الاستغفار يجرّ إليك الخير جرًّا
الاستغفار يجر إليك
الخير جرًّا، وينبت بين يديك أشجار الأمل الخضراء في صحراء الحزن والآلام. الاستغفار
يزيل جبال الآلام، ويلقي في روعك أن لك أنيسًا وحبيبًا وبابًا لا يغلق إذا غلقت
أمامك كل الأبواب، الله خير أنيس، وخير محبوب، وباب الله هو الملجأ والملاذ الذي
لا يمنعك أحد أن تطرقه وتلزمه معلنًا بالاستغفار العودة والأوبة إلى رب كريم حليم.
بكثرة استغفارك يُزال
همّك، ويُقضى دينك، وتُمحى خطيئتك، وتُوفق لكل خير، وتُفتح لك أبواب السماء فلا
يُرد لك بإذن الله دعاء.
كان هذا حال العلماء مع
الله لأنهم أعرف الناس بخالقهم، وأوفى الناس لرب يغذوهم بالنعم، ويذهب عنهم بذكره
الألم.
يقولُ ابن تيمية رحمه
الله: والله إن المسألة تُغلق في وجهي، فأستغفر الله ألف مرة فتُفتح لي.
أي استعذاب هذا
للاستغفار الذي يجعل عالمًا جليلًا يكرره ألف مرة، إنها كلمة حبيبة إلى قلوب
العلماء، حبيبة إلى الرحمن، وحبيبة إلى الملائكة الكرام الكاتبين، كم فرجت كلمة
الاستغفار كروبًا، وكم أذهبت همومًا، وكم أمطرت من نعم، ورفعت من نقم، وأعلت في
مجال الطاعة الهمم.
كلمة الاستغفار سفينة
في موج الحياة المتلاطم، ودليل في ليل الغربة يبدو لك كقمر يدلك على طريق مولاك
الذي خلقك فسواك، وعلم ما في ضميرك وسرك ونجواك.
عن الأوزاعي قال: قال
إبليس لأوليائه: من أي شيء تأتون بني آدم؟ فقالوا: من كل شيء. قال: فهل تأتونهم من
قبل الاستغفار؟ فقالوا: هيهات ذاك شيء قُرِنَ بالتوحيد.
قال: لأبُثَّنَّ فيهم
شيئًا لا يستغفرون الله منه، قال: فبث فيهم الأهواء.
فعلام تعطي للشيطان
سبيلًا عليك بالغفلة عن استغفار ربك وذكر ذنبك، الزم باب الملك الذي إذا أحاطك
بعنايته ورحمته فلن يكون لأحد عليك سبيل.
واعلم أنه من رزق الصبر
لم يحرم الثواب؛ لقوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا
رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ
وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:
10].
ومن رزق التوبة لم يحرم القبول؛ لقوله تعالى:
{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ
السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [الشورى: 25]. ومن رزق الاستغفار لم
يحرم المغفرة؛ لقوله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ
غَفَّارًا} [نوح: 10].
ومن رزق الدعاء لم يحرم
الإجابة؛ لقوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ
الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}
[غافر: 60].
ومن رزق النفقة لم يحرم
الخلف؛ لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ
عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ
وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39].
قال أحد العلماء: إذا
أنعم الله عليك بنعمة فأحببت بقاءها ودوامها، فأكثر من الحمد والشكر عليها؛ فإن
الله عز وجل قال في كتابه: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7]، وإذا استبطأت الرزق فأكثر
من الاستغفار؛ فإن الله عز وجل قال في كتابه: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ
إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا *
وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ
لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10-12]، وإذا حزبك أمر من سلطان أو غيره فأكثر من لا حول
ولا قوة إلا بالله؛ فإنها مفتاح الفرج وكنز من كنوز الجنة.
فالزم كلمة تجمع لك
خيري الدنيا والآخرة، كلمة ترضي الرحمن وتغضب الشيطان وتحوطك بالحفظ وتبعث في قلبك
السكينة والطمأنينية وأنوار الإيمان نسأل الله العلي العظيم أن يرزقنا الأوبة
والتوبة والغفران إنه الرب العفو الكريم الرحمن.