((الخُلُق الحسن استصغار ما منك إليه، واستعظام ما منه إليك))

الرئيسية المقالات مقالات دينية

((الخُلُق الحسن استصغار ما منك إليه، واستعظام ما منه إليك))

((الخُلُق الحسن استصغار ما منك إليه، واستعظام ما منه إليك))
هذه الحكمة، لها جناحان:
الجناح الأول: استصغار ما منك إليه (إلى الله).
الجناح الآخر: استعظام ما منه إليك.
هذا كلام جميل، ومعناه أن كل ما تفعله من حسنات ومن خيرات ومن طاعات، يعتبر صغيرًا بجوار فضل الله عز وجل عليك، بـكم تشتري شربة الماء إذا حيل بينك وبين الماء؟ بالدنيا كلها، إذن كل العبادة التي لك على مدى سنوات عمرك لا تساوي أي شيء بجوار أقل نعمة يعطيها الملك لك، استصغار ما منك إليه، وفي الوقت نفسه استعظام ما منه إليك، أي تعظم شأن الله عز وجل.
قال تعالى: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا}[نوح:13]؛ لأنكم لم تعرفوا قدر الله سبحانه وتعالى ولم تقدروه حق قدره، عندئذ نجهل بالله، ونُغضب الله، ونعصى الله سبحانه وتعالى، هذا معنى استعظام ما منه إليك.
استعظام جميع النعم، أي وضعها في المكان الذي يليق بها، كيف أن الله تعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم؟ وكيف أن الله تعالى أقام السموات السبع، ولم يعي بخلقهن؟ وكيف أن الله تعالى بسط الأرض على ماء جمد؟ هذا هو المعنى، إذن معيار الخُلق الحسن في الإسلام أن الإنسان مهما فعل من أخلاق طيبة بجوار فضل الله سبحانه وتعالى، فلن يكون شيئًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّكم لا تَسَعُونَ الناسَ بأمْوالِكم، ولكِنْ لِيَسَعْهُمْ منكُمْ بسطُ الوجْهِ، وحسنُ الخلُقِ ))( )، أي إن الناس لا يريدون منكم إلا أن تستقبلوهم بالبشاشة، يقول أحد الصالحين: ((لو أن الإنسان أحسن بينه وبين الله سبحانه وتعالى في كل شيء وأساء في دابة مثلاً، فإنه لم يكن من المحسنين))، فالإحسان عملية كلية، والخلق الحسن عملية كلية، فلا تكن في بيتك شريرًا، وعندما تخرج إلينا، أراك من الصالحين الكبار، إنما يجب عليك أن يكون حالك واحدًا، تستصغر الأعمال التي تفعلها، وفي الوقت نفسه تعظم نعمة الله تعالى عليك.
ذكر نفسك أن فضل الله تعالى عليك كبير، والله تعالى يقول: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} [النساء: 174]، هل الله تعالى يريد لكم العذاب والعنت؟ لا، لكن الله تعالى يريد منكم في مجال الأخلاق الحسنة بالأخص أن يكون الإنسان على المرتبة التي كان عليها سيدنا صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].
اللحظات التي كفَّ فيها الأذى عن الغير، والصبر على أذى الناس من أجمل أوقات العبادةو كفُّ الأذى عن الآخرين مع القدرة على الرد، مثال: شخص شتمك أو ضربك أو صفعك، وأنت لم تردَّ عليه بأي طريقة من الطرق، هذا هو الجهاد الكبير، جهاد الحياء، الذي كان عليه رسول اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام، الخلق الحسن استصغار ما منك إليه، واستعظام ما منه إليك لماذا؟.
لأن الإنسان عندما يستصغر الحسنات التي فعلها، يكون في حاجة إلى أن يفعل المزيد، والمزيد، ولا يتعاظم الأمر في نفسه، فيقول أنا أفعل كذا، وكذا، ففي الحديث((لا يَدْخُلُ أَحَدٌ مِنكم الجنةَ بِعَمَلِه، قالوا: ولا أَنتَ يا رسولَ اللهِ؟ قال: ولا أنا، إلَّا أنْ يَتغمَّدَني اللهُ منه بِرَحْـمةٍ وفَضْلٍ، ووَضَعَ يَدَه على رَأْسِه))( )، فتبين في النهاية ان الجنة يكون دخولها برحمة الله سبحانه.
سيدنا موسى عليه السلام يقول لربه سبحانه وتعالى: يا رب أسألك ألَّا يذكرني أحد بسوء، لا يعيب عليَّ أحد، يا رب امنع الناس أن يقعوا في عرضي، فقال له الملك: لا يا موسى، لن يحدث، ما فعلت هذا لنفسي، فكيف أفعله لغيري، أي أن الله سبحانه وتعالى ترك العباد يقولون ما يقولون، ويفعلون ما يفعلون، وهو الرازق، وهو الخالق، وهو المعطي، وهو المتفضل، ورغم هذا، الذي يسب الدين يعيش، ويرزقه الله تعالى، والذي يفعل المعاصي يعيش، ويرزقه الله تعالى، والذي يقع في الكبائر يعيش، ويرزقه الله. ولكن الله تعالى يمهلهم حتى إذا أخذهم لم يفلتهم.
ولو أن الله سبحانه وتعالى عاملهم بالسوء، فلن يحتملوا أن يعيشوا أبدًا، لأنهم خالفوا العهد الذي بينهم وبين الله. قال تعالى: {إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 172]، ألست بربكم؟ قالوا بلى شهدنا، هذا العهد لا يتحمله إلا القليلون من الناس، قال الملك: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا، وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا، وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا } [النساء: 66 -68].
لا يتحمل أحد هذا، هذه رسالة لا يقدر عليها أحد، رسالة صعبة، وتبعاتها ثقيلة، سيدنا موسى يطلب من الله عز وجل أن يبعد الناس عنه، كُفَّ عني أذى الناس، قال له الملك: لا يا موسى، هذا هو الجهاد الطبيعي، أن تكون في الحياة، وأن تخالط الناس، وأن يخالطك الناس، وأن تتحمل الناس، لأن الله تعالى هو الملك هو العظيم، ورغم هذا يتحمل عباده، عندما يخطئون وعندما يسيئون.
كان الإمام علي رضي الله تعالى عنده حوض يسقي الناس منه، مكان به ماء يبرده للناس، وعندما يمرون يشربون، فتكالب الناس على هذا الحوض فكسروه، فغضب لكنه اضطجع، فقال له الناس: مالك فعلت هذا؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا، وهذا الحديث نصه: ((إذا غضِب أحدُكم وهو قائمٌ فلْيجلِسْ فإنْ ذهَب عنه الغضبُ وإلَّا فلْيضطجِعْ))( ).
إغلاق أبواب الانفعالات الزائدة التي تؤذي النفس وتؤذي القلب وتؤذي الروح، استصغار ما منك إليه، ستكون مثل سيدنا داود عليه السلام، يستحيل، إذا كنت متصدقًا، ستكون مثل سيدنا سليمان عليه السلام؟ يستحيل، إذا كنت صابرًا، ستكون مثل سيدنا أيوب عليه السلام؟ يستحيل، دعني أعدد لك.. لو أنك داعية في مقام التبليغ، ستكون مثل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟ يستحيل، لو أنك في مقام المجاهدة والصبر على النار، ستكون مثل سيدنا إبراهيم عليه السلام؟ يستحيل، لو أنك في باب تنفيذ التعليمات الربانية، ستكون مثل سيدنا إسماعيل عليه السلام؟ يستحيل،{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات: 102].
هناك غيرك سابقون بكثير، إذن يجب عليك أن تستصغر ما منك إليه، صليت أمس الفجر؟ نعم، وتهجدت؟ نعم، كم ساعة؟ ساعة. غيرك كان يتهجد نصف الليل، مثل أبي هريرة رضي الله تعالى عنه. وغيرك ربع الليل ثلاث ساعات، أو أربع ساعات، إذن العبادة التي تؤديها بجوار ما يفعله الآخرون، لا تساوي شيئًا، إذن يجب عليك أن تستصغر العبادة، في كم يوم تختم القرآن؟ في أسبوع؟ نعم في أسبوع، غيرك كان يختمه في ثلاثة أيام، والذي يختم في ثلاثة، يعرف أنه يمكن لبعض الناس أن يختموه في يومٍ واحد، كما كنت أفعل وأنا صغير، إذن يجب عليك أن تستصغر ما منك إليه في كل شيء، في الأخلاق، في الأرزاق، في الأدب، في الكمال، في العبادة، في العطاء، بماذا تصدقت؟ بـمائة ألف، بـعشرين ألفًا، بـثلاثين ألفًا، سيدنا عثمان بن عفان جهز جيش العسرة بأكمله، وكانوا ثلاثين ألفًا جهزهم، أي مليارات، واستغرق الجيش ستين يومًا في شدة الحر، إذن أنت بالنسبة له لا شيء.
في كل مجالٍ تجد من هو أفضل منك، مهما كنت حليمًا، سترى الأحنف بن قيس، الذي أنعم الله تعالى عليه بالحلم، أراد الصبية أن يشتموه في الشارع بدون مناسبة، حتى إذا اقتربوا من الحي الذي يسكن فيه، قال لهم كفى، أخشى عليكم إن جئتم إلى هناك سيضربونكم، أي أهله، ارجعوا من حيث شئتم، فرجعوا؛ لأنه خائف عليهم من أذى أهله.
كان لأحدهم دابة وذات يوم نظر إليها، فإذا هي بأرجلٍ ثلاثة، تقف على ثلاثة، والطبيعي أن تقف على أربعة، وكان عنده غلام خادم، قال له أين الرابعة؟ فقال له قطعتها لكي أغمك، فقال له أنت حر لوجه الله، وهذا هو التحدي، استصغار ما منك إليه.
أنت تبر بأمك، وتحب أمك، لكن ربما يكون حبك للزوجة أعلى في المرتبة من حبك لأمك، إذن أنت رسبت في الامتحان، ربما يكون حبك لأولادك مقدمًا على حب أمك، إذن أنت رسبت في الامتحان.
رغم كل هذا لو أنك تحب أمك جميع الحب، وتعطي لها جميع القلب، هي أفضل منك عند الله، هل تعلم لماذا؟ لأن أمك تعبت معك، ولا زالت تخاف عليك وتخشى عليك من كل شيء، وأنت تعطف عليها لكن في داخلك تتمنى لها الموت، فوارق كبيرة علمنا إياها النبي صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه الكرام.

تصفح أيضا

أخبار الطقس

SAUDI ARABIA WEATHER

مواقيت الصلاة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد عبده عوض