خطبة الجمعة "57" الخواطر والمخاطر لفضيلة الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عوض الداعية والمفكر الإسلامي

الرئيسية المقالات مقالات دينية

خطبة الجمعة "57" الخواطر والمخاطر لفضيلة الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عوض الداعية والمفكر الإسلامي


الحمد لله رب العالمين، ولي كل نعمة، وكاشف كل كربة، {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ (62)} سبحان من يقلب الليل والنهار، له في كل شيء آية تدل على أنه الواحد.
وأشهد أن لا إله إلا الله، {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13)}.
وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد ما أحاط به علمك، وجرى به قلمك، وسجلته ملائكتك، ونطق به كتابك، وعلى آله وصحبه الأكرمين.
هذه الخطبة السابعة والخمسون، عنوانها "الخواطر والمخاطر"
القافّة
القافّة مصطلح من مصطلحات تفسير القرآن الكريم، التي جاءت في قوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)}. ما يأتي إلى سمعك أنت مسئول عنه أكان حقا أو باطلا، أكان حقيقة أو تهريجا.
هذه الآية كانت صعبة جدا على أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والبصر، أي بصر يخرج منك أنت محاسب عليه، والفؤاد، هو القافة، أي: الخواطر، أنت الآن جالس معنا تفكر تأتي لك خاطرة، ما نوع الخاطرة التي قجاءتك الآن؟ أنك بعد صلاة الجمعة ستقرأ سورة الكهف، تحسب خاطرة إيمانية.
والتفكير في المعصية اسمه: مخاطر، كل خاطرة إما أن تكون نجاة لصاحبها، أو مهلكة لصاحبها.
قال سيدنا عمر: إني أنظم الجيوش وأنا أصلي، وحتى أثناء الصلاة ذهنه يعمل في تنظيم الجيوش، لأن قلبه موصول برحمة الله، يقول تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا (19)}.
قال الصحابة: ولا تقف ما لك به علم، مخافة أن يكون السؤال يسبب مشكلة لك أو لغيرك، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"، وقال ابن رجب: ومن حسن إسلام الرجل تركه ما يعنيه.
وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)}. السمع والبصر والفؤاد، كل ما يأتي عليهم أنت محاسب عليه، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت
لها ما كسب أي الحسنات مضاعفة من الله تعالى، هذه الجملة زلزلت أصحاب النبي، {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}، وظلوا يسألون رسول الله أن يسأل الله التخفيف، فنسخت هذه الآية، من حيث الحكم بعد أن جاء بعدها قوله تعالى: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا.
مداخل الشيطان إلى الإنسان أنه يقذف في قلبك المعاصي
وهذه المعاصي إن ثبتت في قلبك صارت عبئا عليك في الدنيا والآخرة، كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفا، في آخر اعتكاف له، وكانت النساء منتقبات، فجاءت صفية بنت حيي بن أخطب، فنادت عليه فخرج، فمشت بجواره، فشاهده رجلان من الأنصار، فلم يسكت، فقال: إنها صفية بنت حيي، على رسلكما إني خشيت أن يقذف الشيطان في قلوبكما شرا.
الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخش على نفسه وإنما خشي على غيره، فكان حريصا على صيانة القلوب، أن تبقى القلوب نظيفة بيضاء، وقال: لا تحدثوني عن أصحابي شيئا، فإني أحب ان أخرج إليكم وأنا منشرح الصدر، هذا الحديث نفعني جدا في حياتي، ولم أسمح لأحد أن ينقل كلاما قيل في حقي.
"لا تحدثوني عن أصحابي شيئا، فإني أحب ان أخرج إليكم وأنا منشرح الصدر".
ذات مرة دخلت المرأة فإذا بزوجها ينكب عليه ضربا، وبعد أن ضربها، قال لها: لقد كنتِ تمشين مع أحد في الشارع، فقالت له: إنه أخي محمد، وقد يؤدي هذا إلى الطلاق، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنها صفية" لكي يغلق الفرصة على الشياطين، يقول تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ}، وقال الله عز وجل: " الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ".
"إنها صفية بنت حيي، إني خشيت أن يقذف الشيطان في قلوبكما شرا".
خواطر الملائكة
قال صلى الله عليه وسلم: "إن الملك له لمة، وإن الشيطان له لمة، أما لمة اللمك فإنها إيعاذ بالخير، وتذكير بالطاعات، وأما لمة الشيطان فإنها إيعاذ بالشر، وتذكير بالسيئات".
نام رجل من أصحاب النبي عن ورده، فلما نام جاءته بقرة فنطحنه، فاستيقظ وهو يعالج آثار النطحة، فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقص عليه القصة، فقال صلى الله عليه وسلم: "هل نمت عن وردك الليلة؟" فقال:نعم، فقال: "ماذا كان وردك؟" قال: سورة البقرة، قال: لذلك جاءت بقرة فنطحتك.
الملك له لمة، يذكرك بشيء كنت غافلا عنه، أو يأمرك بعمل أنت لا تفهمه، وحدث معي ذات مرة، الساعة الثانية ليلا، فجاءني خاطرة أن أنزل، ونزلت، فمنعت مصيبة كبيرة، لولا نزولي كانت حادثة لا محالة، فقلت: هذه خاطرة ملك.
"إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)" أي أن الملائكة يعيشون مع المؤمنين، يفرحون لك أن يكون قلبك مشغولا بالله، وأن يكون لسانك رطبا بذكر الله.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الملك له لمة، وإن الشيطان له لمة، أما لمة اللمك فإنها إيعاذ بالخير، وتذكير بالطاعات، وأما لمة الشيطان فإنها إيعاذ بالشر، وتذكير بالسيئات".
خواطر الشياطين
خواطر الشياطين لها خمس صور، وابن القيم في كتابه إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان تكلم عن هذه الخواطر، وهذا الكتاب يخرجك من هذه المصائد، يقول تعالى: {وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97)}، ويقول تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83)}.
تؤزهم أي: تحضهم على فعل المنكرات، {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83)}. {وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97)}، يعني: ليس هناك شيطان واحد يحاول إضلالك، بل مئات الشياطين تحاول إضلالك، وكل شيطان له مدخل يحاول أن يهزمك، ويعطلك عن طاعة أنت رتبت نفسك عليها.
همزات أي: أن الإنسان يتعرض لهجوم قوي من الشياطين، تحاول إشغاله عن المهام الشرعية التي أمرك الله بها، ولو سمعتم كلامه لضيعكم، {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ}.
يقول صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان قاعد لابن آدم بكل أطرقه، فإذا أراد أن يجاهد في سبيل الله، صده عن سبيل الله، وإذا أراد أن يصلي صده عن الصلاة، وإذا أراد أن يزكي صده عن الزكاة، وإذا أراد أن يحجّ صده عن الحج" {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۖ فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۖ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8)}
الخطبة الأخرى
الحمد لله رب العالمين، لك الحمد كله، ومنك العون كله ومنك الفضل كله، وإليك يُرجع الأمر كله، ربنا لولا أنت ما اهتدينا وما تصدَّقنا وما صلينا فأنزلن سكيبنة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا.
كل الخواطر اللتي تقذف على قلب الإنسان من الملك أو الشيطان أنت محاسب عليها، لو أسأت الظنَّ بأحد، أنت محاسب على النظرة، فلو نظرت لأحد نظرة سيئة، فأنت محاسب على هذه النظرة، {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)}.
الشياطين تقذف في قلبك هواجس ووساوس وسوء ظن بالناس، حتى ترى كل الناس معيوبين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال: هلك الناس فهو أهلكهم".
راجع قلبك واجعل حوله سورا، بحيث لا يقتحمه الشيطان أبدا، لما مات عبد الله الكتاني رضي الله عنه، وكان يعتكف في غرفة، فقال له ولده وهو في سكرات الموت: عظني يا أبي، فقال له: لقد عشت في هذه الغرفة أربعين سنة لم يستطع الشيطان أن يتغلب علي.
من انشغل بالله، شغل الله تعالى أعداءه عنه، قال تعالى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)}.
دعاء سلامة الخواطر
يا ذا العرش المجيد، يا فعالا لما يريد، يا حنان، يا منان، يا بديع يا جليل يا عظيم يا كريم، يا أكرم الأكرمين، كلما ضاقت الحياة علينا، مددنا أيدينا إليك، من لنا غيرك يا الله؟ لأمراضنا، لأوجاعنا لفقرنا، لذلنا، لافتقارنا، من لنا غيرك يا الله؟ في يقظتنا في منامنا، في حلنا في ترحالنا، في كلامنا في صمتنا، في خواطرنا، من لنا غيرك يا الله؟ اجعل خواطرنا سليمة، ملائكية بيضاء، لا نحاسب عليها يوم القيامة، اجعلنا ممن حسن إسلامهم فتركوا ما لا يعنيهم، اجعلنا ممن قلت عنهم: ولا تقف ما ليس لك به علم، إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا، هون علينا كما هونت على أصحاب نبيك، فأنزلت هذه الآية رحمة منك وعفوا منك يا الله، {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا}، يا ذا العفو الكبير، يا ذا الكرم العظيم، كلنا مكروبون، أقسم بك عليك يا الله، فرج عنا وعنكم الآن، وأنت تعلم حالنا، وترى مكاننا، وتعلم شكوانا، وتسمع نجوانا، يا أسمع السامعين، يا أبصر المبصرين، اجعلها ساعة فرج، وأعنا على الاحمال الثقال، أعنا عليها يا االله، يا أرحم الراحمين.
"إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)"


تصفح أيضا

أخبار الطقس

SAUDI ARABIA WEATHER

مواقيت الصلاة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد عبده عوض