انعكاسات وتجليات اسم الله (الولى ) على حياة المسلم:
اعلم أخي المسلم أنه إذا ذكرت اسم الله – تعالى – الولي، وآمنت به حق الإيمان فإنه يتحقق لك عدة فوائد:
الأولى: أن يتصف المسلم بالاحترام والتقدير:
إن أولى الناس بالاحترام والتقدير في الإسلام هم أهل الشرع وأصحاب العمل الصالح، المتمسكون بكتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – فقال – صلى الله عليه وسلم -: «إن الله ليرفع بهذا القرآن أقواما ويضع به آخرين»( ).
وهذا ميزان التقديم والاحترام والتكريم في الإسلام، وخلق الاحترام يحتم على صاحبه أن يحترم العلم وأهله، وألا يخوض مع العلماء في نوادر المسائل ؛ لأن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قد نهى عن الغلوطات والغلوطات هي شداد المسائل وصعابها، وقد جاء في الحديث: «لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء ولا لتماروا به السفهاء ولا لتجترئوا به المجالس فمن فعل ذلك فالنار النار» ( ).
وكما أوجب الإسلام احترام العلماء وأوجب احترام المتعلمين، وأمر بإعطائهم حقهم من التوقير والاحترام والإكرام، فقد جاء في الحديث: «إنه سيأتيكم أقوام يطلبون العلم فرحبوا بهم وحيوهم وعلموهم» ( ).
وهنا على العلماء أن يستوصوا بطلابهم خيرًا ؛ لأن ذلك يزيد المتعلمين توقيرًا وتقديرًا لمربيهم، ومعلميهم .
ومن صور الاحترام المحمودة والمرغوب فيها إكرام الصغير للكبير، واحترام المسلم لمن سبق أن أحسن إليه، فإن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لم ينس لبعض المشركين ما كان لهم من دور في الدفاع عنه، وعن دعوته حتى العرب في الجاهلية كان من الأخلاق المحمودة لديهم الاحترام والتقدير والوفاء لمن أحسن إليهم، وفي الحديث الصحيح: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ، وَمَنْ سَأَلَ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ، وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ، وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ، فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ»( ).
وأقل مكافأة لمن أحسن إليك هو توقيره واحترامه، وجدير بالذكر هنا أنه على المسلم أن يحترم نفسه، حتى يحترمه الآخرون، وبذلك يتضح أن خلق الاحترام هو لمصلحة الصف المسلم، حتى يعيش الناس في أمان واطمئنان.
الثانية: أن يكون قادرًا على تحمل المسئولية:
إن إلقاء المسئولية على الجميع يجعل كل فرد يشعر بأنه محاسب ومؤاخذ على ما يفعل، وأساس هذه المسئولية في الإسلام قول الرسول – صلى الله عليه وسلم -: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته والرجل راع فى أهله وهو مسئول عن رعيته والمرأة راعية فى بيت زوجها وهى مسئولة عن رعيتها والخادم راع فى مال سيده وهو مسئول عن رعيته والرجل راع فى مال أبيه وهو مسئول عن رعيته فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته» ( ).
فهذا الحديث قد أوضح المسئوليات، حتى يعرف كل فرد في المجتمع ما هو مطلوب لكي يقوم به خير قيام، وذلك لتنهض الأمة وترقى.
فالمسئولية الأولى مسئولية الإمام، والمقصود به كل من بيده سلطة فعلية في المجتمع كالحاكم والوزير والقاضي والمدير، وكل من له سلطة قيادية في مجتمع المسلمين، وهذه مسئولية عظيمة وخطيرة، لذلك كانت لها منزلة رفيعة وعظيمة، يوم القيامة لمن راعى حق الله فيها، وحكم بكتاب الله وسنة رسوله، ومنزلة وضيعة أليمة لمن استبد وتجبر ونبذ كتاب الله وتعاليم الدين .
والمسئولية الثالثة مسئولية عائل الأسرة، فهو مسئول أمام الله تعالى عن زوجته وعن أولاده وعن خدمه، وعن كل ما تحت يده، وكل ما يدور في بيته، فأي تقصير يحدث في البيت يكون مسئولًا عنه، وهنا أوجب الإسلام على رب الأسرة أن يكون قدوة حسنة لجميع أفراد الأسرة ؛ لأنهم ينظرون إليه على أنه هو المعلم والمربي الكبير الذي يقتدون به، ويحذون حذوه، وهكذا كان مثلًا حسنًا، فهم سيكونون كذلك، وإن كان سيئًا كانوا أسوأ منه .
المسئول الثالث المرأة وهي مسئولة أمام الله تعالى عن كل ما يدور في بيتها عن الأطفال وعن تربيتهم وغذائهم وراحتهم، ومسئولة كذلك عن كل ما تفعله دون علم زوجها، من أفعال تتنافى والأخلاق والآداب الإسلامية، وهي كذلك مسئولة عن مال زوجها، فلا يجوز لها البذخ والإسراف في ماله، ولا إعطاء الغير من دون إذنه، سواء كان قريبًا أو بعيدًا، ومسئولة عن الخدم، ومسئولة عما يؤذي زوجها، ويسبب عدم راحته، وعدم تنفيذ وصاياه، وعدم توفير رغباته ومتطلباته في حدود شرع الله، فهي أمينة على عرضها وعرضه، وعن ماله وأولاده، فعليها أن تراقب الله في كل ذلك .
المسئول الرابع: الخادم فهو مسئول عن كل ما تحت يده من مال سيده، وأهل بيته وأولاده فهو أمين على ذلك، فعليه أن ينصح له في عمله، ويخلص له فيه، ومثل ذلك الموظف في الدائرة الحكومية والأهلية والعمال، فهم أمام الله جل وعلا مسئولون عن كل صغيرة وكبيرة عما تحت أيديهم .
الثالثة: أن يراجع نفسه دائمًا ويصححها:
المسلم دائمًا يراجع نفسه، حتى لا يسترسل في خطأ وقع فيه أو هو انساق إليه، فمراجعة النفس، وأخذ رأي الآخرين يجعل المرء يسير في أموره على بصيرة، وكم وجدنا بعض الفقهاء صدرت عنهم بعض الفتاوى ثم رجعوا عنها لم أعادوا النظر فيها، وتبين لهم أن الصواب في غيرها، فالمراجعة إذن وسيلة لمحاسبة النفس، والتصحيح يكون نتيجة تظهر آثارها الطيبة بالرجوع عن المعصية، ومن الأمور التي تساعد على المراجعة والتصحيح هو الالتزام بالمشورة، وتكون بنية البحث عن الحق والصواب، والمشورة لها فضل كبير في صلاح الأمة ورقيها، لذلك أمر الله – تعالى – رسوله – صلى الله عليه وسلم – بها ؛ فقال – تعالى -: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين}[آل عمران:159].
ومن هذه الأمور أيضًا مطالبة البطانة الصالحة بالتذكير بما هو خير وصواب، فالرسول – صلى الله عليه وسلم – يقول: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي»( ).
ومن وسائل التصحيح أيضًا الخلوة بالنفس، وذلك لمحاسبة النفس وتصحيح العملوَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، قَالَ: " حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ، وَإِنَّمَا يَخِفُّ الحِسَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا وَيُرْوَى عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: «لَا يَكُونُ العَبْدُ تَقِيًّا حَتَّى يُحَاسِبَ نَفْسَهُ كَمَا يُحَاسِبُ شَرِيكَهُ مِنْ أَيْنَ مَطْعَمُهُ وَمَلْبَسُهُ»( ).
ومن فوائد المراجعة والتصحيح ما يلي:
- أنها سبب من أسباب رفع البلاء، وتخفيف الحساب .
- مراجعة النفس وتصحيح مسارها يؤدي إلى انشراح الصدر للخير.
- المراجعة فرصة عظيمة لرأب الصدع بين القلوب، وإصلاح ذات البين.
وبقي لنا أن نقول: إن المراجعة والتصحيح من أهم أسباب البراءة من النفاق، فالمسلم عليه أن يراجع نفسه، ويصحح مساره، فالرجوع إلى الحق فضيلة، وهو شأن الأوابين والتوابين.