العبد الصادق لا يرى
نفسه إلا مقصرًا، كما قال ابن القيم رحمه الله والموجب له لهذه الرؤية: استعظام
مطلوبه واستصغار نفسه، ومعرفته بعيوبها، وقلة زاده في عينه، فمن عرف الله وعرف
نفسه، لم يرَ نفسه إلا بعين النقصان. فيجب أن أكون عن عيوب الناس بمعزل، وألا
أنشغل بتقصير الخلق، بل أنشغل بتقصير نفسي في حق الله، وأن أرى نفسي على حقيقتها
فإذا هي صغيرة مقصرة في جنب الله.
قال السري السقطي رحمه
الله: ما رأيت شيئًا أحبطَ للأعمال، ولا أفسدَ للقلوب، ولا أسرعَ في هلاك العبد،
ولا أدومَ للأحزان، ولا أقربَ للمقت، ولا ألزمَ لمحبة الرياء والعجب والرياسة، من
قلة معرفة العبدِ لنفسه، ونظرِهِ في عيوب الناس، لاسيما إن كان مشهورا معروفا
بالعبادة، وامتد له الصيت حتى بلغ من الثناء ما لم يكن يؤمله، وتربص في الأماكن
الخفية بنفسه، وسراديب الهوى، وفي تجريحه في الناس ومدحه فيهم. [الطبقات الكبرى:
73].
ويؤكد الإمام الشافعي
–رحمه الله: على هذا المعنى فيقول: أرفع الناس قدرًا من لا يرى قدره، وأكثرهم
فضلًا من لا يرى فضله.
أن ترى نفسك صغيرًا، وأن
ترى نفسك مقصرا، وأن ترى نعم الله عليك أكبر من شكرك، وترى فضل الله عليك أعظم من
عبادتك هذا هو هدي الأنبياء، ودأبهم ومنهجهم.
قال إبراهيم - عليه
الصلاة والسلام - في دعائه: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي
يَوْمَ الدِّينِ* رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}
[الشعراء: 82-83].
وقال يوسف –عليه الصلاة
والسلام- في دعائه: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف:
101]. ونبينا صلى الله عليه وسلم على جلال قدره وعظمته ومكانته عند الله وعند
الناس:لما رأى رجلًا مقبلًا يرتعد رهبة قال -عليه الصلاة والسلام-: (هون عليك،
فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة تأكل القديد (وهو اللحم اليابس).رواه ابن ماجه.
وقال أنس بن مالك –رضي
الله عنه: (كانت الأمة –الطفلة الصغيرة- من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله
فتنطلق به حيث شاءت) [أخرجه البخاري: 6072].
وعن
عائشة –رضي الله عنها- قالت:قلت: يا رسول الله! كل جعلني الله فداك متكئا؛ فإنه
أهون عليك، فأحنى رأسه حتى كاد أن تصيب جبهته الأرض وقال: بل آكل كما يأكل العبد
وأجلس كما يجلس العبد. [رواه البيهقي في الشعب].
كان الصالحون دائمًا
يرون نفسهم بعين التواضع لله رب العالمين، لا يغرهم المدح ولا يغيرهم الثناء، قال
أبو سليمان الداراني رحمه الله: (لو اجتمع الناس كلهم على أن يضعوني كاتضاعي عند نفسي-كحطي من قدر
نفسي-ما أحسنوا) [حلية الأولياء (9/274].
وقال
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:(لو تعلمون بعيوبي ما تبعني منكم رجلان؛ ولوددت
أني دعيت عبد الله بن روثة وأن الله غفر لي ذنبًا من ذنوبي) [شعب الإيمان 1/504].
قال سلمة بن دينار
–رحمه الله: (أفضل خصلة ترجى للمؤمن أن يكون أشد الناس خوفا على نفسه وأرجاه لكل
مسلم) [حلية الأولياء 3/233].
قال يحيى بن معين –رحمه
الله-: (ما رأيت مثل أحمد (ابن حنبل) صحبناه خمسين سنة ما افتخر علينا بشيءٍ مما
كان فيه من الخير) [سير أعلام النبلاء 11/214].
وقال محمد بن أسلم
الطوسي رحمه الله: (قد سرت في الأرض ودرت فيها، فبالذي لا إله إلا هو ما رأيت نفسًا
تصلى إلى القبلة شرًا عندي من نفسي ([الحلية (9/244].
اللهم ارحم ضعفنا،
وتجاوز عن خطايانا وهب لنا من عندك وفضلك رحمة يا أرحم الراحمين.