إنَّ من أعظم الفرص، بل
هي الجامعة لكل الفرص التي نجتنيها ونكتسبها في شهر رمضان؛ فرصة العبوديَّة لله
والقيام بحقِّه، والتوجه إليه، والانطراح بين يديه، فهي الحقيقة الكبرى في الكون
والحياة.
أن أغتنم مواسم الخير،
وأبحث عن الفرص التي أحظى فيها بظل طاعة الله، ومن أعظم مواسم الخيرات شهر رمضان
ذلك الشهر الذي يصطفيك الله فيه، ويستخلصك من شوائب الدنيا، ومشاغلها حتى تعود إليه؛
لتسكب همومك، وتغسل ذنوبك، وتملأ قلبك من نهر الإيمان، فهو شهر يريدك الله فيه أن
تكون له مخلصًا صائمًا قائمًا ذاكرا شاكرًا، وكأنه الشهر الذي يغسل الله فيه عباده
من هجير نسيان طاعة الله، والبعد عن رحاب ربهم الرحيم الحليم.
إنه شهر حلاوة الإيمان
الذي تتلمسه القلوب العارفة بمقام ربها، وبجنة طاعته تتنعم في الدنيا قبل الآخرة،
فرمضان منحة ربانية، وجنة دنيوية لعباده الصالحين الذين تركوا ملذات الدنيا حتى
يحظوا بلذة القرب من رب كريم حليم رحيم.
هذا الشهر العظيم يفتح
لنا في الطاعة ألف باب، ويفضي بنا إلى طرق الخيرات، وكنوز الحسنات، فهذا الشهر
يعطينا فرصًا كثيرة للعطاء وتقديم الخير للناس، وإكرامهم وإسبال الجود عليهم، من
قبيل: تفطير الصوَّام، والتصدق بالمال، وتعليم الناس العلم، والسعي في خدمة
المحتاجين والمكروبين.
وهذا الشهر الكريم فرصة
ذهبيَّة لبر لوالدين، وصلة الأرحام، وحمل هموم الأمَّة المسلمة بالقيام بأداء
حقوقها؛ فيتفقَّد المحتاجين والمعوزين والفقراء والمساكين، ويقوم بخدمتهم وأداء
حقوقهم، ويتعاون مع الجمعيات الخيريَّة، ويدلها على الفقراء والمساكين والذين لا
يسألون الناس إلحافًا، وكذلك يقوم بإخراج الزكاة إنَّ حان موعدها في هذا الشهر
الكريم، ويصرفها في أهلها الذين يستحقونها، ويشعر بشعور الضعفاء والفقراء، ويحاول
قدر الإمكان أن يقدم لهم خدماته، والله عزَّ وجل سيجزيه خير الجزاء.
ولنا في الصالحين مع
شهر رمضان قدوة فقد انكب الصالحون على كتاب ربهم، يتلونه آناء الليل وأطراف النهار،
لا يملون تكراره، ولا يسأمون أخباره، كان بعض الصالحين يختم في كل ثلاث ليال،
وبعضهم في كل سبع، وبعضهم في كل عشر، وكان الأسود يقرأ القرآن في كل ليلتين، وكان
الشافعي يختم في رمضان ستين ختمة، وكان مالك إذا دخل رمضان، نفر من قراءة الحديث
ومجالسة أهل العلم، وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف.
وكان أيوب السختياني
يقوم الليل كله، فيُخفي ذلك، فإذا كان عند الصباح، رفع صوته كأنه قام تلك الساعة،
وعن ابن أبي عَدِي، قال: صام داود بن أبي هند أربعين سنة، لا يعلم به أهله، وكان
خرازًا يحمل معه غذاءه من عندهم، فيتصدَّق به في الطريق، ويرجع عشيًّا، فيُفطر
معهم.
شهر رمضان فرصة
للصوَّام للدخول إلى الجنان، ولا ريب أنَّ للصائمين إيمانًا واحتسابًا بابًا
يدخلونه إلى الجنَّة وهو باب الريَّان، كما أنَّ الأجر العظيم ينتظرهم يوم
القيامة، فإنَّ الصوم لله وهو سبحانه وتعالى سيجزي عباده الصائمين الأجر الكبير،
وفي هذا الشهر فرصة لشكر الله تعالى، وخصوصًا إذا أطاع العبد ربه، واجتنب معاصيه
وما يسخطه، فيحمد العبد ربَّه شاكرًا له من قلبه وبلسانه وبأفعاله على أن منَّ
عليه بتلك الفضائل وجنَّبه الرذائل، كما قال تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ
عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185].
لقد جمع هذا الشهر جميع
ألوان العبادة، وشتَّى أشكال الروحانيَّة والتقرب إلى الله، فيا باغي الخير أقبل،
ويا باغي الشر أقصر.