إغاثة الملهوف في السنة النبوية:
إن تقديم
العون والنصرة لمن يحتاج إليها سلوك إسلامي أصيل، وخلق رفيع تقتضيه الأخوة
الصادقة، وتدفع إليه المروءة ومكارم الأخلاق، وقد كانت حياة النبي صلى الله عليه
وسلم خير مثال يحتذى في كل شيء، ولا سيما إغاثة الملهوف، وتقديم العون لكل من
يحتاج إليه، حتى لقد عرف بذلك قبل بعثته صلى الله عليه وسلم، فعند نزول الوحي عليه
أول مرة رجع إلى خديجة فأخبرها الخبر ثم قال: "لقد خشيت على نفسي". عندئذ أجابته أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها: كلا والله! ما يخزيك
الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على
نوائب الحق.
هكذا استدلت أم
المؤمنين خديجة رضي الله عنها على حفظ الله له، وعدم تضييعه إياه بصنائع المعروف
التي كان يصنعها، وبإغاثة الملهوف؛ فالجزاء من جنس العمل.
وفي
الإسلام رأينا كيف أن الإغاثة أصبحت واجبًا ينهض به القادرون، وعملاً من أعمال
الخير يتنافس فيه المتنافسون، وأصبح من الحقائق المسلمة عند المسلمين أن: "من كان في حاجة الناس كان الله في حاجته"، كما أخبرهم نبيهم صلى الله عليه وسلم.
بل رأينا
رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر المسلمين بإغاثة الملهوفين، فحين نهاهم عن
الجلوس في الطرقات، إلا إذا أعطوا الطريق حقها، بيَّن لهم أن من حق الطريق: إغاثة
الملهوف: "وتعينوا الملهوف،
وتهدوا الضال".
وعند أحمد
من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم
جلوس في الطريق. قال: "إن
كنتم لابد فاعلين فاهدوا السبيل، وردوا السلام، وأغيثوا المظلوم".
وإغاثة
الملهوف صدقة من العبد له أجرها وبرها.. فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "على
كل مسلم صدقة. قالوا: يا نبي الله! فمن لم يجد؟ قال: يعمل بيده ويتصدق. قالوا: فإن
لم يجد؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف..."الحديث.
إن الذي
يطلب العون قد يكون مظلومًا أو عاجزًا أو مكروبًا، وفي كل الأحوال فإن إعانته
وقضاء حاجته فيها تفريج لكربته، وفي مقابل ذلك تكفل الله لمن فرج كربة الملهوف أن
يفرج عنه كربة من كربات يوم القيامة: "... ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم
القيامة...".
إن
للاعتكاف فضلاً عظيمًا وأجرًا كبيرًا، كيف لا وقد فرَّغ المسلم نفسه لربه، وقطع
علائقه بالدنيا، لكنَّ الذي يقضي حوائج الناس أعظم من المعتكف أجرًا: "من مشى في حاجة أخيه كان خيرًا له من اعتكاف عشر سنين".
ولأجل هذا
المعنى لما أمر الحسن رضي الله عنه ثابتًا البناني بالمشي في حاجة قال ثابت:
إني معتكف. فقال له: يا أعمش! أما تعلم أن مشيك في قضاء حاجة أخيك المسلم خير
لك...".
إن إغاثة الملهوف وإجابة المحتاج والسعي في قضاء حوائج الناس لهو دليل على قوة
الإيمان وصدق الإخاء. قال عليٌّ:
إن أخاك
الحق من كان معك.. .... ..ومن يضر نفسه لينفعك
ومَنْ إذا
ريب زمانٍ صدَّعك.. .... ..شتَّت فيك شمله ليجمعك
ومن
الأحاديث
النبوية التي تؤصل خلق (الإغاثة) في المجتمع المسلم:
(عن
البراء بن عازب- رضي اللّه عنهما- قال: مرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بقوم
جلوس في الطّريق، قال: «إن كنتم لابدّ فاعلين فاهدوا السّبيل، وردّوا السّلام،
وأغيثوا المظلوم»
.
وعن أبي سعيد الخدريّ- رضي اللّه عنه- أنّ
رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إيّاكم والجلوس بالطّرقات» قالوا: يا رسول
اللّه، ما لنا من مجالسنا بدّ نتحدّث فيها، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه
وسلّم: «إن أبيتم فأعطوا الطّريق حقّه»، قالوا: وما حقّ الطّريق يا رسول اللّه؟
قال:
«غضّ البصر، وكفّ الأذى، وردّ السّلام، والأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر»
عن
أبي حجير العدويّ قال: سمعت عمر بن الخطّاب عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في
هذه القصّة، قال: «وتغيثوا الملهوف، وتهدوا الضّالّ» .
من
موسوعة الأخلاق
لفضيلة الأستاذ الدكتور
أحمد
عبده عوض
الداعية
واالمفكر الإسلامي