رحلة الراشد (72) إصلاحات السجود لفضيلة الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عوض الداعية والمفكر الإسلامي

الرئيسية المقالات مقالات دينية

رحلة الراشد (72) إصلاحات السجود لفضيلة الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عوض الداعية والمفكر الإسلامي

بسم الله الرحمن الرحيم
رحلة الراشد دروس أتمنى لو ترجمت إلى كل اللغات العالم كي يعرف المسلمون وغيرهم مدى التحضر الفكري الذي وصلنا إليه قبل أن تكون هناك دنيا ولا حضارة إحنا بنتكلم دلوقت في سنة كام؟ 100 هجريا في القرن السابع الميلادي. كان الإسلام كان غطى كل البلاد المعروفة في العالم أيامها، الإسلام دخل كل آسيا دخل كل أفريقيا دخل أوروبا، ولك أن تسأل أين كانت أوروبا ايامها؟ كانت أوروبا أيامها عبارة عن همج عبارة عن شعور همجية فوضية أشبه بالهنود الحمر، والله العظيم لست أبالغ ووصف الملك تشارلز ملك بريطانيا الحالي ما فعله المسلمون في أوروبا أنهم غيروا شكل الحياة من أوروبا المظلمة إلى أوروبا المنورة. دا كلام الأمير تشارلز الذي أصبح الآن الملك تشارلز.
فعندما أركز على التقدم الحضاري عند المسلمين في دولة بني أمية بالتحديد في الخلافة العمري أقدم لك جانبا من التقدم الفكري عند المسلمين، الحضارة يا سادة يا كرام ليست أبنية ولا فخفخة في المعمار لأ، أي واحد معاه فلوس يملك المال يستطيع أن يصنع ناطحات سحاب يستطيع أن يجري أنهارًا في أماكن ليس بها أنهار كما فعل العقيد القذافي عمل نهر ليبيا العظيم وليبيا ليس فيها نهر لكن معاه فلوس.
ليس هذا هو الجانب الحضاري، لأ، الجانب الحضاري هو أن تقدم أفكارًا جديدة تدهش العالم إلى أن تقوم الساعة، ولا يتقدم أحد عليك فيها، نعتبر هذه الإنجازات الحضارية غير مسبوقة في تاريخ البشرية.
درس اليوم أنا اخترته متعمدا أن أبرز لك الفرق بين الحاكم الصالح والحاكم غير الصالح، الحكم الصالح أهم سمة من سماته أنه عادل، ثلاثة لا ترد لهم دعوة: رقم واحد الإمام العادل، سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله الإمام العادل، كلمة العادل بتحل ألغازا كثيرة جدا جدا جدا، وليس لك أن تعرف أخي الحبيب وأختي العزيزة دلالات كلمة العادل العمرية إلا إذا قارنت بينه وبين من كانوا قبله.
عرف عن عهد بني أمية بوجود شخصية ظالمة وهو الحجاج بن يوسف الثقفي، قيل أنه حبس ثلاثا وثلاثين ألفا في عهده، فلما مات أتى سليمان بن عبد الملك لكي يفحص يعني شكل لجنة لفحص هذا الكم الرهيب من المسجونين فما وجدوا لأحد ذنبا. حتى أن أحدهم حُبس أنه كان يسير في الشارع أو في الطريق فحبس فيه البول فتبول في حديقة بجواره فأخذه وحبسه سنوات طويلة على أنه تبول، معذرة يعني.
أطلق سليمان بن عبد الملك (هذا القول لابن كثير في البداية والنهاية) أطلق سليمان بن عبد الملك في يوم واحد 81 ألف أسير كانوا في سجن الحجاج منهم ثلاثون ألف امرأة. لا إله إلا الله.
فبالتالي كان لابد أن عمر بن عبد العزيز يصلح ما أفسده الآخرون في كل الحياة، ليس فقط في موضوع السجون لأ، وإنما في كل الحياة التي اتيحت له أن يصلح وأن يغير.
موضوع السجون بيتصل بعدل الحاكم بإنصاف الحاكم بهدوء أعصاب الحاكم بإقامة العدل دون شطط بالعفو عن من يستحقون العفو، بالشدة على أهل الذعارة يعني اللي بيسموهم أصحاب السوابق أي المجرمون العتاه القتلة وقطاع الطريق وهؤلاء اسمهم الذعارة.
فإذا تركت الظالمين دون حساب أدى هذا إلى الفوضى فمن أمن العقاب أساء الأدب، وإذا عاقبتهم يا عزيزي عاقبهم بلطف الإسلام وسماحة الإسلام، وانظر ما فعله عمر وما فعله أبو بكر وما فعله عثمان وما فعله علي مع المسجونين وسر على سيرتهم، وبالتالي كان عنده سجل حافل من العدالة العمرية والعثمانية والعلوية، والحقيقة أن هذا الرجل عمر بن عبد العزيز نفع الإسلام منفعة في وقت أجدبت فيه الأرض وقل فيه الخير وسادت فيه الرفاهية وانتشر فيه الظلم.
وليس غريبا أن تجد أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما جاءه في الرؤية قبل أن يلي الخلافة بشره النبي فقال إنك تملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جورا وهكذا.
أيها السادة الكرام وبعد هذه المقدمة المهمة ننزل إلى أرض الواقع، كتب عمر إلى أمراء الأجناد بيقول لهم انظروا من في السجون، ممن قام عليه الحق فلا تحبسه حتى تقيمه عليه يعني محدش يتحبس يعني لا يحبس أحد إلا بذنب، ومن أشكل أمره فاكتب إلي فيه، يا سلام! يعني هيتحول هو إلى قاضي القضاة. واستوثق من أهل الذعارات اللي هم أصحاب السوابق أو أهل الدم فإن الحبس لهم نكال، يعني لا يجوز العفو عن قاتل مجرم أو مغتصب لأن العفو عن هؤلاء يؤدي إلى فوضى في المجتمع ولا تعد في العقوبة عليهم، يعني لو واحد من أصحاب الذعارات فعل شيئًا فظيعا مفزعا فلا حرج أبدا أن تعاقبه وإذا عاقبته لا ترجع في العقوبة، وتعاهد المرضى من المسجونين ممن لا أحد له ولا مال، يعني الدولة مكلفة برعاية المرضى من المسجونين، وإذا حبست قوما في دين، لو واحد مديون المديون دا غلبان فقير مديون مكسور يعني ولو كان معه لسدد ولا إيه؟ وإذا حبست أحدا بدين فلا تحبسه مع أهل الذعارات، لا تحبس المديون مع واحد سوابق حتى لا يتأذى من الرفقة السيئة لا تجمع بينهم في مكان واحد ولا في عنبر واحد ولا في حبس واحد، واجعل للنساء حبسًا على حدة، هل معنى ذلك أن حبس النساء أيام الحجاج كان مختلظا؟ دا سؤال محتاج لإجابة. وانظر إلى من يقومون على الحبس ممن تثق فيهم ليه؟ إن هذا المجال مجال مجاملات للمسجونين إذا أعطوك مالا أو كذا، وفي مجال للمحسوبية والرشوة وكذا وكذا يعني لا يتولى أمر السجون إلا امر الثقة ومن (اسمع اسمع) ومن لا يرتشي، يا سلام، فإن من ارتشى خالف أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
قلت لك إن الناس الذين كانوا يحكمون قبله من أول يزيد بن معاوية كان طلع قرار يزيد قرار ظالم كالعادة يعني، خطب خطبة أول ما تولى الخلافة كلها مخالفة للشريعة يزيد وقالهم ايه؟ للناس يعني والأمراء وكذا، خذوا الناس بالظن، يعني لو ظنيت في واحد سوء بدون بينة خذ الناس بالظن فأرسى قواعد لالظلم، يعني أنا اظن أن أنت وحش يبقى انت وحش وأحاكمك على كدة، لا تقولي بقى أدلة ولا شهود ولا قرائن ولا كذا ولا كذا.
أي أن الخليفة عمر الراشد قام إرثا من الظلم عظيما، الظلم الذي كان قبله كان عظيما جدا أو ممكن نقول إن غفلة الحاكم عن نصرة الضعفاء حتى ولم يلجأوا إليه تعتبر وزرا عظيما عند الله، لأن الحاكم في الإسلام كما يقول الحسن البصري في إحدى رسائله، إلى عمر بن عبد العزيز بيقوله: أنت للمسلمين الأب وأنت الأخ وأنت الابن الصالح لمن كبر سنه وأنت نعم الرفيق وأنت وأنت وأنت فحمله مسئولية كل شي، والمسؤولية صعبة، ومن سمات المسؤولية اليقظة، إنه يفكر فيك دون أن تطلب منه أن يفكر فيك، تلاقي الحاكم الصالح مطلع كدة قرار لما تقرأه تحس أن هو عايش هم الناس ومشاكل الناس ورحيم مع الناس، وتلك السمة العمرية هي أهم شيء في عهده، إن ربنا أعطاه إلهاما بحيث كل صغيرة وكل صغيرة وكل كبيرة وكل كبيرة كان يفحصها ويدرسها ويتعمق فيها تعمقا عظيما جدا جدا جدا.
اسمع يا سيدي:
ومن إصلاحات السجون أنه كان يأمر عماله، العمال يعني الموظفين الكبار المحافظين الأمراء، بتفقد أحوال المسجونين أسبوعيا كل يوم سبت يروح المحافظ أو الأمير ويدخل السجون بنفسه ويعاين أحوالهم ويتابع أصحاب الذعارات يعني المسئولية اللي عليه يحملها لأناس صالحين، هتلاحظ أن كل الأمراء الذين صاحبوا عمر كانوا عمريين مثله، ولذا أول ما تولى عزل كل الأمراء الذين عليهم علامات استفهام ولا تأخذه في الحق لومة لائم.
كما طلب من عماله ألا يسجنوا أحدا في وثاق يعني قيد يعني قيد من حديد حتى لا يحرمه من الصلاة، وكتب إلى أحدهم فقال: لا تترك أحد في سجنك أحدا من المسلمين في وثاق يعني في قيد حديدي لا يستطيع أن يصلي قائما، ولا يبيت أحد بالليل يعني مينامش وهو مسلسل بالأغلال، ثم قال وأجروا عليهم من الصدقة ما يصلحهم في طعامهم وأدمهم الأدم يعني الأكل أو الغموس يعني، والسلام.
أورده أبو يوسف في كتاب الخراط.
وهذه كلها مستحدثات عمرية جميلة وفريدة وفذة، ولم يقف اهتمام عمر بالسجون عند حد إطعامهم وتفقد أحوالهم بل اسمع وتعجب بل فعل 5 أشياء لم يفعلها أحد قبله، أولا: أمر لهم بكساء في الصيف وكساء في الشتاء على نفقة الدولة، ثانيا: أمر لهم بعلاج لكل من علم أنه مريض، كان في زمان حاجة اسمها الحكيم وكان بيعمل تركيبات عشبية صيدلانية فجعل في كل سجن حكيما أو أكثر، يا سلام يا سلام. الأمر الثالث المهم جدا جدا جدا أنه اهتم بشؤون السجون من حيث البناء بحيث تناسب البشر لأن السجون كانت قبله مزدحمة جدا جدا جدا وكان الناس وقوفا لكثرتهم، وقلت لك إن الحجاج كان حابس ما يقترب من 55 ألفا فقط في الشام والعراق دون ظلم فعلوه.
الأمر الثالث المدهش: أنه أمر بعطاء يعني مرتب لأهل المسجون حتى لا يضطر إلى الفتنة في سبيل لقمة العيش وماذا أيضًا؟ فعل شيئًا مهما جدا جدا وخطيرا جدا جدا، لا يدخل أحد من باب السجن إلا إذا كان عارفا ذنبه وعقوبته يعني مفيش حاجة اسمها سجن احتياطي، السجن الاحتياطي قبله كان بيوصل لخمس سنين، المسجون محبوس 5 سنين على ما نفكر نعمله تهمة ونحاسبه، وكان يقول لعماله لا يدخل السجن إلا إذا عرف ذنبه وأقصى مدة ينتظر العدالة يوم واحد ثم انظروا في أمره قاضي القضاة ينظر في أمرة فإن استعصى أمره عليكم يعني قضية مربكة قضية فيها جانب فقهي صعب فأرسلوا إليّ.
وهذا يسمى في العصر الحديث بالعدالة المنجزة لأن الإبطاء في أخذ الحق لمن له حق ظلم وفوضى تحدث ألما عند الناس أنه لا عدل ولا عدالة.
الأمر الثاني: الإبطاء في التعامل مع الظالمين أصحاب الذعارة وعدم محاكماتهم بسرعة يعطي إحساسا للناس المظلومين أن الدولة لن تغيثهم وعندئذ يستمر صوت الباطل عاليا، يا سلام.
موضوعات فنية بصراحة دقيقة جدا جدا ألهم الله عمر الراشد بإصلاحات قلبية كأن الملائكة كانت معه تعلمه وتهديه وتأخذ بيده. يا سلام.
يبقى جانب أخير: جانب الرأفة بالمسجونين وإكرامهم عدم إذلاهم وعدم تعذيبهم وهذا لم يحدث إلا في خلافته لأن الأوضاع قبله كانت سيئة جدا جدا جدا، والحقيقة حتى أكون منصفا وأشد إنصافا لم يتشدد عمر إلا مع أصحاب الذعارات لأنهم خطر على أمن الدولة وخطر على الأمن العام ولو تركناهم لسادت الفوضى بين البلاد وبين العباد.
وكان يأمر عماله على السجون بأن يبقى الوثاق مع أصحاب الذعارات لأنهم مسجل خطر ومن الخطر أن يترك هكذا سيؤذي غيره وقد يؤذي نفسه.
الحكمة العمرية تجلت في كل هذه الأمور.
ابن كثير صاحب البداية والنهاية يرى أن إصلاحات عمر في السجون هي أول إصلاحات مؤثرة في تاريخ الإسلام وأن كل من أتوا بعده فعلوا فعله يا سلام!
ويرى ابن سعد في الطبقات الكبرى في الجزء الخامس في كلامه عن عمر بن عبد العزيز أن ما فعله عمر في السجون وفي إصلاحها أعاد الناس إلى جو الخلافة الراشدة وذكر الناس بعدل الإسلام الذي بعث به النبي الكريم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام.
موضوع اليوم يبدو بسيطا ولكن عند عمر صاحب الهمة العالية والنفسية الطيبة وتغيير حال الناس لابد أن يكون شيئًا عظيما شيئًا فريدا.
إن عمر وأمثاله وهم قليلون يدخلون في قوله تعالى:
"إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)" المؤمنون

تصفح أيضا

أخبار الطقس

SAUDI ARABIA WEATHER

مواقيت الصلاة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد عبده عوض