رحلة الراشد (51) الاقتصاد لصالح العباد لفضيلة الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عوض الداعية والمفكر الإسلامي

الرئيسية المقالات مقالات دينية

رحلة الراشد (51) الاقتصاد لصالح العباد لفضيلة الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عوض الداعية والمفكر الإسلامي


بسم الله الرحمن الرحيم

الاقتصاد يعتبر تكملةً لدرس الأمس الذي كان عن العفة والاستعفاف، الاقتصاد لصالح العباد

أولاً: كل ما كان باطلاً من أول معاوية بن أبي سفيان إلى خلافته على مدى ستين سنة

 لأن معاوية تولى الخلافة سنة 40 وعمر تولى سنة 100 تصور! معجزة

أولاً: جميع المظالم التي جرت على الناس عبر ستين سنة أرجعها إلى أهلها

وما كان أخذ عنوة من أراضي الدولة نزعها منهم من الأعيان الكبار وردها إلى بيت المال

 يعني بيصلح عيوبًا مر عليها ستون عام، صدق أو صدق  معجزة والله

وبالتالي لم يصبح في عهده أحدٍ وقع ظلم عليه سابق أنه رفع المظالم السابقة

والأمر الثاني: أنه ضخ مالا عظيما إلى بيت المال من الأشياء المنهوبة التي نهبها الناهبون، وهذا أجج ثورة بني أمية عليه

ذات يوم أراد أن يغتسل أمير المؤمنين لصلاة الجمعة، وغسل الجمعة واجب وكان الجو باردًا

 فقال: سخنوا لي ماء، لا يوجد في بيتك عود حطب واحد صدق أو صدق فقال الحمد لله سأغتسل بالماء على ما هو عليه

وبعد لحظات أتوا بالماء ساخنا، فقال ماذا فعلتم فقالوا: ذهبنا إلى مطبخ بيت المال فسخنا الماء في القدر

فزعل وغضب وقال أرسلوا إلى عامل بيت المال، فقال له لماذا فعلت هذا؟ فقال يا أمير المؤمنين ما فعلت شيئا

كان عندنا جمر فوضعنا الماء عليه، ولو تركناه لانتهى فقال لا، ما قيمة هذا الجمر؟ فقال بكذا، فدفعه عمر من جيبه الخاص

أن بيت المال لم يسخن الماء له، يعني الرجل ذهب بالماء فوجد النار شغالة يعني فوضع الماء عليه فرفض ورفض، هذا اسمه الاقتصاد لصالح العباد

وكان هناك منح مكافآت تمنح للسادة الشعراء الذين كانوا يأتون إلى بيت الإمارة فيمدحون الخليفة ووعلى قدر نفاقهم يزاد في المال لهم

فأوقف عمر هذا فمنع أن يعطي الشعراء شيء بل شغلهم لكن ياخد فلوسا من فلوس المسلمين على مجرد الكذب لا والله ما يحصل فعلا وأوقف هذا البند تماما

مسجد دمشق المسجد الأموي كان مرصعًا بالذهب والفسيفساء والأشياء الغالية النادرة واللؤلؤ معلق فيه

وذات يوم أتى وفد من فارس أو من الروم اللي هي تركيا يعني، لمقابلة أمير المؤمنين وكانوا قد أسلموا وكان ليهم مطالب عنده

فدخلوا للصلاة في مسجد دمشق فانبهروا به حتى أن كبيرهم أغمى عليه من كثرة العظمة رغم أنهم متقدمون عنا بمئات السنين فأغمي عليه لكثرة البهرجة

فلما أفاق قيل له ماذا جرى عليك؟ قال ما ظننت أن العرب وأن المسلمين يفعلون في بيوت الله مثل ما رأيت وكنت أظن العرب بعيدون عن هذا

وكان عمر في نفس هذا الوقت يعني هو جالس ويكتب قرارا بأن كل الذهب واللآلئ والياقوت والزبرجد والفسيفساء الموجودة في مسجد بني أمية في دمشق تخلع وتفك وتوضع في بيت المال

فجاءه خبر إن وفد الروم أغمى على كبيرهم لكثرة ما رأى من الزينة المبالغ فيها، يا سلام!

لو أنتم مفرفشون معي أسمعوني الصلوات المحمدية على خير البرية

 بل أزيدكم أن هناك مبلغا ثابت لتطييب المسجد النبوي لتطيببه يعني تطلع فلوس من بيت المال بغرض تطييب المسجد النبوي، وهو يرى كمسلم أن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحتاج هذا، فأمر بوقف هذه المنحة أو هذا المال، وأمر عماله في المدينة بإزالة أثار الطيب التي كانت موجودة قبل هذا

بل أزيدكم زيادة جميلة جدا أنه من الاقتصاد لما ولي الخلافة وشاهد أشياء غريبة من الستائر والصقور والفرش وكذا وكذا أمر ببيعها كلها

وتوريد مالها إلى بيت المال، وكان ابنه عبد الملك يشجعه على هذا

 طبعا هذه القرارات تظلم منها بنو أمية؛ لأنهم كانوا يعيشون على ظلم الناس وكلما اشتهت أنفسهم إلى شيء أخذوه

حتى أنهم كانوا يستولون على أسواق بأكملها

 فسحب كل هذا منهم فأوغلوا عليه واجتمعوا ضده وأرسلوا إليه ابنه عبد الملك كي يتفاوض مع أبيه

 فكان عبد الملك أشد من أبيه فذهبوا إلى عمته فاطمة بنت مروان وحكيت لكم قصتها من قبل مما لا يلزم أن نعيدها، فلم يعطي لها ريقا

فذهبوا إلى رجل اسمه الوليد، الوليد هذا كان من كبار بني أمية رجل من الأعيان يعني اتخذوه وسيلة للضغط على أمير المؤمنين سنرى ماذا فعل هذا الرجل؟

 فعل شيئًا غريبًا جدا كتب خطابًا إلى أمير المؤمنين ولن أقرا رد عمر عليه؛ لأن رد سيدنا عمر عليه ردا فظيعا جدا

فكتب إليه الوليد هذه الرسالة: هي رسالة شديدة اسمحوا لي أن أقرأها عليكم قال له

 أما بعد: فإنك أذريت يعني استهزأت بمن كان قبلك من الخلفاء وسرت بغير سيرتهم وسميتها مظالم نقصا لهم وعيبًا لأعمالهم وشاتما  لمن كان بعدهم من أولادك

ولم يكن ذلك لك فقطعت ما أمر الله به أن يوصل وعملت بغير الحق في قرابتك وعمدت إلى أموال قريش ومواريثهم وحقوقهم

 فأدخلتها بيت المال ظلما وجورًا وعدوانا فاتق الله يا عمر بن عبد العزيز وراقبه فإنك قد أوشكت لن تطمئن على منبرك إن خصصت ذوي قرابتك بالقطيعة والظلم

 فوالله الذي خص محمدًا صلى الله عليه وسلم بالكرامة لقد ازددت من الله بعدًا في ولايتك هذه التي تزعم أنها بلاء عليك وهي كذلك فاقتصر في بعض ميلك وتحاملك

للهم فاسأل سليمان بن عبد الملك عما صنع بأمة محمد حين استخلفك عليه. طبعا رسالة صعبة وفيها تحامل كبير على عمر بن عبد العزيز اتهامات شنيعة الصراحة

رد عليه في صفحتين ردًا ناريًا يقول له: إن أظلم مني انت واترك لعهد الله الذي استعملك صبيًا سفيهًا تحكم في دماء المسلمين وأموالهم برأيك لم تحضره

ولم يكن يحمله عليه إلا حب الوليد وإن أظلم مني وأترك لعهد الله من استعملك قرة ابن شريك أعرابيا جلفا جافيا على أهل مصر وأذن لأهل مصر بالمعازف وشرب الخمر

وإن أظلم مني وأترك لعهد الله من ولى يزيد بن أبي أسلم على بلاد المغرب يجبي يعني يجمع المال الحرام ويسفك الدم الحرام رويدك رويدك

ثم أخذ يرد عليه كلمة كلمة ثم يقول: لقد أقمت المحجة البيضاء عليكم بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم

 وإن لكل مسلم سهما في كتاب الله والسلام على من اتبع الهدى ولا ينال سلام الله الظالمين.

طبعا دي كلها محاولات بني أمية لرد أموالهم إليهم ولكن في قصة جميلة اسمحوا لي أن أحكيها لكم

كان هناك رجل صديق إمام بن عبد الملك اسمه عنبسة بن سعيد بن العاص أمر له سليمان بن عبد الملك بعشرين ألف دينار منحة يعني منحة لا ترد مجاملة جبر خاطر

 فوافق عليها فظلت تدور من مكتب لمكتب حتى وصلت إلى مكتب الختم اتختم ويصرفها فلما وصلت إلى مكتب الختم توفي سليمان بن عبد الملك فلم يصرف العشرين ألفا

 فلما تولى الخلافة عمر بن عبد العزيز ذهب عنبسة بن سعيد بن العاص ومعه الخطاب اللي فيه امضاء الملك سليمان بن عبد الملك بأخذ العشرين ألف دينار

 لحسن الحظ أن عنبسة كان صديقا حميما لسيدنا عمر كما يقال بالعامية المصرية صديق الروح صديق العمر

 فعنبسة داخل ومعاه الخطاب وأعلام بني أمية وأشرافهم وكبارهم كانوا متجمعين متظاهرين متذمرين عند باب أمير المؤمنين يحتجون على ما سلبه منهم

فلما دخل عنبسة قالوا انتظر فدخل عنبسة فقال يا أمير المؤمنين إنك تعلم مودتي إليك وصداقتي معط وحبي لك وحبك لي، قال نعم فإن سليمان بن عبد الملك أمر لي بعشرين ألف دينارا من بيت المال

 فظلت الأوراق تدور من إدارة لإدارة حتى وصلت إلى الختم فيوم أن ختمت مات سليمان فلم أصرفها فلما دخل عنبسة

قال عمر بأي حق أعطي لك أتحل لك؟ ولو أعطيتها لك لأعطيت لكل المسلمين مثلما أعطيتك اصحى لنفسك فغضب عنبسة ورمى الورقة اللي فيها التفويض قام راميها كدة فقال له لم رميتها؟

 سيأتي بعدي من يسمحون لك بصرفها، وفعلا لما مات عمر عنبسة ذهب للأمير بعد كدة وصرف العشرين ألف علمونا ونحن صغار أن الشخصية لا تتجزأ، عمر هذا أمة بصراحة أنا بسمع حاجات وبقول حاجات عنه كأنها أحلام.

 كلمات المجاملة كلمات الواسطة أو الوساطة كلمات جبر الخاطر على حساب المسلمين، كلمات التفويت

كلمة العدل عنده من وجهة نظري تتصاغر كلمة العدل صغيرة بجوار ما عمر مع الموالي

الموالي وهم الذين دخلوا في الإسلام من غير العرب من بلاد فارس والروم وكذا وكذا هؤلاء أيها المسلمون كانت حقوقهم منهوبة

وللأسف كانوا إذا أتوا إلى بلاد العرب للأسف يعني يعملون في مجال الخدمة خدامين رغم أنهم كانوا سادة وأشراف في بلادهم

 وفي عهد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نعرف موالي ولا عرب كله عرب سلمان منا أهل البيت بلال محاسب

صهيب الرومي أحب الناس إلى رسول الله فجمع النبي فارس والروم والحبشة حوله، وظل هذا الوضع أيام الخلافة الراشدة لا فرق بين عرب وعجمي

كلنا مسلمون وعرب ولم يفرق عمر بالذات بين الموالي وبين العرب وبقدر ما يعطي العرب من الصحابة من المرتب يعطي الموالي نفس المرتب

وفي عهد سيدنا عثمان وأيام سيدنا علي رضي الله عنه. ولكن بدأ التخبط في عهد معاوية بن أبي سفيان، بدأ ينقص من أجورهم ومن معطياتهم  الثابتة فيعطي نصف المولى من غير العرب نصف الفلوس التي يعطيها للعرب

 وظل هذا الحال ينقص الموالي مرتباتهم أقل ويأخذون مزايا أقل حتى شظفت بهم الحياة وتمكن الجوع منهم لرفض الدولة لهم فتحولوا إلى خدامين معذرة

 فكتب عمر بن العزيز لما ولي الخلافة علم أن هناك عشرين ألفًا من الموالي بلا عطايا وبلا رزق مساكين

 رغم إن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه جعل لغير المسلمين مرتبات من بيت المال وعندما يأتي بنو أمية يحرمون المسلمين من بيت المال لكونهم ليسوا عربا، آه

 فكتب عمر إلى عامله على خراسان الجراح بن عبد الله الحكمي يقول له: اجعل لكل من أسلم من أهل الأرض من الموالي راتبًا يعني كل واحد يسلم اجعل له راتب في بيت المال وله أعطيات مثل العرب تماما

 ونفس هذه الرسالة أرسلها إلى جميع العمال منصوصها اجعلوا العرب والموالي في الرزق والكسوة  والمعونة والعطاء سواء يا سلام! الله أكبر

وبالتالي أعاد العمل بما كان عليه الأمر في حياة سيدنا صلى الله عليه وسلم

 بل خذ عندك في عهد بني أمية فرضوا على كل من يسلم ضريبة أو جزية، مما جعل الناس يتراجعون عن الإسلام

يكسرون ظهر الناس بالفلوس وفي عهد عبد الملك بن مروان ظهرت قضية كبيرة جدا

وهي كثرة الداخلين في الإسلام طبعا المفروض نفرح لأن في هذا الخير العميم الكبير عندما كان على دينه كان يدفع جزية فلما دخل في الإسلام رفعت عنه الجزية فأمر الأمراء والحكام في بنو أمية باستمرار دفع الضريبة لمن أسلم فشق ذلك على الناس

 أما الحجاج بن يوسف الثقفي أظلم الظالمين فقد أمر في الموالي بأمرين: الأمر الأول إبقاء الجزية على من أسلم لا إله إلا الله وحرمانهم من الهجرة إلى بلادهم

مما جعلهم يشاركون في الفتنة التي كانت ضد الحجاج، أما في مصر فكانوا يأخذون الجزية على من أسلم ومن أسلم تبقى الجزية عليه

هل تلومون على عمر يا بني أمية أنه أصلح اعوجاجكم؟ وقوم فسادكم وإذا سماها مظالم فهي مظالم لا يشتم بها أحد

كان هذا الأمر معمولا به عند كل سادات بني أمية حتى تكرشوا من فلوس الناس فلما ولي عمر رأى الخراب كبيرا والظلم شديدًا ستين سنة

 ففعل ما لم يفعله غيره وجاهد جهادا عظيما وحق لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباهي بك يا  عمر

 فإنك أحييت السنة وأعدت السنة وأنعشت الأمة وقتلت البدعة رضي الله عنك وأرضاك أنت وأمثالك ينطبق عليك قوله تعالى:"إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)" المؤمنون

  

تصفح أيضا

أخبار الطقس

SAUDI ARABIA WEATHER

مواقيت الصلاة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد عبده عوض