الرد على شبهة عدم عصمة النبى صلى الله عليه وسلم : إن الأنبياء معصومون في مجال التبليغ عن الله - عز وجل – فهم معصومون عن: كتمان الرسالة، أو الكذب في دعواها، الجهل بأي حكم أنزله الله عليهم، أو الشك فيه أو التقصير في تبليغه، أو ظهور الشيطان لهم في صورة ملك، أو تلبيس الشيطان عليهم، أو تسلطه على خواطرهم، أو تعمد الكذب في الإخبار عن الله، أو تعمد بيان أي حكم شرعي على خلاف ما أنزل إليهم، سواء كان ذلك البيان بالقول، أو بالفعل، أو بالرضا والموافقة؛ فذلك كله قد انعقد من أهل الشرائع على وجوب عصمة الأنبياء جميعًاً منه. وهذه العصمة الواجبة لأنبياء الله في مجال التبليغ، وعدم وقوع ما يخالفها منهم من قول أو فعل ، أو رضا ، ليست مقصورة على الوحي المنزل إليهم من ربهم ، بل هي عامة لكل ما يتصل بأصول الرسالة وفروعها وشئون التكليف. والدليل الشرعي على ذلك متعدد ، ومنه الآيات التي أمر الله فيها بطاعة رسله واتباعهم، إذ لو كانوا موضع تهمة أو خطأ، أو سهو، أو نسيان ما أمرنا الله بطاعتهم طاعة مطلقة، هذا في شأن كل الرسل عليهم الصلاة والسلام. ومما ورد في شأن رسولنا الكريم، الذي يتطاول عليه الآن المرجفون قوله تعالى[لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ] [الأحزاب: 21] ومحال أن يكون الإخبار من الله غير مطابق للواقع ، لأنه حينئذ يكون الخبر كاذباًً ، وكلام الله - عز وجل - صدق كله [وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا] [النساء : 122] وما أكثر الآيات الكريمة المزكية للنبي – صلى الله عليه وسلم – الآمرة بطاعته طاعة مستقلة، المادحة للذين آمنوا به واتبعوه. وعصمة الأنبياء كما وجبت بإخبار الشرع وجبت باقرار العقل؛ لأن رسل الله أمناء وحي الله ورسالاته ، وتصديقهم الجازم واجب، ولو جاز - عقلاً - الخطأ عليهم في التبليغ عن الله ، لسرى الشك في أقوالهم وأفعالهم إلى كل ما بلغوه عن الله من وحي، ومن غير وحي، ولما أمكن تصديقهم تصديقاًً جازمًا، ولفقدت الشرائع هيبتها، وهذا محال في حكم العقل، كما هو محال في لسان الشرع. هذا هو الحق، فماذا بعد الحق إلا الضلال؟. هذه هي عقيدة المؤمنين الذين لم يلبسوا إيمانهم بظلم – أي: بشك - كما جاء في الحديث الشريف. وقد بين الله – تعالى – عصمة النبي – صلى الله عليه وسلم – في تبليغه عن ربه، فقال : [وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى(3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى] [النجم : 3، 4] . وقال – تعالى - : [إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ] [ الحاقة : 40 - 46 ]. إن هذا الحديث لم يرد به النبي - صلى الله عليه وسلم - التبليغ عن الله، ولا وضع قاعدة فقهية، ولا بيان حكم شرعي، وإنما هو رأي أبداه حول أمور تخضع للتجارب، وعمل العقل، هذا مجال العقل والعلم التجريبي، لا يتدخل فيه الشرع إلا فيما يتعلق بالحل والحرمة، والجواز والكراهة.