الحكمة الربانية "257" من لم يترك كثيرا مما يشتهي وقع في كثير مما يكره

الرئيسية المقالات مقالات دينية

الحكمة الربانية "257" من لم يترك كثيرا مما يشتهي وقع في كثير مما يكره

 

الحكمة الربانية "257"

من لم يترك كثيرا مما يشتهي وقع في كثير مما يكره

فضيلة الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الإسلامي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

من حكم الإمام ابن عطاء الله السكندري  " من لم يترك كثيرا مما يشتهي وقع في كثير مما يكره '  

هذه الحكم الجميلة لا تكون إلا من حكم الإمام ابن عطاء الله السكندري صاحب وأستاذ الحكم الربانية فسبحان من ألهمه هذه المعاني التي يحار العقل في فهمهما وتحتاج شرحا طويلا حتى ندرك أحوال هذا المقام

الذي يفهم كلام ابن عطاء الله هم الذين عاشوا وعايشوا هذه الأحوال

هذا كلام إنساء مليء بالنور

من لم يتجمل بالتسليم كيف ينفعه التعليم؟ وحكمة اليوم لا تقل توهجا عن الحكمة السابقة  فإذا فهمنا هذا الكلام استوعبناه وعندما نستوعبه ندقق في أسراره وأنواره

" من لم يترك كثيرا مما يشتهي وقع في كثير مما يكره "  

من ترك شيئا من الحرام حتى لو كان كثيرا خوفا من الله عوضه الله الكثير من الحلال بغير حساب

قبل مائة سنة شاب أزهري كان يدرس في رواق الأزهر الشريف

وكانوا فقراء وتصرف لهم جراية في الصباح وليس معه فلوس يشتري طعاما وخرج أحدهم ذات يوم جوعانا فشاهد عمارة جميلة فوجد خزانة مليئة بالخيرات

فسولت له نفسه أن يأكل ومد يده إلى الطعام ثم علم أن الله يراه وأن هذا المال ليس له فخرج جوعانا وترك الخزينة بما فيها  ولم يكن أحد يراقبه ولم يكن على العمارة حارس ولا خادم

{قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13)} الزمر

ذهب الفتى إلى الأزهر مرة ثانية وبدأ يعود إلى دروسه  وفي نفس اليوم كان هناك درس بعد الظهر واستعد الشبخ للدرس  فدخلت امرأة ونادت على الشيخ والنساء كن يلبسن البراقع فذهب إليها الشيخ فقالت له أنا عندي بنت يتيمة وأنا أرملة وعندي عمارة واسعة وأخشى أن أموت وأترك بنتي دون عائل لها فجئت إليك لكي تنتخب لها عريسا أو زوجا أو خاطبا من أبناء الأزهر الشريف واعتبر نفسك والدها

قال لها حاضر أبشري سنأتي لك بعد صلاة العشاء

وهو جالس في الدرس يتصفح في وجه الخطيب الجديد فوقعت عيناه على هذا الفتى الذي ترك الحرام قبل قليل  ونادى عليه بعد الدرس وقص عليه القصص وقال استعد بعد صلاة العشاء وتلبس أفضل ما عندك ونذهب إلى هذه السيدة

خرجا بعد صلاة العشاء وتفاجأ الشاب أن العمارة التي سيدخلها مع أستاذه هي نفسها العمارة التي دخلها صباحا وزهد عنها فدخل البيت وتمت الخطوبة والشبكة والجواز وبعد أسبوعين توفيت الأم فأصبحت العمارة كلها ملكا له وهذه قصة واقعية تماما

" من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه "

أنا شخصيًا جرت علي مواقف كثيرة مثل هذا الشاب ولكن يمنعني الحياء أن أتكلم عن نفسي  ولكنكم تستطيعون معرفتها من خلال برنامج أيام من حياتي والدروس موجودة على اليوتيوب كاملة ومقطعة

الملتزمون جدا يحتاجون هذا الكلام ومن هم في أول طريق العبادة يحتاجون هذا الكلام فكل الناس يحتاجون إلى هذه الحكمة الربانية وكلكم في حاجة إلى نشرها  وانشروا هذه الحكم حتى تزلزل قلوب الناس في العالم كله

ليت أحدكم يترجم هذه الحكم إلى اللغات الحية ثم يأخذ منها مقاطع مترجمة وينشرها في العالم كله حتى يعرف الناس سماحة الإسلام وعظمته

برنامج الحكم الربانية من أهم وأقوى البرامج التي قدمتها في حياتي

لا يقدر على التعامل مع الحكم الربانية إلا من عاشها لطول عهدي بالصالحين وملازمتي لهم ومعرفتي بأسرارهم وأغوارهم

عشت سنوات مع الحكيم الترمذي أحقق له مؤلفاته ومع الإمام بديع الزمان سعيد النورسي أحقق له مؤلفاته  صارت إشارتهم علما بالنسبة لي

ليس بالضرورة أن كل ما يشتهيه الإنسان يأكله فقد تمر عليك سنة لا تأكل الموز أو المانجو ولا مشكلة أبدا  وأنا شخصيا على مدى حياتي كلها الفاكهة الغالية لا آكلها وعندما أسأل عن هذا أقول إن الفقراء لا يقدرون على شرائها وإني لا أحب أن أتميز عليهم  مما جعلني سنوات عديدة لا أقترب أبدا من الفاكهة الغالية في ثمنها

ظهر لي بعد هذا في الرؤى الصالحة أنك إذا تركت شيئا لله عوضك الله خيرا منه في اليقظة وفي المنام ومن ترك شيئا لله يعني يريد به وجه الله أو يكون زاهدا فيه وهو قادر عليه

لو قلنا الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز اشتهى العسل فأعطى لعامله درهمين فقال اذهب لشراء عسل لي ولأهل بيتي

ظن الإمام أنه سيذهب ماشيا فركب العامل ركائب بيت المال  فلما رجع سأله عمر بن عبدالعزيز كيف ذهبت؟ فقال على ركائب بيت المال

فقال إذا هذا العسل محرم عليه وقال له خذ هذا وبعه وضع فلوسه في بيت المال

عمر بن عبدالعزيز كان يترك كثيرا مما يشتهي

اشتهى البلح ذات مرة فعلم عامله على الأردن فأرسل له ما يشبه القفص مليئا بالبلح فوضع أمامه

فقال إني أشتهيه وإني أحبه لكن غيره أولى به مني

نفس هذا الموقف كان يتكرر كثيرا مع الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه

السبب الأول: ليس كل الناس يأكلون هذا

السبب الثاني: أنني أستطيع أن أتصبر عنه

السبب الثالث: الله تعالى سيعوضني خيرا منه في الجنة

وبرنامج الحكم الربانية يعطيني مساحة أن أتعايش مع الصالحين الكبار وأن آخذ من رحيق إيمانهم وزهدهموأتمنى أن أعيش الرحلة الصديقية مع الإمام أحمد بن حنبل الذى ظل سبعة عشر عاما يلبس حذاء مرقعا فقال له ابنه عبد الله يا أبي إن الدنانير والأموال والسرر تأتي إليك من الأمراء وترجعها مرة ثانية

فهل اشتريت لنفسك حذاء بدلا من هذا المقطع؟

فبكى وقال أتمنى أن يبدلني ربي خيرا منه في الجنة

روى الإمام المقدسي في كتابه محنة الإمام أنه يوم إن مات شاهده ابنه عبد الله يطير في الجنة ويلبس حذاء من ذهب خالص

أنا شخصيا متأثر بهؤلاء الذين زهدوا فأعطاهم ربي خيرا مما زهدوا في الدنيا والآخرة ودائما أنصح الناس وأقول لا تعطي لنفسك كل ما تشتهي أنت الآن تريد أن تأكل حماما مدسوسا وأنت تقدر عليه وغيرك لا يقدر  ولا تجعل نفسك مطية إلى دورات المياه

لا تكن بطنك هي همك ازهد في أشياء كثيرة تستطيع أن تعيش دونها

كان هناك شاب من سوريا (الشام) ينطبق عليه هذا الكلام

كان يزهد في الشيء رغم وجود الفلوس وكان يقول لنفسه لن أعطيك كل ما تشاءين

قال النبي صلى الله عليه وسلم: نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع

صلى الشاب الظهر في المسجد الأموي في دمشق وخرج  ومعروف عن الشام حب الحلويات والحلويات الشامية رقم واحد في العالم

فوقف عند محل يقوم بعمل البسبوسة وكان معه فلوس فأخرجها متقدما لشراء البسبوسة ثم توقف وقال لها أنت تحبي البسبوسة وهذه فلوس البسبوسة ولن أشتريها

أعدى أعدائك هي نفسك التي بين جنبيك

كان النبي صلى الله عليه وسلم يطوي على بطنه بحجرين والناس كلها تطوي بحجر واحد وكان هذا لشدة جوع النبي صلى الله عليه وسلم أو الزهد في الطعام

وذات مرة كان النبي صلى الله عليه وسلم في حالة جوع شديد فأرسل أحد الأنصار طعاما إليه فقال والله إني جوعان لكن إخواني من أهل الصفة أحوج إلى هذا الطعام  وأهل الصفة فقراء ويلازمون مسجده خلف بيته

رفض النبي صلى الله عليه وسلم وأمر السيدة فاطمة الزهراء أن تأخذ الطعام إلى أهل الصفة فإنهم أشد جوعا وأشد فقرا من النبي صلى الله عليه وسلم  والإنسان قد يأكل غداء في مطعم كبير بخمسمائة جنيها وقد يأكل غداء بإثنين جنيها

قديما قبل عشر سنوات يكفي للفطار والغذاء والعشاء

مر علي كثيرون ممن جعلوا حياتهم في الطعام والكيف والمزاج حتى لو على حساب أولاده

التدخين مصيبة كبيرة جدا تجعل المدخن كل همه أن يدخن حتى لو مات الآخرون جوعا  والتدخين بالنسبة للمدخن هو الحياة

قلت له هل أنت على صواب أن تأكل ما تشتهي وتترك لأولادك خمسة جنيهات؟  والحكمة منطبقة على هذا الرجل تماما

الذين لا ينفق على أولاده وزوجته قد تصر زوجته على الطلاق أو تأخذ أولاده إلى بيت أبيها ولا تعود العمر كله

لو شئت أن أحكي لكم حكايات كثيرة جدا أستطيع أن أمتعكم بها

أحوال النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة تكفي جدا

ذات مرة جيء للنبي صلى الله عليه وسلم بشراب من بلاد فارس يسهل الهضم  فقال عمر بن الخطاب هضم ماذا؟ وهل أكلت شيئا حتى يهضم؟

هذا ليس لي وإنما للمترفين من أهل الدنيا والمتعلقين بالدنيا

جيء لها بحلوى تسمى الفالوذج وقيل له هذه أفضل أنواع الحلوى في العالم

لا تصنع إلا للأمراء والملوك

سيدنا عمر رضي الله عنه قال أكل المسلمون يأكلون هذا؟ فقالوا لا

فرفض أن يأكلها وقال خذوها وبيعوها وضعوا فلوسها في بيت المال

الحكمة جميلة ومؤثرة

أرجو أن يكون حالي منطبقا مع هذه الحكمة إلى حد كبير إن شاء الله

{يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)} البقرة

  

تصفح أيضا

أخبار الطقس

SAUDI ARABIA WEATHER

مواقيت الصلاة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد عبده عوض