معنى اشتعل شيب الرأس

معنى اشتعل شيب الرأس
ها هو أستاذنا الشيخ عبد القاهر الجرجاني يوضح لنا معنى قوله: ﴿وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا﴾ [مريم:4]، ويقول: إن الناس قديما كانوا يقولون اشتعل شيب الرأس، والناس كانوا يقولون انتشر الشيب في الرأس، وكانوا يقولون ابيض شعر الرأس، أما القرآن فقال: ﴿وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا﴾ [مريم:4]؛ فالعرب يعرفون كلمة اشتعل، والعرب تعرف أيضا كلمة: الرأس، والعرب – كذلك – تعرف كلمة الشيب، لكن لا يوجد تركيب عربي بهذا الشكل الذي جاء به القرآن الكريم، وهذا هو الإعجاز؛ فأقصى ما فعله العرب أن قالوا: (اشتعل شيب الرأس) فقط، لكن قوله تعالى: ﴿وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا﴾ [مريم:4]، بما فيها من صور واستعارة مكنية يكون هذا هو الإعجاز الحقيقي وهذا هو الاختلاف بين كلامهم وبين القرآن، وعلى هذا فإن زعم الملاحدة من أنَّ القرآن قد اقتبس من الشعر الجاهلي يكون كلاما مريضًا.
وسنؤكد مرة أخرى أنه من إعجاز القرآن الكريم أنه يأتي بالكلمات التي كانت سارية عند العرب في كلامهم، ويُكسبها شكلا جديدا.
حنيفية الشاعر زيد بن عمرو
وهناك مثال آخر، وهو أن الشاعر زيد بن عمرو بن نفيل، وكان حنيفيًّا أي على ديانة سيدنا إبراهيم عليه السلام، ونص الحديث – كما ورد في صحيح البخاري: «أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ يَسْأَلُ عَنِ الدِّينِ وَيَتْبَعُهُ، فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ اليَهُودِ فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِمْ، فَقَالَ: «إِنِّي لَعَلِّي أَنْ أَدِينَ دِينَكُمْ، فَأَخْبِرْنِي»، فَقَالَ: «لَا تَكُونُ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ غَضَبِ اللهِ»، قَالَ زَيْدٌ: «مَا أَفِرُّ إِلَّا مِنْ غَضَبِ اللهِ، وَلَا أَحْمِلُ مِنْ غَضَبِ اللهِ شَيْئًا أَبَدًا، وَأَنَّى أَسْتَطِيعُهُ؟ فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ؟» قَالَ: «مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا»، قَالَ زَيْدٌ: «وَمَا الحَنِيفُ؟» قَالَ: «دِينُ إِبْرَاهِيمَ، لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا، وَلَا يَعْبُدُ إِلَّا اللهَ»، فَخَرَجَ زَيْدٌ فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ النَّصَارَى فَذَكَرَ مِثْلَهُ، فَقَالَ: «لَنْ تَكُونَ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ لَعْنَةِ اللهِ»، قَالَ: «مَا أَفِرُّ إِلَّا مِنْ لَعْنَةِ اللهِ، وَلَا أَحْمِلُ مِنْ لَعْنَةِ اللهِ وَلَا مِنْ غَضَبِهِ شَيْئًا أَبَدًا، وَأَنَّى أَسْتَطِيعُ؟ فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ؟» قَالَ: «مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا»، قَالَ: «وَمَا الحَنِيفُ؟» قَالَ: «دِينُ إِبْرَاهِيمَ، لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا، وَلَا يَعْبُدُ إِلَّا اللهَ»، فَلَمَّا رَأَى زَيْدٌ قَوْلَهُمْ فِي إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَرَجَ، فَلَمَّا بَرَزَ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْهَدُ أَنِّي عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ»( ).
أحبتي الكرام، إنَّ الملاحدة تزعم أنَّ سيدنا محمدا قد أخذ كلامًا من الشاعر "زيد بن عمرو بن نُفيلٍ" ووضعه في القرآن، والكلام الذي جاء به الملاحدة، ونسبوه إلى زيد بن عمرو بن نفيل، وزعموا أن محمدًا بن عبد الله قد أخذه واقتبسه، ووضعه في قرآنه هو كلام يتحدّث فيه زيد بن عمرو بن نفيل، عن ميلاد المسيح عيسى ابن مريم، عليهما السلام، ويقول فيه:
فقالت مريم أنى يكون ولم أك
بغيا ولا حُبلى ولا ذات قيم


فقال لها إني من الله آية
وعلمني والله خير معلم


وأرسلت ولم أُرسل غويا ولم أك
شقيا ولم أبعث بفحش ومأثم

أحبتي الكرام، إن هذا الكلام السابق ليس شعرًا، وإنما هو عبارةٌ عن نَظمٍ؛ فهو ليس موزونًا ولا مُقفى، والشعراء قديما كانوا مُتمسِّكين بالوزنِ والقافيةِ، وأنا أُجزمُ بأنَّ هذا الكلامَ مُنتحلٌ، وأنا اليوم مُتمسكٌ بنظرية الانتحال التي قال بها الدكتور طه حسين.
صديقي الملحد إنه بالرغم ورغم كل ما قلته لك يا صديقي الملحد سأتماشى مع كلامك ولن أعتبر هذا الكلام منتحلا.
أحبتي الكرام، إِنَّ الملاحدة يقولون: إن سيدنا محمدا قد نقل هذا الكلام السابق من شعر زيد بن عمرو بن نفيل، ووضعه في القرآن، وهذا معناه أن الملاحدة مقتنعون أن هذا القرآن هو قرآن محمد، وأنَّ محمدا هو الذي قام بتأليف هذا القرآن، ثم قام سيدنا محمد بأخذ الكلام، ووضعه في سورة تسمى بسورة مريم في القرآن الكريم، كمثل قوله تعـالى: ﴿قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (36)﴾ [مريم: 36:19]، وتأملوا يا أحبتي هذا الكلام الوارد في السُورةِ الكريمةِ، واشعروا بما فيها من تناسق وانتظام، ولعلَّ هناك سؤالاً وهو على الرُّغم من وجود تشابه في المعاني بين كلام زيد بن عمرو بن نفيل، وبين هذه المعاني الواردة في سورة مريم، فهل هذا معناه أن محمدًا قد سَرَقَ من زَيدٍ ين عمروٍ بن نُفيلٍ؟!

والإجابة: لا طبعا؛ لأنَّ عمرو بن زيد بن نفيل كان حنيفيا، وقبل أن يكون حنيفيا على ديانة سيدنا إبراهيم عليه السلام كان قد قرأ وتعلم ودرس، وسأل عن الديانتين المسيحية واليهودية، واطَّلع على الإنجيل والتوراة، ويجب أن تعلموا -يا أحبتي الكرام- أن التشابه في القصص بين القرآن والإنجيل والتوراة معناه أنَّ لهما أصلا وحدا وهو الله عز وجل، والإنجيل والتوراة كتب سماوية وقد صدَّق بها القرآن الكريم، ثم قام البشر بتحريفهما، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

تصفح أيضا

أخبار الطقس

SAUDI ARABIA WEATHER

مواقيت الصلاة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد عبده عوض