الباعث
اسم من أسماء الله – تعالى – الحسنى، ومعناه أنه هو الذي بعث الموجودات من ظلمة العدم إلى نور الوجود، وأنه سبحانه له الأمر والحكم، وهو وحده الذي خلق العباد، ثم يمتعهم ثم يبعثهم من قبورهم، وهو الذي يبعث رسله يدعو إلى الإيمان بالله وحده، فهو الباعث للحق المبين.
قال – تعالى -: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِير}[التغابن:7]
يختص هذا الاسم بعدة خواص:
الأولى: أن الباعث هو الله الذي يبعث الخلق بعد الموت، أي: يجيبهم فيحشرهم للحساب {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى}[النجم:31].
الثانية: أن الله – تعالى – هو الباعث للخلق يوم القيامة كما يقول في سورة الحج، وأن الله يبعث من في القبور.
الثالثة: أن الباعث هو من يبعث العباد بعد الموت، أي: يحييهم، أو باعث رسله إلى عباده، وهو الذي يبعث الخواطر الخفية في الأسرار فمن دواع يبعثها إلى الحسنات، ومو دواع يبعثها إلى السيئات.
الرابعة: أن الباعث هو من يبعث الهمم إلى الترقي في ساحات التوحيد والتنقي من ظلمات صفات العبيد.
انعكاسات وتجليات الاسم في حياة المسلم:
اعلم أخي المسلم أنه إذا ذكرت اسم الله تعالى الباعث، وآمنت به حق الإيمان، فإنه يتحقق لك عدة فوائد:
الأولى: من يؤمن بالله بأنه الباعث فإنه يحيي النفوس بإخراجها من المعصية إلى الطاعة، ومن الظلمات إلى النور، ويحاسب نفسه دائمًا أولًا بأول؛ لأنه سيبعث يوم القيامة للحساب، قال – تعالى -: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِين}[الأنبياء:47].
وقال – عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون}[الحشر:18].
الثانية: من يؤمن بالله تعالى بأنه الباعث فإنه يزداد دائمًا من الصالحات والاستقامة:
قال – تعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُون* نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُون* نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيم}[فُصِّلَت:30 - 32].
وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كُلها تُكَفِّرُ اللِّسَانَ فتقول اتق الله فينا فإنما نحن بك فإن استقمت استقمنا وإن اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا»( ).
الثالثة: من يؤمن بالله – تعالى – بأنه الباعث فإنه يبادر دائمًا إلى الخيرات، ويحث عليه دون تردد ؛ لأنه يعلم أن سيلقى هذا الخير بعد بعثة الله تعالى له.
قال – تعالى -: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}[البقرة:148].
وقال – عز وجل -: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِين}[آل عمران:133].
وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «أعظم الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وَتَأْمُلُ الغنى ولا تُمْهِلُ حتى إذا بلغت الْحُلْقُومَ قلت لفلان كذا ولفلان كذا ألا وقد كان لفلان كذا» .
الرابعة: من يؤمن بالله تعالى بأنه الباعث فإنه يكون دائمًا في مجاهدة، قال – تعالى -: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِين}[العنكبوت:69].
وقال – عز وجل -: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِين}[الحِجر:99].
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إن الله قال من عادى لى وَلِيًّا فقد آذَنْتُهُ بالحرب وما تقرب إلىَّ عبدى بشىء أحب إلى مما افترضت عليه وما يزال عبدى يتقرب إلىَّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يُبصر به ويده التى يبطش بها ورجله التى يمشى بها وإن سألنى لأعطينه وإن استعاذنى لأعيذنه وما ترددت عن شىء أنا فاعله ترددى عن قبض نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته» .
وقال – صلى الله عليه وسلم -: «حجبت النار بالشهوات وحجبت الجنة بالمكاره».
وعن أنس رضي الله عنه عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «يتبع الميت ثلاثة أهله وماله وعمله فيرجع اثنان ويبقى واحد يرجع أهله وماله ويبقى معه عمله»