِ مُرتبطٌ دومًا بالمسِّ أو السِّحرِ، وهذا غير صحيح كليًّا؛ فمن الممكن أن يكون سببًا من الأسباب، ولكنه ليس السبب الوحيد فقط؛ فهناك أسباب أخرى، وهي أن الإنسان نفسه ترك الخوف يسيطر عليه. عندما نتصفح أحاديث النبيّ الكريم - صلوات ربي وسلامه عليه - سنجد أنه كان يحبب إلينا سؤال العافية دومًا؛ لأن العافية تغير أشياء كثيرة في دنيا البشر؛ كان الرسول يقول لنا: "سلوا الله العفو والعافية"؛ فلو سألت ربك العفو والعافية، فقد أعطاك ربك خيري الدنيا والآخرة، كما قال النبيّ الكريم: "فإن أحدا لم يُعط بعد اليقين خيرًا من العافية".[رواه أحمد]. إذن اليقين بعده مباشرة العافية؛ فالذي يطلب العافية إنسان عنده يقين أنَّ اللهَ تعالى إذا عافاه فإنه يتعافى؛ القلب يتعافى، اللسان يتعافى، الصحة العامة تتعافى كل البدن والرُّوح تتعافى، فيجب علينا أن نطلبَ العافيةَ من اللهِ عزَّ وجلَّ ؛ لأنَّ العافيةَ هي الخيرُ كله؛ لأنَّ العافيةَ هي التي سيستخدمها الإنسان في البحثِ في الأرض، وتضرب في الأرض، وتبحث عن رزقك في الأرض، بتلك العافية وصلنا إلى القمر، وفعلنا كل هذه التكنولوجيا، والعافية ضدها العجز، والعجز هنا ليس في البدن؛ فكثير من الناس أصحاب العاهات هم الذين اخترعوا لنا أغلب التكنولوجيا، ولكن العجز يكمن في الإرادة والقوة، والعجز عن العمل، والعجز عن المشاركة والعجز عن التفاعل مع الناس، يقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: (اللهم إنا نعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل)[متفق عليه]؛ فالطالب العاجز عن القراءة، العاجز عن الصبر على طلب العلم يبقى عاجزًا العمر كله. وهناك قضية إيمانية جميلة وهى شرح الصدر، ومعناه أن الإنسان مستعد أن يستقبل أي شيء وهذا ليس من باب أن الإنسان عنده لا مبالاة، أو ليس عنده مسئولية، ولكنها قضية إيمان؛ كإنسان أُخذ على غِرَّة وحُبِسَ لمدة عشرين سنة، وبعد عشرين سنة، سألوه عن حاله، فرد قائلا: الحمد لله رب العالمين؛ وقال: ربما كان الحبس منعًا لي من أشياء لي صعبة، أو فتن كانت ستقع علىَّ فحجبني الله عنها؛ وأنا محبوس حفظت كتاب الله، وأنا محبوس تعلمت كذا وكذا وكذا، فالقضية إذن تكمن في كيفية نظرة الإنسان للأمور؛ فهي قضية إيمانية في المقام الأول، وأحد الناس سافر إلى دولة عربية وكانت أمنيته أن يسافر، وكانت تخرج منه الآهات والزفرات حينما يقال له زميلك معار إلى جامعة كذا، وزميلك الآخر معار إلى جامعة كذا، ويشاء الله أن يسافر في سفرية عظيمة وسافر على كِبرٍ، ولا يسافر إلا بعد إلحاح وطلب شديد من الله عز وجل، فسافر إلى دولة عربية، وبقي فيها 17 يوما فقط، وقال لهم:" أريد العودة الليلة"، وعندما رجع كان الله قد خبأ له أشياء لم تكن في ذهنه، ولا في ذهن غيره؛ فالإنسان دوما يكون عجولا، يشعر أن الفرص ضاعت من يده، ووالله الفرص لم تضع من يدك، وربما الحسد الشديد في بلادنا لا شك في أنه يؤثر على معنويات الإنسان، ولكن اعتقاد الإنسان أن نهاية الحياة أنه قد سُحر له فهذا إنسان ضعيف، ويجب على الإنسان أن يفيق من سُبَاتِهِ، وأن يُغيِّر من نفسهِ وكُلّ الأدعية – مهما كانت - تُعالج وقف الحال، مثل: أدعية الكرب، وأدعية طرد الشياطين والوساوس، وأدعية الكشف وأدعية العصمة وعدم التوهان وأدعية التغلب على الأوجاع، وأدعية العون؛ فكل هذه الأدعية تُعالج وقف الحال. (ب) ويجب أن تعلموا أنَّ من علامات "وقف الحال" دوام النظر إلى الخلف؛ كأن يُحدِّث الإنسانُ نفسه، ويقول – مثلا – جاءتني فرصة سفر، ولو كنت قد سافرت لتبدل حالي كله، ولكني لم أسافر، وآخر يقول: عندما كنت ابن عشرين سنة وتقدمت لخطبة فتاة، لو كانت قد وافقت علىَّ هذه الفتاة لتبدل حالي كله وفعلت كذا وكذا وكذا، وهكذا نجد الناس يفكرون في الخلف، يفكرون في حياتهم التي مضت وانتهت، وهذا خطأ، هم يُعلِّقُون أنفسهم بها، وكأنَّ الإنسانَ صارَ بطاريةً أصابها الصدأ فنامت، وماتت، ولم تعد صالحة للعمل مطلقا، والإنسان هو الذي يفعل ذلك بنفسه، وهذا خطأ، وهو ومن علامات وقف الحال. ويجب عليكم أن تبدءوا حياتكم من جديد، ولا تتوقفوا عند الماضي؛ اجعلوا بدايتكم من اليوم، من هذه الساعة، من هذه الدقيقة، من هذه الثانية التي تقرأ فيها هذا الكلام، قم واغتسل، واستعد وبَدِّل حالك من حال إلى حال؛ فالسَّعد كله في انتظارك، والأمل يطرق بابك، واجعل حالك المتوقف تاريخًا وانتهى، وابدأ تاريخًا جديدًا تذكر فيه قول حبيبك النبي العربي: "إياكم واللولوة"، أي: الإنسان الذي يكثر من قول "لو"؛ فإن "لو" تفتح عمل الشيطان، ولذا قال النبي الكريم: "واستعن بالله ولا تَعجِز، ولا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا أو أني فعلت كذا كان كذا ولكن قل قدَّر اللهُ وما شاء فعل"[رواه مسلم]، وهذا كلامٌ جميلٌ من النبيّ العربي الأمين، وكثير من الناس ضحايا كلمة "لو"؛ فكل النَّاس الذين يستخدمون كلمة "لو" هو دليل على وقف الحال، وإلا لما استداروا أصلا إلى الخلف، وذلك الإنسان يحاول دوما أن يُبرِّر ما جرى عليه – سلمكم الله وأحبكم وأذاقنا، وإياكم حلاوة الإيمان وبرد الإيمان – بكلمة "لو". وفي حديث آخر يقول فيه النبي الكريم: " إن الله يلوم على العجز"[رواه أبو داود] بمعنى أنَّ الإنسانَ عندما يَعْجز، وعندما يأتي له العجز، وهو قادر على العمل، وقادر على الإبداع، وجلس في بيته مستكينا، مُستريحًا على حدّ قول الشاعر الذي غلب عليه الجبن، وكان جبانًا - سلمك الله تعالى - يقول الشاعر: أقول وقد شنّوا إلى الحرب غارة دعوني فإني آكل العيش بالجبن إنَّ كلمةَ "دعوني" هذه فيها عجز كبير، والإنسان يُلام على هذا العجز، فما أجمل كلامك يا حبيب الله، إن الله يلوم على العجز، فإذا غلبك أمر، فقل: "حسبي الله ونعم الوكيل"، هذه العبارة يقولها الإنسان الذي حاول أن يقوم بفعل شيء، وجاهد فيه، ولكنه لم يفلح، فليقل: الحمد لله، ويتوكل على الله، ويستعين بالله. على حين الإنسان الذي يبقى في بيته ينتظر أن تُمطر السماء عليه ذهبا، فلن تمطر السماء أبدا عليه ذهبا ولا فضة، إنها لا تمطر إلا الماء، إذن التسليم بالواقع هو أمر مهم جدا، ويجب على الإنسان بعد هذا أن يبدأ، ويستأنف صفحة جديدة من حياته؛ فلو ضاعت منه سنوات عمره فيجب عليه أن يتحرك من جديد، ولو كانت عنده أهداف في حياته، ولم يبلغها وقصرت دونه الأهداف، وما توصل إليها فيجب عليه - عندئذ – أن يبدأ صفحة جديدة بهمة جديدة، بعطاء جديد، وهذا معنى قول النبي الكريم: "إن الله يلوم على العجز"، أي إن الإنسان ليس عاجزًا، وليس عنده ما يوجب عليه العجز؛ إذ يستطيع أن يشتغل، ويعمل، ويبذل الجهد الوفير، ويعطي، ويضرب، وينتقل في جنبات الأرض، ولكنه استراح على هذا الحال من الكسل، وعنده بعض المال القليل الذي ورثه عن أمه وأبيه، عنده قطعة أرض، عنده معاش لأبيه أو معاش لأمه، فإلى متى يظل الإنسان هكذا يعيش في كنف الغير؟! فهذا هو العجز؛ فالذي يعيش في كنف أبيه وأبوه ينفق عليه، سينفق عليه إلى متى؟! وإلى متى يعيش له أبوه؟! وإلى متى تعيش له أمه؟! هذا هو العجز بعينه – سلَّمك الله تعالى وأحبك – وكُلّ هذه الأمور تحث عليها الشريعة من أجل الرغبة في التغلّب على العجز، ومن ثم معناه وقف الحال، وإذا أراد الإنسان أن تتبدل حاله تماما فهو يحتاج إلى فتح من الله تعالى عز وجل، ولم لا تبدأ أيها الإنسان – سلمك الله وأحبك وأعزك – من اليوم؟! فالله عز وجل يلوم الإنسان الذي عنده القدرة على العمل ولا يعمل ولا يجتهد، وينتظر السماء تمطر عليه أموالا وذهبا، والنبي يلوم مثل هذا الإنسان، ويقول له: "إن الله يلوم على العجز" أي: سيلومك الله أيها الإنسان إذا كنت قادرا؛ ولم تجتهد في عملك، ألا تعلموا أن نبيكم الكريم كان يرعى الأغنام لأهل مكة، ولم تكن أغنامه هو أصلا، وكان نبيك أجيرا عليها؟!! قلنا قبل ذلك: إن الدندنة مهمة جدا في مناسبة الحال، فمثلا شخص سيقابل إنسانا ظالما؛ فإنه يقرأ آية الكرسي مثلا، شخص ينسى كثيرا؛ ومقبل على امتحان فإنه يقرأ سورة الأعلى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1]، أو قوله تعالى في سورة طه: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}[طه:114]، وهكذا. وهذه الدندنة يتوافق معها قول النبي الكريم العظيم - صلوات ربي وسلامه عليه - لكل إنسان استشعر أن حاله واقف، فليتذكر قول النبي الكريم: "ألظوا بـ (يا ذا الجلال والإكرام)"، وألظوا بمعنى "ادعوا" فلا تمل أيها الإنسان من الدعاء، فدندن بها أيها الإنسان في كل وقت وحين، وكما يقول الشاعر: أَخْلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته .. ومُدْمِنِ القرعِ للأبواب قد يلجا فكثرة الإلحاح في الدعاء سبيل الإجابة من الله، ولا تقلق أيها الإنسان سيُفتح لك الباب، ولكن مع إدامة طرقك للباب. وهناك أيها الإنسان – أحبك الله وأعزك الله – شيء آخر، وهو الدعاء بظهر الغيب؛ فمن كانت عنده مشكلة وأزمة كبيرة؛ فليستعن بالله تعالى أولا، ثم يستعين بالصالحين بعد ذلك فإن لهم لسان صدق عند الله، وهذا الدعاء لا يرد، وهو باب عظيم جدّا من أبواب تفريج الكرب، وهو من الأشياء التي يستعين بها المسلم عندما يستشعر أن حاله واقف. أيضا من علاج وقف الحال جملة الاستفتاح أي كيف يستفتح المسلم دعاءه؟ لو قلت: "يا ذا الجلال والإكرام"، فهذا جميل في الاستفتاح، ولو قلت: "يا أرحم الراحمين" فهذا جميل في الاستفتاح، ولو قلت: "سبحان ربي العلي الأعلى الوهاب"، فهذا ما كان يفعله النبي الكريم وهي جملة جميلة فيها ثناء جميل على الله عز وجل. وهناك دعاء مهم أذكركم به – أيضا – وهذا دعاء المستجير بالله، دعاء المستغيث بالله الذي قلت حيلته ورأس ماله الدعاء، وحيلته البكاء، وغايته الرجاء أي القبول، والدعاء هو: "اللهم يا مؤنس كل وحيد، و يا صاحب كل فريد، ويا قريبا غير بعيد، ويا غالبا غير مغلوب، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام". ومعنا دعاء آخر نعالج به وقف الحال، وهو دعاء مهم، ومن يتعلم هذا الدعاء وجب عليه أن ينقله إلى الناس، وأن يعلمه للناس؛ كما أمرنا النبي الكريم: "تعلموهنّ وادرسوهنّ فإنهن حق"[أخرجه ابن عساكر]، والدعاء هو: (اللهم إني أسالك الطيبات، وفعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تتوب علىَّ، وأن تغفر لي، وأن ترحمني، وإذا أردت في خلقك فتنةً فنجني إليك منها غير مفتون، اللهم إني أسالك حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يبلغني إلى حبك)، وهذا الدعاء فيه استعانة، وفيه ترقيق للقلب. ويجب أن تعلموا شيئا مهما جدا، وهو أنَّ الذنوبَ التي يرتكبها الشخص في بعض الأحيان تكون معطلة لحال ذلك الإنسان، فترتبك حياته ويشعر بالضيق والمللِ والسَّأمِ ووقف الحالِ، وواجب على الإنسان مجاهدة نفسه، والاستعانة بالله عز وجل على مدّه بالقدرة لترك تلك المعاصي والذنوب – وهو على ذلك قادر بإذن الله تعالى – وسيرى أن حياته ستتبدل إن شاء الله تعالى.