لم يتغيب
الهدهد سليمان لكسل أو لحبّ النوم
دائما عندما
نسأل عن أحد لا بد أن يكون مؤثراً، سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن كعب بن مالك
يوم تبوك وعن أبي خيثمة لكونهما كانا مؤثرين، وكانا مؤثرين في تاريخ الإسلام، فمن
المؤكّد أن الهدهد مشهور، افتقده سيدنا سليمان، ولكنّ الهدهد لم يتغيب لكسل أو
لأنه يحبّ النوم، أو لأنَّه عاجز، الهدهد جعله الله تعالى باباً وسبيلاً لهداية
شعب كامل، وهو شعب مملكة سبأ، أو اليمن السعيد،قال تعالى: {فَمَكَثَ غَيْرَ
بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ
يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ
شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23)} [سورة النمل: 22 -23]، فأتى الهدهد بعد
الاجتماع، وقال: يا نبي الله {أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ}، أنا عندي علوم
جديدة ونادرة ربما لا تكون عندك، فقال له سيدنا سليمان: ماذا في جعبتك؟ فقال:
{وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ}، سيدنا سليمان من باب حبّ الاستطلاع قام
بسؤاله: ماذا هناك في سبأ؟ فقال: {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ
وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23)} [سورة النمل: 23].
موقف الهدهد من
بلقيس وحكمها لشعب اليمن
في هذا العهد السحيق من تاريخ العالم كان من
الصعب أن تحكم امرأة شعباً كاملاً، فتعجّب الهدهد من أن هناك امرأة تحكم شعباً،
والجميع يأتمرون بأمرها ويسمعون كلامها، وأعجب الهدهد بشخصيتها، فكانت من حيث
الإدارة متميزة، ولكن من حيث العقيدة كانت فاسدة، قال تعالى: {وَجَدتُّهَا
وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ
الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ
(24)} [سورة النمل: 24]، شرح الهدهد أنهم يعبدون الشمس لأن الشيطان هو الذي أغواهم،
فكيف علم الهدهد أن الشيطان هو الذي أضلهم؟ إذن فالهدهد لديه ثقافة عالية.
الحالة
الهدهدية مرحلة الهمّة العالية
الحالة
الهدهدية مرحلة تنوير للمخ، ومرحلة الهمّة العالية، هدهد صغير يخرج من الشام
(سوريا حاليا) يمر على السعودية ثم يذهب إلى اليمن، مسافة تقطعها الطائرة في ثلاث
ساعات أحيانا، إذن فهمته عالية جدا.
عندنا سؤال
مطروح: من الذي كلف الهدهد؟ فسكت الهدهد ثمّ قال: هل هو سؤال اتهام أو مدح؟ فقال:
مدح، فقال: لماذا؟ لأنه لا يقوم بالمهام الكبيرة دون تكليف إلا من يمتلك إحساسًا
عاليًا، فضحك الهدهد وقال: فعلا أنا شعرت أن هناك أناسًا يسكنون بعيدًا، فأردت أن
أستطلع: ماذا يفعلون؟ وكيف يعيشون؟ مجرد حبّ استطلاع نافع، لم يذهب جاسوسًا، بل
ذاهب لكي يدلهم على الله سبحانه وتعالى، ولكنّ الجديد في الهدهد أنه يقوم بالشرح
والتفسير، حيث قال تعالى: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ
فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24)} [النمل: 24].
الفطرة عند
الهدهد سليمة، يقول أنه لا يجوز السجود لغير الله، حتى لو كان للشمس، قال تعالى:
{أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَٰهَ
إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ۩(26)} [سورة النمل: 25 – 26].
فرح سيدنا
سليمان بالهدهد لجلبه هذه الأخبار
سيدنا سليمان
لم يعترض، وربّما يصفق له، وفرح به وقال له: خذ هذه الرسالة وارجع بها مرة أخرى
لهذه السيدة وألقها إليهم، واتركهم حتى يتفاعلوا مع الرسالة، هذا تعليم، فشاهد
الفرق بين الهدهد والسحرة، لم يطلب شيئا كما طلب السحرة من فرعون مقابل سحرهم،
لأنه عنده مسئولية وهذه هي الحالة الهدهدية، يعمل ولا ينتظر الأجر إلا من الله
سبحانه وتعالى.
كلمة
"الهدهد" قريبة من الهداية، وهَدْهَدَ القوم بمعنى هداهم، فركب الهدهد
جناحيه واتّجه إلى السيدة بلقيس، فألقى الهدهد الرسالة ففتحت السيدة بلقيس
الرسالة، وكانت بالعربية، قال تعالى: {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ (30)} [سورة النمل: 30]، وبدأ سيدنا سليمان
الخطاب باسمه لأنه كان شخصية معروفة، ولم يبدأ بالبسملة؛ لأنهم كانوا لا يعرفون
الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: {أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}
[سورة النمل: 31]، وفي نهاية القصة دخلت السيدة بلقيس في الإسلام، وأتى قومها كلهم
مسلمين، حيث قال تعالى: {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ
سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)} [سورة النمل: 44]، سيدنا سليمان
كان عنده من القوة واليقظة بحيث أنه سيجمع الإنس والجنّ، قال: أيُّكم يأتيني بعرشها؟
فلماذا يحتاج سيدنا سليمان إلى عرشها؟ لأن سيدنا سليمان كان مظهرًا من مظاهر
القوة، فلا بد أن يشعرها بالقوة مع ذكاء الهدهد.