اجعل الهم همّ الآخرة

اجعل الهم همّ الآخرة

أن أجعل همي الآخرة، وشغلي بخالقي ورازقي، رضاه عني يحول الشقاء إلى سعادة، والألم إلى أمل، إذا كنت عنده مرضيًّا فلا يهمني أن أكون عند الناس من أكون.

الله وحده من يملك الدنيا والآخرة، فعلام أجعل همي على عرض زائل، أو سعادة زائفة أظنها ذهبت، علام أجعل همي الدنيا والسعادة كل السعادة في الآخرة.

حكي عن أحد التابعين أنّه قال: كان ابتداء توبتي أن رأيت غلامًا في سنة قحط يمرح زهوًا والناس تعلوهم كآبة، فقلت له: يا هذا، ما هذا المرح؟ ألا تستحي؟ أما ترى ما فيه الناس من المحن؟ فقال: لا يحق لي أن أحزن ولسيدي قرية مملوكة أدخر فيها كلُّ ما أحتاج، فقلت في نفسي: إنّ هذا العبد لمخلوق ولا يخاف لأنّ لسيده قرية مملوكة، فكيف يصح أن أخاف وأنا سيدي مالك الملك، فانتبهت وتبت.

اجعل شعار حياتك هذه الآية: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ} [الأنعام: 162-163]، وحديث النبي (صلى الله عليه وسلك): (أنا بك وإليك) ضعه في بيتك، لتتذكر دائمًا أن توجِّه دفة قلبك لله.

في لحظة الممات يستوي من عاش حياته غنيًّا مع من عاش حياته فقيرًا، ومن عاشها فرحًا من عاشها حزينًا، ولكن لا يستوي من عاشها في طاعة الله، ومن عاشها في معصية الله.

علمت وذلك من فضل الله علي أن أجل النعم أن يجعلك الله في صف الطائعين، وفي فريق المتقين.

هم الدنيا شتات وحيرة، وهم الله أنس وسكينة، قال ابن القيم رحمه الله: (إذا أصبح العبد وأمسى ليس همه إلا الله وحده، تحمل عنه سبحانه حوائجه كلها، وحمل عنه كل ما أهمه، وفرغ قلبه لمحبته ولسانه لذكره وجوارحه لطاعته.

وإن أصبح وأمسى والدنيا همه حمّله الله همومها وغمومها وأنكادها، ووكله إلى نفسه فشغل قلبه عن محبته بمحبة الخلق، ولسانه عن ذكره بذكرهم، وجوارحه عن طاعته بخدمتهم وأشغالهم.

فهو يكدح كدح الوحوش في خدمة غيره، فكل من أعرض عن عبودية الله وطاعته ومحبته بُلي بعبودية المخلوق، ومحبته، وخدمته.

قال تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36]
يقول الله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّه ثُمّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [البقرة:281].

يقول ابن كثير: هذه الآية آخر ما نزل من القرآن العظيم، وقد عاش النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزولها تسع ليالٍ ثم انتقل إلى الرفيق الأعلى.

علمتني الحياة أن أشكو همي إلى الله لأنه وحده من يعلم السر وأخفى وأن أفر من الناس إليه، فأجد عنده سبحانه الرحمة والسكينة والنعيم، علمتني الحياة أن أجعل له قلبي فهو أولى به، وأن أجعل له عملي عسى أن يتقبله مني، وأن أجعل له شكري فهو أهل للشكر.

علمتني الحياة أن الرجل الموفق هو الذي لا يتأثر بمدح الناس فإذا أثنوا عليه خيرًا
إن فعل طاعة لم يزده ذلك إلا تواضعا وخشية من الله وأيقن بأن مدح الناس له
فتنة له فدعا ربه أن ينجيه من هذه الفتنة فليس أحد ينفع مدحه ويضر ذمه إلا الله
وأنزل الناس منزلة أصحاب القبور في عدم جلب النفع لك، ودفع الضر عنك
يقول ابن الجوزي: (ترك النظر إلى الخلق ومحو الجاه من قلوبهم بالعمل
وإخلاص القصد وستر الحال هو الذي رفع من رفع).

نسأل الله العلي العظيم أن يفرج همنا ويكتبنا عنده من أهل التقى والسعادة.


تصفح أيضا

أخبار الطقس

SAUDI ARABIA WEATHER

مواقيت الصلاة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد عبده عوض