الحسن البصري

الحسن البصري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [هود: 123] اللهم يا مقلّب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، نسألك نعيما لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، ومرافقة نبيك صلى الله عليه وسلم في الجنة، اللهم أسعدنا بصحبته، وأمتنا على ملته واحشرنا في زمرته، واجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أعمالنا أواخرها وخير أيامنا يوم نلقاك، وأنت راض عنا.  

 نلتقي مع سليل الزاهدين، وإمام الزاهدين الذي اتصلت حياته بحياة الصحابة رضي الله عنهم. انتقل إلى المدينة المنورة صغيرًا مع أبيه، في خلافة سيدنا عمر رضي الله عنه وحنّكه سيدنا عمر، ودعا له.

وكانت أمه خيرة تخدم مع السيدة أم سلمة، رضي الله عنها، أم المؤمنين فكانت أمه تغيب أحيانًا، وتعطيه أم سلمة رضي الله عنها ثديها كي يتصبّر.

ولذا ولد بليغًا وعاش بليغًا، واعتبره الناس من أفصح البلغاء في تاريخ الإسلام. إنه من علماء الطبقة الثانية من علماء البصرة، التي كانت تمتلئ بهم، وقد انتقل مع أبيه إلى البصرة عندما أصبح عمره أربعًا وعشرين سنة.

كانت البصرة آنذاك محط أنظار المسلمين؛ لأنها كانت مدينة العلم والحكمة. وإليها مأوى طلاب العلم، وفيها يتنفس الناس الصعداء لصلتها بالعلماء الكبار.

إنه الإمام الحسن بن أبي الحسن البصري رضي الله عنه، وكان يسمى يسارًا، يعني اسمه فيه يسر، وأمه تسمى خيرة، وعاشوا في بيت النبوة. وكان الحسن البصري رضي الله عنه موصولًا بأنوار النبي صلى الله عليه وسلم، فعاش حياة الصالحين.

وكان يعظ الناس في سنّ مبكرة؛ لأنه الله تعالى أعطاه الحكمة وفصل الخطاب.

وكان يستوي سرّه مع علانيته، وذلك لحال الصدق التي عاشها مع الله تعالى ورسوله، وكان يميل للإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه في ورعه وزهده وحكمته وأنواره. ومعلوم أن الإمام عليًا رضي الله عنه من أنجب الناس من الصحابة رضي الله عنه، فتعلّق الإمام الحسن رضي الله عنه به.

إذا سألت عن العلم، فإن عليًّا رضي الله عنه باب مدينة العلم. وإذا سألت عن الحكمة، فإن عليا رضي الله عنه أستاذ في الحكمة، وإذا سألت عن الزهد والورع فإن الإمام عليا أستاذ في كلّ هذا.

أخذ الحسن البصري رضي الله عنه كل الأنوار والأسرار؛ ولذا ما جلس أحد معه إلا أشرقت الأنوار في قلبه. فاهتدى على يديه آلاف العصاة، وزلزل قلوب المجرمين.

حتى قيل: إن هناك رجلين كان الخوف من الله تعالى يجعل فرائصهما ترتعد ليل نهار إنه: الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز، والحسن بن أبي الحسن البصري رضي الله عنهما. {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13)} [هود].

كيف نحول هذا الكلام إلى عمل؟ العمل أنه كان يحاسب نفسه حسابًا عسيرًا على كلمة قالها. ربما يبقى أسبوعًا كاملًا على كلمة قالها، أو خطوة خطاها، أو لفظة قالها أو نظرة نظرها.

قديمًا كانوا يفرقون بين الصالحين، وبين غيرهم بقيام الليل، وصلاة الفجر، فإذا وجدوا رجلًا لم يحضر صلاة الفجر عدّوا هذا نقصانًا في إيمانه.

فذهب إليه شاب وقال له: "يا إمام لقد أعياني قيام الليل" فقال له: "يا ولدي كبلتك ذنوبك". أي إن معاصيك في النهار جعلت جسمك ثقيلًا. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ (38)} [التوبة].

فالإنسان ينجذب الإنسان إلى الطين؛ لكونه من الطين عندما تتغلب عليه الطبيعة الطينية يشد للأرض. تجده يأكل كثيرًا وينام كثيرًا، ويلهو كثيرًا ويتكلم كثيرًا فأحاطت به خطيئته، فأصبحت هذه الخطايا تحاصره، وكلما أراد أن يفعل خيرًا فإذا همته تقل وتقل وتقل.

ذات مرة بنى الحجاج بن يوسف الثقفي مدينة وقصرًا منيفًا مشيدًا بين الكوفة والبصرة، ودعا الناس لكي يباركوا له المكان وتشرفوا بالمكان ومن ضمنهم الحسن البصري رضي الله عنه، استغلها الحسن البصري رضي الله عنه فرصة وظلّ يدعو ويذكره أن الفراعنة بنوا أشد من هذا فأخذهم الله تعالى، وأن القياصرة والأباطرة بنوا أشد من هذا فأخذهم الله تعالى، فاغتاظ الحجاج بن يوسف الثقفي من الحسن البصري رضي الله عنه؛ لأنه حول فرحه إلى نكد.

قال الحجاج: ائتوني بالسياف والجلاد والنطع يعني الجلد الذي يذبح عليه، وجلس الناس ينتظرون نهاية الإمام الحسن البصري رضي الله عنه. وهؤلاء الناس كانوا لا يرحمون فأتى الحجاج بالسياف، والدنيا قائمة على أشدها، وطلب حضور الحسن البصري رضي الله عنه. من باب التوعد فدخل عليه بدعاء فوقف له الحجاج وقال: تقدم يا أبا سعيد فأنت سيد الناس وسيد العلماء.

أرأيت كيف يدق الله قلوب الظالمين؟ {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ (17)} [الأنفال]. ومن هنا عرف عن الإمام الحسن أنه لا يخشى في الله لومة لائم. ولما جلسوا معه قالوا: كيف خاف منك الحجاج؟ فقال: من خاف من الله أخاف الله منه كل شيء.

وحدث نفس الموقف مع أحد الأمراء اسمه ابن أبي هبيرة وكان لا يقل ظلما، ولا قسوة، ولا استبدادا عن الحجاج، والإمام الحسن استغلّ وجود ابن أبي هبيرة وظل يعظ ويعظ، ففهم أنه يهينه ولكنهم يتكلمون في الأرض كي يسمعوا الملأ الأعلى في السماء يكفي أن الله يستمع إليك، فدعا الله سبحانه وتعالى فصرف عنه كل كيد .

   الإمام الحسن أستاذ في الحكم الربانية. ابن الجوزي أستاذي الكبير تكلم عنه في أربع صفحات يقول عنه: لكثرة أمجاده ومناقبه خصصت له كتابا على حدة كما فعل مع سعيد ابن المسيب، وأتى على الحسن فجعل له عشرين جزءا وذلك لأنهم سابقون إلى الله.

ومحاسبته لنفسه جعل قلبه متعلقا بالله، وجعلت عينيه باكيتين من خشية الله واستوى سره مع علانيته، واستوى ظاهره مع باطنه، فعمر أكثر من ثمانين سنة على حدّ قول ابن نباتة المصري:

إن الثمانين وبلغتها

 

قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
   

يعني بلغت الثمانين سنة وأكثر. لكن الحسن لم يحتج إلى ترجمان؛ لأن هؤلاء كلما تقدموا في سنهم زادهم الله في عافيتهم، وكان لسان حالهم: حفظناها صغارا أي الجوارح من الشيشة وغيرها، فحفظها الله كبارا.

اللهم خذ بأيدينا إليك اللهم أيدنا، وعلمنا وانصرنا، اللهم كما نورتهم فنورنا، وكما أسعدتهم فأسعدنا، اجعل أيامنا كلها حبا للعلماء {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] اللهم نولنا مرادنا بطاعتك، وأدم علينا كنف مودتك، وباعد بيننا وبين خطايانا وذنوبنا كما باعدت بين المشرق والمغرب.

 اللهم اصرف عنا الشياطين وبارك لنا في أرزاقنا وأقواتنا وأولادنا وأحفادنا وحبب إلينا ذكرك وشكرك وقربنا إلى رحابك {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه: 84] نعوذ بك من زوال نعمتك، ومن تحول عافيتك ومن فجاءة نقمتك ومن جميع سخطك لا تسخط علينا، يا الله لا تؤاخذنا بذنوبنا وزلاتنا وهفواتنا.

اللهم احينا مسلمين وتوفنا مسلمين غير خزايا ولا مفتونين إلهي:

سَفَري بَعيدٌ وَزادي لَنْ يُبَلِّغَني

 

وَقُوَّتي ضَعُفَتْ والموتُ يَطلُبُني

مَا أَحْلَمَ اللهَ عَني حَيْثُ أَمْهَلَني

 

وقَدْ تَمادَيْتُ في ذَنْبي ويَسْتُرُنِي

 اللهم استر علينا بسترك الجميل، وعفوك العميم وإحسانك القديم وخلقنا بأخلاق الصالحين، يا الله يا الله يا الله، اجعلها ساعة فرج، وأذقنا إلى برد عفوك نجنا مما نخاف، يا حنان يا منان يا بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام.

 {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]. 

 

 




تصفح أيضا

أخبار الطقس

SAUDI ARABIA WEATHER

مواقيت الصلاة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد عبده عوض