الحليم
الحليم اسم من أسماء الله تعالى الحسنى، ومعناه أنه تعالى ذو الصفح، والأناة الذي لا يعجل بالعقوبة مع المقدرة، ولا يستخفه عصيان عاص، ولا يستفزه طغيان طاغ، وهو الذي لا يحبس إنعامه، وأفضاله عن عباده ؛ لأجل ذنوبهم؛ ذلك لأنه سبحانه هو العفو مع القدرة، فهو يحلم حتى يظن الجاهل أنه ليس يعلم، ويستر حتى يتوهم الجاهل أنه ليس يبصر، والحلم صفة اتصف بها المولى تبارك وتعالى، وخص بها المصطفين من عباده .
وقد أخبرنا الله أنه هو الحليم يحلم ويصفح ويغفر لعباده الذنوب، ويكفرها عنهم بتوكلهم عليه، وذلك في قوله – تعالى -: {لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيم}[الحج:59].
وقوله – تعالى -: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَـكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيم}[البقرة:235].
وقد أخبرنا المولى – تبارك وتعالى – في القرآن الكريم بأنه يجزي على القليل بالكثير، وأنه يصفح ويغفر ويستر ويتجاوز عن الذنوب والزلات والخطايا والسيئات، وذلك في قوله – تعالى - : {إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيم}[التغابن:17].
وقوله – تعالى -: {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيم}[البقرة:263].
يعني: أنه تعالى غني عن خلقه، حليم بمغفرته وصفحه وتجاوزه عنهم .
وقد وردت آيات اختص الله بها بعض عباده بالحلم، منها قوله – تعالى -: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيم}[التوبة:114].
وفي الآية يمدح الله إبراهيم – عليه السلام – ويصفه بالحلم .
وقوله – تعالى -: {قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيد}[هود:87].
ورد دعاء المسألة بالاسم المطلق عند البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه قال: ( كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو عِنْدَ الكَرْبِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله العَظِيمُ الحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ ) ( )، وروى الترمذي وحسنه عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت كان رسول صلى الله عليه وسلم يقول: (( اللهُمَّ عَافِنِي فِي جَسَدِي وَعَافِنِي فِي بَصَرِي وَاجْعَلهُ الوَارِثَ مِنِّي، لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ الحَلِيمُ الكَرِيمُ، سُبْحَانَ اللهِ رَبِّ العَرْشِ العَظِيمِ وَالحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالمِينَ )) .
ومن دعاء المسألة الدعاء بمقتضى الاسم كما ورد في قوله تعالى: { تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} [الإسراء:44]، فيقول المسلم: اللهم يا حليم يا غفور سبحانك وبحمدك أسألك حلمك ومغفرتك، وروى النسائي وصححه الألباني من حديث سليمان بن يسار رضي الله عنه عن رجل من الأنصار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( قال نوح لابنه: إني موصيك بوصية وقاصرها لكي لا تنساها، أوصيك باثنتين وأنهاك عن اثنتين، أما اللتان أوصيك بهما فيستبشر الله بهما وصالح خلقه، وهما يكثران الولوج على الله: أوصيك بلا إله إلا الله، فإن السماوات والأرض لو كانتا حلقة قصمتهما، ولو كانتا في كفة وزنتهما، وأوصيك بسبحان الله وبحمده فإنهما صلاة الخلق، وبهما يرزق الخلق، وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا، وأما اللتان أنهاك عنهما، فيحتجب الله منهما وصالح خلقه أنهاك عن الشرك والكبر)) .
وتوحيد الله في اسمه الحليم مقتضاه أن يكون الموحد حليما صبورا يتأنى في رأيه وحكمه وقوله وفعله، ويتخير ما هو أنفع له وللآخرين، ويبادر بالتوبة إلى الله الحليم، روى مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأشج بن عبد القيس: (( إِنَّ فِيكَ خَصْلتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ الحِلمُ وَالأَنَاةُ )) ( )، وفي رواية أخرى عند أبي داود وحسنها الألباني: (( إِنَّ فِيكَ خَلتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ الحِلمُ وَالأَنَاةُ، قَال: يَا رَسُول اللهِ أَنَا أَتَخَلقُ بِهِمَا أَمِ اللهُ جَبَلنِي عَليْهِمَا؟ قَال: بَل اللهُ جَبَلكَ عَليْهِمَا، قَال الحَمْدُ للهِ الذِي جَبَلنِي عَلى خَلتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ وَرَسُولهُ )) وروى البزار وقال الألباني: صحيح لغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إن الله يحب الغني الحليم المتعفف ويبغض البذيء الفاجر السائل الملح )) .