العلي اسم من أسماء الله الحسنى، ومعناه أنه هو العلي الأعلى فوق خلقه، ولا يعلو إلى مقامه الرفيع أحد فهو البالغ في علو الرتب إلى ما لا نهاية، وهو المستحق لدرجات المدح والثناء، المستعلي بقدرته وعظمته، فلا تدرك ذاته، ولا يمكن تصور صفاته، فهو أعلى وأعظم من كل ما يصفه به الواصفون، ومن كل ذكر يذكره به الذاكرون، تاهت الألباب في جلاله، وعجزت العقول عن إدراك كماله .
فالله – جل شأنه – يدرك الأبصار، ولا تدركه الأبصار، فهو العلي الكبير المتعال، وإذا أراد أن ينزل شيء على عباده أمر بنزل جبريل – عليه السلام – وغيره من الملائكة على الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – فهذه مقامات الوحي بالنسبة إلى جناب الله عز وجل، وقد كلم الله تعالى موسى – عليه الصلاة والسلام -، وقد سأل الرؤية بعد التكليم فحجب عنها، قال – تعالى -: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيم}[الشورى:51].
وفي الصحيح أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال لجابر بن عبد الله – رضي الله عنهما -: «ما كلم الله أحدًا إلا من وراء حجاب، وإنه كلم أباك كفاحًا»( )، وكان قد قتل يوم أحد، ولكن هذا في عالم البرزخ .
ويختص هذا الاسم بعدة خواص :
الأولى: أن العلي هو الذي علا أن تدرك الخلق ذاته، وعلى أن يتصوروا صفاته بالكنه والحقيقة .
الثانية: أن العلي هو المتعالي عن الأنداد، والأضداد لا رتبة فوق رتبته، وجميع المراتب منحطة عنه .
الثالثة: أن العلي هو الذي ليس فوقه فيما يجب له من معاني الجلال أحد، ولا معه من يكون العلو مشتركًا بينه، لكنه العلي بالإطلاق .
انعكاسات وتجليات الاسم على حياة المسلم:
اعلم أخي المسلم أنه إذاذكرت اسم الله تعالى العلي، وآمنت به حق الإيمان، فإنه يتحقق لك عدة فوائد:
الأولى: ترتفع مكانة المسلم إلى درجات عالية عن طريق محاسن الأخلاق والأعمال .
قال – تعالى - : {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ{1} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ{2} وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ{3} وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ{4} وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ{5} إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ{6} فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ{7} وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ{8} وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ{9} أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} [ المؤمنون: 1-10].
وقال – تعالى -: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِين}[التوبة:112].
وقال – عز وجل -: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُون * أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيم} [الأنفال:2- 4].
وقال – تعالى -: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين}[آل عمران:159].
وقال – تعالى -: {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون * الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُون * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِين * أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُون * وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي الْجَاهِلِين}[القصص:51 - 55]. وقال – تعالى -: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِين}[الأعراف:199].
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – قال: لم يكن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فاحشًا، ولا متفحشًا، وكان يقول: إن من خياركم أحسنكم أخلاقًا.
وعن أبي الدرداء – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: « ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله يبغض الفاحش البذيء» .
وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إن أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلفًُا، وألطفهم بأهله».
وعن جابر رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «إن من أحبكم إليَّ، وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحسنكم أخلاقًا».
وعن عمير بن قتادة – رضي الله عنه – أن رجلًا قال: يا رسول الله، أي الصلاة أفضل ؟ قال: طول القنوت، قال: فأي الصدقة أفضل ؟ قال: جهد المقل، قال: أي المؤمنين أكمل إيمانًا؟ قال: أحسنهم خلقًا.
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن يسعهم منكم بسط الوجه، وحسن الخلق».
الثانية: يجعل المسلم دائمًا في جهاد مع نفسه حتى لا تنزل مكانته عند الله – تعالى - .
عن أبي ثعلبة الخشني – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إن أحبكم إلي وأقربكم مني في الآخرة محاسنكم أخلاقًا، وإن أبغضكم إليَّ وأبعدكم مني في الآخرة أسوؤكم أخلاقًا الثرثارون المتفيهقون المتشدقون».
وروي عن عائشة – رضي الله عنها – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «ما من شيء إلا له توبة إلا صاحب سوء الخلق، فإنه لا يتوب من ذنب إلا عاد في شر منه».
الثالثة: يدفع بالمسلم إلى الاستعلاء بهمته، وتصميم عزيمته على ما يلي:
1- البعد عن الشح، قال – تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيم}[التوبة:34].
2- عدم نسيان الموت: قال – تعالى -: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَة * الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَه * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَه} [الهُمَزة:1- 3].
3- البعد عن الطغيان والعناد:
قال – تعالى -: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيد * كَلاَّ إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيدًا}[المدَّثر:11- 16].
4- البعد عن استغلال الضعفاء، قال – تعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}[النساء:10]
وقال أيضًا: {وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا}[النساء:2].
5- البعد عن غلظة الطبع، وحب الشر، والإفساد، والاستهانة بالحرمات، قال – تعالى -: {وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِين * هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيم * مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيم * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيم * أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِين * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِين} [القلم:10- 15].
الرابعة: يترفع الإنسان عن حب الدنيا والزهد فيها:
قال – تعالى -: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُون}[العنكبوت:64].
وعن المستورد بن شداد – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم يرجع».