صدق الأعمال

صدق الأعمال
وقف رسول الله على مصعب بن عُمَير وقد سقط على وجهه يوم أحد شهيدًا، وكان صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الله تعالى: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ} (الأحزاب: 23)، قال مجاهد: رجلان خرجا على ملأ من الناس قعود فقالا: إن رزقنا الله تعالى مالًا لنتصدقن، فبخلوا به، فنزلت: {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} (التوبة: 75)، وقال بعضهم: إنما هو شيء نَوَوْه في أنفسهم لم يتكلموا به، فقال: {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ (77)} (التوبة: 75-77).
فجعل اللهُ تعالى العزمَ عهدًا، وجعل الخلف فيه كذبًا، والوفاء به صدقًا، وهذا الصدق أشد، فإن الناس قد تتسخى بالعزم، ثم تتراخى وتتساهل عند الوفاء، لشدته عليها، ولهيجان الشهوة عند التمكن وحصول الأسباب، ولذلك استثنى عمر رضي الله عنه حينما قال: لأن أقدم فتضرب عنقي أحب إليَّ مِن أن أتأمر على قوم فيهم أبوبكر، اللهم إلا أن تسول لي نفسي عند القتل شيئًا لا أجده الآن، لأني لا آمن أن يثقل عليها ذلك فتتغير عن عزمها.
فأشار بذلك إلى شدة الوفاء بالعزم، وقال أبوسعيد الخزار: رأيت في المنام كأن ملكين نزلا من السماء، فقالا لي: ما الصدق؟ قلت: الوفاء بالعهد. فقالا لي: صدقت، وعرجا إلى السماء.
وصدق الأعمال أن يجتهد حتى لا تدل أعماله الظاهرة على أمر في باطنه لا يتصف به، لا بأن يترك الأعمال، ولكن بأن يجُرَّ الباطن إلى تصديق الظاهر، وهذا مخالف لما ذكرناه من ترك الرياء؛ لأن المرائي هو الذي يقصد ذلك، ورُبَّ واقف على هيئة الخشوع في صلاته ليس يقصد به مشاهدة غيره، ولكن قلبه غافل عن الصلاة، فمَن ينظر إليه يراه قائمًا بين يدي الله تعالى، وهو في الباطن قائم بين يدي شهوة من شهواته! فهذه أعمال تعرب بلسان الحال عن الباطن إعرابًا هو فيه كاذب، وهو مطالب بالصدق في الأعمال.

وكذلك قد يمشي الرجل على هيئة السكون والوقار وليس باطنه موصوفًا بذلك الوقار، فهذا غير صادق في عمله، وإن لم يكن ملتفتًا إلى الخلق ولا مرائيًا إياهم، ولا ينجو من هذا إلا باستواء السريرة والعلانية، بأن يكون باطنه مثل ظاهره، أو خيرًا من ظاهره.

تصفح أيضا

أخبار الطقس

SAUDI ARABIA WEATHER

مواقيت الصلاة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد عبده عوض