رحلة الراشد (80) شكر القلب العمري لفضيلة الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عوض الداعية والمفكر الإسلامي

الرئيسية المقالات

رحلة الراشد (80) شكر القلب العمري لفضيلة الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عوض الداعية والمفكر الإسلامي


بسم الله الرحمن الرحيم
إنها رحلة الصالحين الكبار، رحلة العارفين بالله، رحلة أهل التقى والنقى والحلم والعلم.
الدرس السابق كان عنوانه دعاء القلب العمري
والحقيقة أنني كلما هممت أن أنهي الحلقات فإن الخير يتسع أمامي وإن مداد العلم يتسع أمامي وإن حياته العامرة بالإيمان
رغم أنه مات على سن صغيرة، ورغم أنه لم يمكث في الخلافة سوى عامين وخمسة أشهر
لكن يبدو أن كل يوم منها كان عاما عند غيره، فآخرون مكثوا في الخلافة عشرات السنين ما فعلوا شيء يذكر إلا أنهم بنوا لأنفسهم مجدا شخصيا
أما مجد الإسلام ودولة الإسلام فلم نرها قوية إلا في حياة الراشد بعد حياة الفاروق عمر، الفاروق عمر طول في الخلافة أكثر من عشرين سنة لحكمة أرادها الله سبحانه وتعالى،
الإسلام بلغ في عهد عمر بن الخطاب كل المناطق التي يعرفها العرب وكان آخرها مصر، فلما وصلوا إلى مصر توقفوا باعتبار أنهم على يقين إنها آخر بلاد معروفة، وبعد هذا امتد الإسلام إلى أوروبا من مصر
عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة كان الإسلام قد بسط ذراعيه على كل الأرض المعروفة عند العرب وآخرها أوروبا وآخر آسيا إلى كازاخستان
الإسلام وصل الهند ووصل الصين
وعندما كنت في رحلة دعوية إلى إسبانيا ويأتي ذكر عمر بن عبد العزيز في المحاضرات هناك أقول أمير العالم وليس أمير المؤمنين
لأن كل العالم المعروف أيامها، الإسلام دخلهم بالحب وليس بالغدر، ربما واجه الإسلام صعوبة في بعض الأماكن لأغراض دنيوية
يعني الذين كانوا يقفون في وجه الإسلام لكي يدخل فارس الروم لأنهم إذا هزموا ضاع مجدهم ولم يكونوا يحاربون عن عقيدة
بدليل أن المسلمين انتصروا في عهد الخلافة الإسلامية كلها يعني في جميع المعارك ولم يندحروا لأننا بنحارب عن عقيدة
وهم يعرفون أن الإسلام إذا دخل بلادهم عم الرخاء وعم السلام بدليل أن ملوك الهند والصين أتوا إلى عمر بن عبد العزيز وبايعوه
ماذا بعد هذا؟ أرجو أن يعرف المشاهد أن الإسلام انتشر بالحب وليس بالسيف، أرجو أن يعرف المشاهد الكريم أن المسلمين عندما أتوا إلى مصر تركوا آثارا رائعة في كل مناطق مصر
ما من محافظة في مصر الآن إلا وفيها مقابر للصحابة، الصحابة الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، معناها أن مصر طابت لهم فانتشروا في أرجائها، يعني لم يمنعهم أحد
ولم يغدر بهم أحد، ولم يقاتلوا أهل مصر حتى يجبروهم على الإسلام، ولعلي قلت لك أن عمر بن عبد العزيز أتى إلى مصر وينسبه بعض المؤرخين إلى علماء مصر، يعني الناس الذين يكتبون في تاريخ العلم يكتبون عمر بن عبد العزيز من علماء مصر
وليس علماء الشام لأنه عاش في مصر عشر سنوات في قمة مجده قبل أن يذهب إلى المدينة لكي يتولى الإمارة في المدينة، وبعدها عاد إلى الشام ليتولى الخلافة.
إنها علامات القدر التي صنعت مجد هذا الرجل، ومن المؤكد أنه متميز في حاله مع الله، وكل جزئية تكلمت فيها في الدروس حتى وصلت إلى الدرس الثمانين
والمداد لا زال مستمرا عبارة عن رؤوس أقلام، يعني أنا لو استدار بيا الزمان، وأردت أن أتكلم عنه مرة ثانية سأخرج من جعبتي أفضل وأفضل مما قلناه عنه،
ربما كنت أختصر أحيانا حتى نيسر الأمر على المشاهدين
عمر بن عبد العزيز صاحب القلب الشاكر
الشكر في الأساس بالقلب، والذكر بالقلب
(ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا)
فإذا رأيت إنسانا يشكر بلسانه ويقول الحمد لله ثم يبسبس بعدها أو يلكنن بعدها فهذا كاذب، يعني إيه يبسبس؟
إذا سألته عن حاله قال الحمد لله بس الحياة صعبة والأولاد كذا والزوجة كذا، يحول كلمة الحمد لله إلى ذم في الله
أو ليكنن، عندما تسأله عن حاله، كيف حالك يا حبيبنا؟ الدنيا سودا والدنيا غابرة وهكذا.
عمر بن عبد العزيز وصل لحالة من التربية الإيمانية العالية، العالية جدا، فكل حياته لله، وكل حاله مع الله
إذا خطب أبكى وإذا تكلم أوجع، أوجع ليه؟ لأن كلامه قوي وربما لم يستمع الناس إليه من قبل
وبطبيعة الحال كان حافظا للشعر العربي وكان يقرض الشعر كما تحدثنا في حلقات مستقلة
وبالتالي القريحة الإيمانية عالية، ولعلك لمست هذا في الدرس الماضي، عندما قدمت لك أدعية إنها أشبه بأدعية الصحابة رضي الله عنهم.
عمر بن عبد العزيز صاحب القلب الشاكر في محاضرة اليوم كان يقول ذكر النعم شكرها، الله أكبر
وهذه الكلمة تلخص الشكر في الإسلام
(وأما بنعمة ربك فحدث)
ومن أراد أن يتسبقي النعمة عندهم ولا تغادره أو تهجره، وجب عليه الشكر، فإذا لم يشكر فإن النعم لابد أن تذهب (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم) والشكر أعلى من الحمد في خصوصية إن اللي بيشكر بيشكر على أعمال معينة، أما الحمد فإنه عام
ولذا قال تعالى (اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور) اعملوا آل داود لشكر الله على نعم معينة يبقى الشكر مقابل أعمال، وقليل من عبادي الشكور
ولم يذكر هنا لفظ الحمد، لأن الشكر منصوص عليه في جزئيات معينة متصلة بالعمل ومتصلة بالإنجاز
اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور) لماذا الشاكرون قليلون؟
لأن الشكر معناه القلب الحاضر، والشيطان لا يحب لك أن تكون صاحب قلب، كما جرد والديك من الجنة
يريد أيضًا أن يخرجك منة جنة الإيمان، انظر إلى أهداف الشيطان (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين)
يعني الشيطان يقول له يارب أنا سأكون أستاذا في جزئية معينة سأحول بينهم وبين الشكر، طب لماذا لم يقل ولن تجد أكثرهم حامدين؟ لأن الحمد صفة عامة
يعني أي حد يحمد حتى الكاذب يحمد، لكن الشكر مربوط بدفع الفواتير اليومية، نعم، لما أسبغ الله عليك من نعم
وقد تورمت قدما النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وتعجب الصحابة والسيدة عائشة خاصة من تورم قدميه
فقيل له: ألم يغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: أفلا أحب أو أفلا أريد أن أكون عبدا حامدا، لا، مصليا، ذاكرا، لا، عبدًا شكورًا
لأن قيام الليل من حضرة النبي صلى الله عليه وسلم عندما بسقت الأغصان ونورت وازدهرت فإنه يقيم الليل إلى حد التورم لكي يدفع فاتورة الشكر على الأعمال، يبقى الشكر على الأعمال، والحمد على الأقوال
درس اليوم لمن حضر متأخرا، عنوانه شكر القلب العمري، ولم أقل شكر اللسان؛ لأن اللسان قد يشكر كما قلت لك إذا كنت مفرفشا معنا مصحصحا معنا
اللسان قد يشكر لكن القلب في غفلة عن الله سبحانه وتعالى.
انظر إلى هذا الجمال: يقول عمر بن عبد العزيز، قيدوا نعم الله بالشكر لله عز وجل، يعني إيه؟ يعني من لم يشكر الله سبحانه وتعالى
فإن النعم سريعا ما تزول، سريعا ما تذهب، وكان من حال عمر، أن ابنه عبد الله ابن عمر بن عبد العزيز
طبعا ليس خافيا على فطنتكم أيها الأحباب، أن أولاد عمر بن عبد العزيز بلغوا مرحلة عمرية يعني هما صورة من سيدنا عمر
بل قيل أن ابنه الأكبر عبد الملك الذي توفي شابا قيل عن عبد الملك هذا أنه كان أزهد من أبيه
وكان في مرتبة عظيمة من الورع، بل شوف سيدنا عمر على عظمته كان عبد الملك يذكره ولكنه مات شهيدا شابا يعني مبطونا
ابنه عبد الله يقول ؟ ما قلب عمر بن عبد العزيز بصره إلى نعمة أنعم الله بها عليه إلا قال اللهم إني أعوذ بك أن أبدل نعمتك كفرا، أو أكفرها بعد معرفتها أو أنساها فلا أثني عليك
جملة تحتاج إلى محاضرة أو إلى خطبة جمعة، بيقولك إنه كلما نظر إلى نعمة ربنا أنعم بها عليه، العافية، الخلافة، تيسير مصالح المسلمين، عمل إنجازات رهيبة بصراحة
سبحان الملك البركة في العمر والوقت
يقول له يارب إني أعوذ بك أن أرى نعمة أنعمت بها علي فلا أستطيع أن أشكرك، اللهم إني أعوذ بك أن أبدل نعمتك شكرا، استنادا إلى قوله تعالى: (أحلوا قومهم دار البوار) أو أكفرها بعد معرفتها
يعني ممكن بعض الناس بتعرف النعمة ولا تنسبها إلى الله، وإنما تنسبها إلى نفسها، وتلك مصيبة كبيرة
لأن الإنسان لا يجتهد من نفسه بنفسه
ربما يكون الذكاء نقمة على صاحبه، إذا لم يكن من الله عون للفتى فقد يجني عليه اجتهاده، الله،
إذا لم يساعدك الله لن تسعد
وإذا لم يعينك الله لن تعان
هل صليت على حضرة النبي صلى الله عليه وسلم؟
اللهم إني أعوذ بك أن أبدل نعمتك كفرا أو أكفرها بعد معرفتها، أو أنساها فلا أثني بها عليك، الله أكبر
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله، العمال يعني المحافظين يعني: أوصيك بتقوى الله، وأحثك على الشكر فيما عندك من نعمة، وأتاك من كرامته، فإن نعمه يمدها شكره ويقطعا كفره
أوصيك (يعني الأمير يوصي الأمراء يعني) بتقوى الله وأحثك على الشكر فيما عندك من نعمته وأتاك من كرامته
فإن نعمه يمده شكره ويقطعها كفره
ودائما كان عمر يقول إذا ذكرنا النعم شكرناه
(ألم تر أن الله أسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة)
وبالتالي الشكر على النعمة باستحضار النعمة على الإنسان من باب المقارنة بين حال وحال، طيب واحد كان مريض وعوفي، يشكر
واحد كان محبوسا وأفرج عنه، يشكر، يبقى الشكر مربوط بأشياء معينة، واحد كان مزنوقًا ففتح الله عليه يشكر
واحد كان متهما فظهرت براءته يشكر، ولأجل هذا يعتبر أن الأكلة التي يأكلها الإنسان يسد بها جوعته وجب عليه أن يشكر الله سبحانه وتعالى
الشكر على القليل والشكر على الكثير. الله تعالى
يقول: (واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون)
ويقول (واشكروا لي ولا تكفرون) ونفهم من هذه الآية كما فهمنا من قوله تعالى (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد)
نفهم منهما معًا أن حجب الشكر شيطنة، ولن تجد أكثرهم شاكرين، أي أن الله سبحانه وتعالى يهيئ لك أبوابا تستشعر نعمة الله عليك
ومن لم يستشعر نعمة الله عليه، سيبقى خاملا بعيدا جدا جدا جدا عن رحمة الله رب العالمين، ولئن كفرتم
الكفر يعني تغطية عن النعمة، تغطية عن النعمة، ومنه يقال كفرت الأرض يعني بعد بدرتها بذورا غطيت عليها بالردم أو بالطين اسمه ايه؟ كافر، الكافر الذي يستر النعم ولا يتحدث بها
(إن الإنسان لربه لكنود) كنود يعني يقل من الشكر، وإذا شكر يشكر من وراء قلبه
لأن كثيرا من الناس يزعمون أن النعم التي وصلتهم والتي جاءتهم إنما هي من عند أنفسهم، وهذا غير صحيح.
دخل إبراهيم الخواص على أمير المؤمنين هارون الرشيد فقال له عظني، طبعا هارون الرشيد سيأتي بعد عمر بن عبد العزيز بمدة زمنية طويلة، ولكن لأن الحياة في الدولة العباسية كانت مترفة، مزهرة
فكان الواعظون يأتون الخلفاء والأمراء لكي يذكروهم بالله، فلما دخل عليه قال له عظني
فقال له يا أمير المؤمنين: إذا نزلت إلى الصحراء وحدك وحيل بينك وبين الماء بكم تشتري كوب الماء فقال بنصف ملكي
قال له إذا شربت الماء وحبس الماء في دخلت ولم تستطع إخراجه؟ بكم يخرج هذا الماء؟ فقال بنصف ملكي الآخر، يا سلام، قال له إبراهيم الخواص، فإن ملكك لا يساوي بولة أكرمك الله ولا شربة ماء
لأجل هذا كان الشكر العمري لله تعالى واجبا. والشكر أن الخلافة آلت إليه، ولم يفرح بها، ولكنه اعتبرها بلاء فيشكر الله أنه أعين في الخلافة، لم يفشل، ولم يشمت به أحد، ولم يضعف
لم يثبت أنه أخذ قرارا وتراجع فيه معظم القرارات التي أخذها في أول حياته أشبه بانقلاب عسكري
تغيير لوجهة الدولة كأن نقول من دولة ملكية لدولة شعبية أو دولة جمهورية
كل الأحكام التي كانت قبله مسحها تماما، ورد المظالم إلى أهلها، وفعل ما لم يفعله أحد، ولذا لابد أن يحمد الله أنه سدد وأعين وقواه الله سبحانه وتعالى
حتى أفلح الله تعالى به الأمة، ونجحت الأمة وفهم الناس معنى العدل الذي لم يعرفوه من قبل
وبالتالي عندما نتحدث عن الشكر العمري فإنها حالة جميلة تصاحب النجاح العمري الذي تحقق، نجاح في السياسة، في الاقتصاد، في الدعوة، في نشر الإسلام، في الفتوحات الإسلامية، في النهضة العمرانية، إقامة الكباري، ودور الضيافة، والبريد وكذا
لابد أن يشكر الله على نعمة الاستعمال، الله، استعمله الله فنجح، استعمله الله فنجا الله تعالى به الأمة
"إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)" المؤمنون

تصفح أيضا

أخبار الطقس

SAUDI ARABIA WEATHER

مواقيت الصلاة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد عبده عوض