محمد بن واسع الأزدي البصري رضي الله عنه الحمد لله رب العالمين، بديع السموات والأرض، خالق الأكوان وفاطر الأكوان، يكور الليل والنهار لا يتعاظم عليه شيء، ولا يتعالى عليه شيء، فبيده ملكوت كل شيء، والصلاة والسلام على صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وصاحب الشفاعة العظمى وعلى آله الطيبين وصحابه الغر الميامين. مجابو الدعاء. هذه السلسلة اليومية الجميلة التي نقترب فيها من أنوار الصالحين، اللهم نورنا بأنوارهم وأسعدنا بمجالستهم، وأسعدنا بمدارستهم، فهم السعداء هم السعداء، لا يشقى بهم جليسهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. لا بد أن تبحث مع (مجابي الدعاء) عن عملة نادرة يعني إذا كنا سنتناول في هذا الشهر الكريم ثلاثين واحدا منهم، فهم أعلام أفذاذ لا يتكررون ليس لهم نسخة ثانية وثالثة، لأن كل واحد منهم فريد في عصره فريد في بابه فريد في أوانه: محمد بن واسع الأزدي البصري. لو أردنا أن نأخذ من اسمه لقطة في كلمة واسع لعلمنا أن الله تعالى وسّع له ووسع به، وعلمنا أن الله تعالى فتح له وفتح به، ولعلمنا أن الله تعالى استجاب له واستجاب به، طبعا لست حديث عهد بمحمد بن واسع، فقد زلزلني على مدى أكثر من ثلاثين سنة، ولذا وأنا أحضر الدرس أخذتني حالة من الشوق إلى أنوار الصالحين، طبعا لماذا هو مستجاب الدعاء؟ أولا: لقد صحب أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيدنا أنس كان رقيق الحاشية، وكان قد زهد في الدنيا متأثرا بسيدنا رسول الله حالة خاصة، يعني سيدنا أنس حالة خاصة جدا جدا جدا كذلك محمد بن واسع الأزدي البصري، حالة خاصة؛ لأنه زين الفقهاء وإمام العلماء، وسيد الزاهدين، فإن أردنا أن نتكلم عليه من الفقه فهو فقيه زمانه في عهد الخليفة سليمان بن عبد الملك. وإذا أردنا أن نتكلم عنه من الزهد فهو إمام الزاهدين، وإذا أردنا أن نتكلم عنه من ناحية إجابة الدعاء فهذا ما سأركز عليه، إن شاء الله تعالى، يزيد بن المهلب بن أبي سفرة جهّز جيش قويا لكي يدرك الفتوحات الإسلامية فيما بعد فارس، فكان هناك بلدان كبيران هما: جرجان وطبرستان، وكانت فارس بطبيعة الحال متمركزة تمركزا عسكريا عظيمة جدا، وكان عندهم حمية بحيث يتعاونون بعضهم مع بعض، ويتكاتفون بعضهم مع بعض في صدّ أي عدو خارجي، خرج يزيد بن المهلب ومعه جيش من مائة ألف مقاتل مائة ألف مقاتل بخلاف المتطوعين حبا في الله، ومنهم محمد بن واسع الأزدي الذي كان يرافق الجيوش لا لكي يحارب، ولكن لكي يدعو فكان معلوما عنه أنه مستجاب الدعوة، وظلّ المسلمون يحاصرون هذه البلاد مدة زمنية طويلة جدا، فطلبوا إليه أن يدعو الله سبحانه وتعالى، فظل يدعو ويدعو حتى فتح الله تعالى للمسلمين، واكتسح المسلمون الأرض، وكانوا يواجهون عدوا ضروسا صعبا. وكان القائد يقول: إن إصبع محمد بن واسع يساوي عندي مائة ألف سيف اتركوه يعني: كان هو قاعد طوال التجهيز للمعركة، يدعو فكلما ذهبوا إليه لكي ينادوا عليه القائد يقول لهم: اتركوه على ما هو عليه فلن ننصر إلا به. وكان يقول أثناء المعركة: يا خيل الله اركبي، يا خيل الله اركبي، فإذا ما قال هذه الكلمة جيش العزيمة والإرادة في صفوف المسلمين المقاتلين فيقولون: الله أكبر، هو يقول: يا خيل الله اركبي، يا خيل الله اركبي، وصوته مسموع في الملأ الأعلى ويظل يقول: يا خيل الله اركبي يا خيل الله اركبي يا خيل الله اركبي حتى فتح الله للمسلمين، وانتصروا نصرا عظيما لم ينتصروا مثله من قبل في حروبهم في فتح إيران وآسيا الوسطى وآسيا الصغرى. وعاد هذا الجيش المظفر المنصور بأمر الله سبحانه وتعالى، ثم بدأ المسلمون يجيشون جيشا كبيرا لفتح بلاد بخارى في روسيا يعني يزيد بن المهلب وصل بالإسلام لروسيا. فكان هناك قائد عظيم مشهور يعني قتيبة بن مسلم الباهلي رضي الله عنه، فقال: إن صحبت معي محمد بن واسع فهو بالجيش كله يعني هو بالنسبة لي جيش فأخذوه في هذه المعركة الصعبة جدا؛ لأنهم يقاتلون قوما شدادا متشبهين بأرضهم متمكنين من جغرافية بلادهم، ورغم هذا على مدى كل هذه الحروب بصراحة لو أن المسلمون يحاربون جيش مع جيش ما كان لهم أن ينتصروا أبدا لما نقول مثلا: جيش المسلمين مائة ألف، ويحارب جيش الجيش الثاني اثنين مليون وهم يعرفون الأرض وطبيعة المكان والجبال الوعرة والإمكانيات والإمدادات، يعني الحسابات البشرية لم تكن أبدا في صالح المسلمين، لكنهم كانوا يثقون في قوله تعالى: {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات: 173]. وكانوا يتسمون في هذه الفترة أنهم يأخذون الصالحين معهم لا لكي يحاربوا ولكن لكي يثبت الله تعالى بهم الجنود خاصة الشباب منهم، وهذا ما حدث المعركة لم تكن سهلة ولا هينة يفتحوا ما يسمى بالاتحاد السوفيتي يفتحوا روسيا وبعد أن فتحوا بخارى سيطروا على روسيا وعلى الصين يعني كانت هذه الحرب أكبر الحروب التاريخية في فتح بلاد آسيا لمن يدرسون التاريخ الإسلامي. من كتاب مجابو الدعاء لفضيلة الاستاذ الدكتور أحمد عبده عوض الداعية والمفكر الاسلامي