الملاحدة يريدون هدم القرآن العظيم
أحبتي الكرام، إن الملاحدة يلبسون الحق
بالباطل، ويريدون هدم ثوابت الخلق عن طريق الإلحاد ويريدون هدم القرآن، وهم موقنون
بذلك، ومن هنا كان دوري أن أوضح لكم الحقائق، وأن ما يزعمه الملاحدة من أنَّ
القرآن أخذ شعر أمية بن أبي الصلت – وحاشاه أن يفعل ذلك – ووضعه في القرآن الكريم،
ومن هنا يجب أن أوضح لكم -يا أحبتي الكرام- إن شعر أمية بن أبي الصلت يدخل في باب
المناجاة، ولا علاقة له بالقرآن الكريم، كما كان يفعل ورقة بن نوفل؛ فهو كان دائما
يناجي ربه، وأولئك الناس كانوا يعيشون في الصحراء الواسعة المترامية الأطرافِ
وكانوا يناجون ربهم، ومن هنا أؤكد لكم أن شعر أمية بن أبي الصَّلت لا يمكن أن يرقى
إلى ذرة من مليون من إعجاز القرآن الكريم وتفرده.
والسبب بسيط لأن أمية بن أبي الصلت بشر وكلامه
كلام بشر، ولسبب آخر وهو أن جزءًا من شعر أمية بن أبي الصَّلت ضعيفٌ وركيكٌ، وهذا يؤكد
أنَّ فيه شعرا كثيرا منتحلا عليه، وهذا بسبب عدم دقة استخدام الألفاظ المستخدمة
فيه وعدم مناسبتها للسياق، على عكس دقة القرآن في استخدام ألفاظه وكلماته
وعباراته، وهذا يؤكد أن شعر أمية بن أبي الصَّلت دخله كثير من الانتحال، وأنا أؤيد
نظرية الانتحال التي قال بها الدكتور طه حسين؛ فالجاهليون كانوا أصحاب لغة قوية
جدا.
أحبتي الكرام، إن الملاحدة لا زالوا مصرين
على اعتقادهم، وزعمهم أن القرآن الكريم قد اقتبس كلامه من شعر أمية بن أبي الصلت
هو وغيره من الشعراء الآخرين، ويأتون بشعر آخر ينسبونه إلى أمية بن أبي الصَّلَت،
وهو:
لَكَ الحَمْدُ وَالنَّعْمَاءً وَالمُلْكُ رَبَّنَا |
|
وَلاَ شَيْءَ أَعْلاَ مِنْكَ مَجْدًا وَأَمْجَدُ |
مَلِيْكٌ عَلى عَرْشِ السَّمَاءِ مُهَيْمِنٌ |
|
لِعِزَّتِهِ تَعْنُوا الوُجُوْهُ وَتَسْجُدُ |
فلا بَشَرٌ يسمو إليه بطَرْفه |
|
ودُونَ حجاب النور خَلْقٌ مُؤَيَّدُ |
فَسُبْحَان مَنْ لاَ يَقْدُرُ الخَلْقُ قَدْرَهُ |
|
وَمَنْ هُوَ فَوْقَ العَرْشِ فَرْدٌ مُوَحَّدُ |
ملائكة أقدامهم تحت عرشه بكفيه |
|
لولا الله كلوا وأبلدوا |
مَلِيْــكُ السَّمَوَاتِ الشِّدَادِ وَأَرْضِهَا |
|
وَلَيْسَ بِشَيءٍ عَنْ قَضَاهُ تَأْوُّدُ |
هَوَ اللهُ بَـارِي الخَلْقِ، وَالخَلْقُ كُلُّهُمْ |
|
إمَاءٌ لهُ طَوْعًا جَمِيْعًا وَأَعْبُدُ |
وَأَنَّى يَكُــوْنُ الخَلْقُ كَالخَالِقِ الذِي |
|
يُمِيْتُ وَيُحْيِي دَائِبًا لَيْسَ يَهْمِدُ |
أحبتي الكرام، إن الملاحدة يزعمون أنَّ هذه
الكلام من شعر أمية بن أبي الصلت وقد اقتبسه القرآن، ولو أننا نظرنا في الأبيات
السابقة، وتمعنا فيها لاتضح لنا، وبكل صراحة صدق ما نذهب إليه من أنَّ كثيرا من
شعر أمية بن أبي الصلت منتحل عليه ومكذوب عليه من جهة، ومن جهة أخرى فإن أسلوب هذا
الكلام ضعيف وركيك، ولا يرقى إلى أسلوب أولئك العرب الذين كانوا يعيشون في
الجاهلية، ومثال بسيط:
انظروا إلى الكلمات المستخدمة في نسج
الأبيات السابقة ومنها – مثلا – كلمة: (لَيْسَ يَهْمِدُ)، ومعنها أن الله لا يهمد
أي لا يكل ولا يتعب، وهي كلمة ضعيفة وركيكة ولا تليق بالذات العلية أصلا، ولا تليق
بالموضوع الذي تتحدث عنه الأبيات وهو مناجاة رب العزة جل وعلا، ولا أعتقد أن واحدا
مثل أمية بن أبي الصَّلت وهو من هو في قول الشعر من القوة والعظمة أن يتخير مثل
هذه الألفاظ الركيكة التي لا تناسب الممدوح في الأساس.
أحبتي الكرام، إن الملاحدة يا أحبتي الكرام
يقولون إن القرآن قد أخذ نصًّا كاملا من شعر أمية بن أبي الصلت، والنص الذي أخذه
القرآن هو قول أمية بن أبي الصلت:
ملائكة أقدامهم تحت عرشه بكفيه |
|
لولا الله كلوا وأبلدوا |
ويقولون: إنه قد ورد في سورة الزمر، يقول
تعالى: ﴿وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ
رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾
[الزمر:75].