حتى لا تتفلت الطاعة
للأعمال الصالحة أثر في زكاة قلبِ العبدِ ونفسه، فالأعمالُ الصالحة تزكي قلبَه، وتهذِّب أخلاقَه وتفتح أبوابا لطاعاتٍ أخرى فالحسنة تلد حسنات أخرى.
ولذا قال الله: في أثر الزكاة والصدقات {خُذْ مِنْ أَمْوٰلِهِمْ صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا} [التوبة:103]. والصلوات الخمس كفارةٌ لما بينها من صغائر الذنوب، ومَثَل الصلواتِ الخمس كمثَل نهر جارٍ بباب أحدِنا يغتسلُ منه كلَّ يوم خمسَ مرات، وما فائدة ذلك؟ لا يبقى من درنه شيء والصلاة كذلك تنهى عن الفحشاء والمنكر، وفي الصيام قال الله تعالى في أثره {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
كان من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم المداومة على العمل الصالح، فعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملا أثبته).رواه مسلم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل). رواه مسلم. والمداومة على الطاعات شكر لله تعالى، واعتراف له بجميل فضله، ولذا كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم الليل، فتقول له السيدة عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله أتصنع هذا، وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (يا عائشة أفلا أكون عبدًا شكورًا). متفق عليه.
العمل الصالح وصية الله عز وجل لرسله عليهم السلام، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51]. والعمل الصالح وصية الله سبحانه لعباده المؤمنين، قال عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77].
من داوم على فعل الخير فقد نجا، ورزق السعادة في الدنيا، والجنان في الآخرة، وصدق الله تعالى حيث يقول: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].
وفي الحديث القدسي قال الله تعالى: (وما تقرب إلى عبدي بشىء أحب إلى مما افترضت عليه، وما يزال عبدى يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذى يبصر به، ويده التي يبطش بها ورجله التى يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه).رواه البخاري.
بِطاعةِ الله يكثُر الرّزقُ، ونُسقَى من بركات السماء، وينبِت لنا الرّبّ من بركاتِ الأرض ويدرُّ لنا الضّرع، قال تعالى: {وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} [الجن:16]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: (يعني بالاستقامة الطاعة).
في ظلِّ طاعةِ الله يخبِت العبد إلى ربِّه ويشرح صدرَه، ويرضَى بقضائه وقدره، ويحلّ بقلبِه الأنسُ والاطمِئنان، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَة} [النحل:97].
ثوابُ الطاعة يُرَى أثرُه عند السّكَرات، ويومَ العَرَصات، وعندَ سُؤال منكرٍ ونكير، قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم:27].
وأهلُ الطاعة يؤمِّنُهم الله يومَ الفزع، ويظِلّهم والناسُ في شدّةٍ وخَوف وهلَع، قال صلى الله عليه وسلم: (سبعةٌ يظلّهم الله في ظلِّه يومَ لا ظلَّ إلاّ ظلّه) متفق عليه، وذكر صنوفًا من أهل الطاعة.
وفي الجنّةِ دارِ الخُلد يرافِق أهلُ الطاعة النّبيّين والصّدّيقين والشهداء والصالحين، وما أجلَّ هذه المرتبةَ العلِيّة، وما أعظمَ مرافقةَ النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا} [النساء:69].
نسأل الله العلي العظيم مرافقة النبيين والصديقين في الجنة.