قراءة القرآن بالترجيع و التغني به

الرئيسية المقالات مقالات دينية

قراءة القرآن بالترجيع و التغني به

قراءة القرآن بالترجيع و التغني به
من الفِطَر التي فَطَرَ الله عليها قلوب عباده: حب الاستماع إلى الصوت الحسن,ونفورها من الصوت القبيح .
ولاشك أن للصوت أثر كبير على السامع إقبالا" وإدباراً ، وواقع الناس أكبر دليل على هذه الحقيقة ,فنحن مثلا"عندما نسمع صوت مؤذن ينادي للصلاة بصوت ندي,نُرهف السمع إليه , ونتمنى ألا ينتهي مما هو فيه,ولهذا المعنى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن زيد ,أن يطلب من بلال رضي الله عنه أن يؤذن,قائلا" له: ( إنه أندى صوتا" منك ) رواه أحمد و أبو داود و ابن ماجه .
ولأهمية جمال الصوت وحسنه ,وجدنا الناس يسعون إلى كل ما يُدخل إلى قلوبهم الراحة والاطمئنان , فكانت العرب مثلا"إذا ركبت الإبل تتغنى بالحداء ,وهكذا كانت في كثير من أحولها .
ودعا صلى الله عليه وسلم إلى التغني بالقرآن ,فقال:(ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن) رواه البخاري ,ومعنى الحديث_كما قال شرَّاحه_ما استمع الله لشيء من كلام الناس ,ما استمع لنبي يتغنى القرآن .
وثبت في السنة أنه صلى الله عليه وسلم كان أحسن الناس صوتا"بقراءة القرآن ، فكانت قراءته صلى الله عليه وسلم ـ بالإضافة لبيان القرآن ـ تسلب الألباب وتستولي على النفوس,فقد روى البخاري من حديث البراء رضي الله عنه قال:سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ والتين والزيتون في العشاء ,وما سمعت أحدا"أحسن صوتا"منه ,أو قراءة .
وجاء في حديث عبد الله بن الغفل المزني أنه قال:(رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح على ناقة له يقرأ سورة الفتح,قال:فرجّع فيها) رواه البخاري .
والترجيع في القراءة_كما قال العلماء_ترديد الصوت في الجهر بالقول مكررا"بعد خفائه .
قال شرّاح الحديث في معناه :وفي هذا الحديث دلالة على جواز قراءة القرآن بالترجيع والألحان الملذذة للقلوب بحسن الصوت ,وذلك أن القراءة بالترجيع تجمع نفوس الناس إلى الإصغاء وتستميلها بذلك. وكان صلى الله عليه وسلم يحب أن يسمع القرآن من غيره,وقد أثنى على صحابته الذين يقرؤون القرآن بصوت حسن,فعندما مرَّ صلى الله عليه وسلم بأبي موسى الأشعري وسمعه يقرأ القرآن_وكان ذا صوت حسن_سُرَّ بصوته,وقال له:( لو رأيتني وأنا أسمع قراءتك البارحة,لقد أوتيت مزمارا"من مزامير آل داود ) أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والدارمي وأحمد. والمراد بالمزمار هنا الصوت الحسن ,وأصل الزمر الغناء .
وفد صح في السنة_إضافة لما تقدم_الترغيب بتحسين الصوت وتزيينه عند القرآن ,من ذلك ما رواه البخاري معلقا" في كتاب التوحيد,عن البراء بن عازب أنه صلى الله عليه وسلم قال: ( زينوا القرآن بأصواتكم ) رواه أصحاب السنن إلا الترمذي والدارمي وأحمد.
قال النووي رحمه الله:أجمع العلماء على استحباب تحسين الصوت بالقرآن ما لم يخرج عن حد القراءة بالتمطيط ونحوه,فإن خرج حتى زاد حرفا" أو أخفاه حَرُم .
قال :وأما القراءة بالألحان فقد كرهها بعضهم ,لما رأى فيها من خروج عن الخشوع والتدبر المطلوب بالقرآن ,وأجازها البعض.
ومفاد قول النووي هنا ,أن قراءة القرآن بالألحان إذا انتهت إلى إخراج الألفاظ أو بعض منها عن مخارجها حرُم ذلك ,فإن لم تخرج بالألحان عن المنهج القويم جاز ,مع الإشارة إلى أن المقصود بالألحان في كلام الفقهاء ليس الآلات الموسيقية المعروفة لدينا اليوم ,بل مقصودهم اللحن الصوتي ,وهو النغم الصوتي فحسب ,وإلا فالإجماع منعقد على تحريم قراءة القرآن بتلحين الموسيقى ,وأن فاعله مستهزىء بكتاب الله تعالى ,مستخفّ به .
والذي يتحصل من الأدلة الواردة في مسألة التغني بالقرآن,أنه على وجهين ,أحدهما :ما جاء على مقتضى الفطرة دون تكلف أو تصنع ,فهذا جائز شرعا"و مرغَّب فيه,لأن الصوت الحسن أوقع في النفس من غيره,وأدعى للقبول و الاستماع إليه.الثاني:ما كان متكلَّفا"فيه,ولا يحصل إلا بالتعلم, كما يُتعلم الغناء ,فهذا هو المنهي عنه شرعا" .
والناظر في أحوال السلف رضي الله عنهم يعلم قطعا" أنهم برآء من القراءة بالألحان المتكلفة, ويعلم قطعا" كذلك ,أنهم كانوا يقرؤون بالترجيع, ويُحسِّنون أصواتهم بالقرآن,ويقرؤونه بصوت شجي تارة,وبصوت فيه شوق تارة أخرى.

تصفح أيضا

أخبار الطقس

SAUDI ARABIA WEATHER

مواقيت الصلاة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد عبده عوض