انعكاسات وتجليات اسم الله تعالى المتين على حياة المسلم
اعلم أخي المسلم أنه إذا ذكرت اسم الله تعالى المتين وآمنت به حق الإيمان فإنه يتحقق لك عدة فوائد:
الأولى: أن يقدر على ستر عيوب غيره:
يعتبر خلق ستر العيوب من مفاخر دين الإسلام، ذلك أن المجتمع الذي يغلب عليه الطهر لا يظهر من الأخبار إلا ما كان طاهرًا عفيفًا، ويظل المسر بالمعصية مستورًا بستر الله عليه إلى أن يتوب وعلى المؤمنين أن يستروه ؛ لأن في سترهم له دافعًا لأن يبتعد عن المعصية، ولا يصر عليها، لذلك نجد أن الإسلام قد استقبح شأن الفضيحة لأخيه فقال – تعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُون}[النور:19].
وهذا الوعيد الشديد يقابله بشارة للذين يكتمون عيوب إخوانهم، فكما جاء في الحديث الصحيح «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْـهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَـى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْـهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَـرَ مُسْلِـماً، سَتَـرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أخِيهِ».
والله – تعالى – قد كافأ من ستر نفسه بالمغفرة، فجاء في الحديث: «إن الله يُدْنِى المؤمن فيضع عليه كنفه وستره من الناس ويقرره بذنوبه فيقول أتعرف ذنب كذا أتعرف ذنب كذا فيقول نعم أى رب حتى إذا قرره بذنوبه ورأى فى نفسه أنه قد هلك قال فإنى قد سترتها عليك فى الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم ثم يعطى كتاب حسناته بيمينه وأما الكافر والمنافق فيقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين» .
فليستر المسلم نفسه، كما ستره الله، وستر العيوب فيه حياة للمستور الذي يتعامل مع الناس دون أن تشير إليه الأصابع، أو تنهشه النظرات، أو تقتله عقدة الذنب، ولعل هذا هو ما أشار إليه الرسول – صلى الله عليه وسلم – بقوله: «من رأى عورة فسترها كان كمن أحيا موءودة من قبرها» .
وجه الشبه هنا أن الساتر يدفع عن المستور الفضيحة بين الناس، التي هي كالموت، فكأنه أحياه، وذلك كمن دفع الموت عن الموءودة بأن أخرجها من القبر قبل أن تموت، وهكذا على المسلمين أن يحرصوا على ستر عيوب أنفسهم، وستر عيوب غيرهم، حتى ينالوا مغفرة الله تعالى، وحتى يسلم المجتمع من الشرور والآثام .
الثانية: أن يكون قادرًا على العطاء:
خلق الله تعالى الناس متفاوتين في الأرزاق ليتخذ بعضهم بعضًا سخريًّا، ولينمي فيهم سبحانه العطاء والعطف على بعضهم بعضًا، فخلق العطاء من علامات الرقي الإنساني والسمو بالفطرة إلى أعلى درجاتها، وحب العطاء يجرد المسلم من أنانيته، وشحه وقسوة قلبه، ويوطد علاقات المحبة والود والرحمة والحنان بين المعطي والآخذ، والله تبارك وتعالى هو المعطي الأعظم، الذي لا ينقطع عطاؤه، ولا ينفد ولا ينتهي، فهو صاحب الجود والكرم، وعطاء الله – تعالى – قد يكون في الدنيا لأهل الطاعة وأهل المعصية، وعطاء الدنيا يخضع لقانون الابتلاء الذي قد يكون للمسلم ولغير المسلم على حد سواء، أما عطاء الآخرة فهو عطاء الفضل العظيم الذي يمنح لأهل السعادة والتقوى، قال – تعالى – في شأن عطاء الدنيا:
{مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا* وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا* كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء:18- 20].
وقال – جل وعلا – في شأن الآخرة:
{وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذ}[هود:108].
ورب قائل يقول: لماذا لم يوسع الله – تبارك وتعالى – لكل العباد في الدنيا، ويغدق عليهم في العطاء؟
والجواب عن ذلك أن الله – تعالى – يختبر عباده ويمتحنهم في التوسعة وفي الضيق، وينظر جل وعلا هل سيشكر صاحب النعمة أم يكفر بها؟ هل سيصبر المحروم أم يضجر، هذا وللعطاء في الإسلام مجالات متعددة، نذكر منها ما يلي:
- عطاء أهل العلم والمعرفة، حيث يوجد الكريم المحب للعطاء، والبخيل الممسك، وقد حذر الإسلام من حبس العلم عن الناس، وحث على بذل الجهد لتوصيله لهم .
- عطاء المال وهو يشمل المأكل والمشرب والمسكن، وكل شيء يمكن أن ينتفع به الناس، وهو باب واسع العطاء.
- عطاء النصح والإرشاد للمسلمين، وقد ارتقى الإسلام بالنصح وجعله مساويًا للدين، وقال – صلى الله عليه وسلم -: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ». قُلْنَا: لِـمَنْ؟ قال: «لِلَّـهِ وَلِكِتَابِـهِ وَلِـرَسُولِـهِ وَلأئِمَّةِ الْـمُسْلِـمِينَ وَعَامَّتِـهِـمْ».
- وقد يكون العطاء بمعاونة الآخرين في أعمال تتطلب جهدًا جسديًّا، يمثل إماطة الأذى عن الطريق، أو مساعدة الآخرين في حمل أو رفع شيء.. إلخ .
- وقد يكون العطاء معنويًّا ،بالتعاطف مع الآخرين، ومحاولة حل مشاكلهم .
- وأعلى درجات العطاء أن يجود المسلم بنفسه في سبيل إعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى .
هذا وعلى المسلم أن يعود نفسه العطاء والإنفاق في سبيل الله، وعليه أن يغرس هذا الشعور في نفوس أهله وأولاده، حتى يتجرد المجتمع كله من الشح والبخل، وحتى يعطف الغني على الفقير، والقوي على الضعيف، ونكون إخوة في الله متحابين ومتعاونين.
الثالثة: أن يتمكن من القدرة على الصبر:
الصبر قوة داخلية في نفس الإنسان تمكنه من السيطرة على نفسه في مواجهة المحن والنوائب، والصبر لا غنى عنه لأي إنسان، وكفى الصابر عزًّّا وفخرًا أن الله – تعالى – يحبه، قال جل وعلا: { وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِين}[آل عمران:146].
وقال – عز من قائل: {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَاب}[الزُّمَر:10].
هذا وجاءت الأحاديث النبوية الشريفة مصرحة بأن الصابرين لهم الجنة، فقد قال – صلى الله عليه وسلم -: «يقول الله – تعالى -: يقول الله ما لعبدى المؤمن عندى جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة» .
ومعنى صفيه: ولده .
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الله قَالَ: إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْـهِ فَصَبَرَ، عَوَّضْتُـهُ مِنْـهُـمَا الْـجَنَّةَ». يُـرِيدُ: عَيْنَيْـهِ. .
وقد علمنا المصطفى – صلى الله عليه وسلم – أن الصبر الذي يؤجر عليه المرء هو الذي يكون عند الصدمة الأولى، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقَالَ: «اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي» قَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي، وَلَمْ تَعْرِفْهُ، فَقِيلَ لَهَا: إِنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَتْ بَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ، فَقَالَتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ، فَقَالَ: «إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى»
والصبر له مجالات عديدة في حياة المر، نذكر منها ما يلي:
- التحكم في النفس عند الغضب.
- التحكم في النفس عند التعرض لمثيرات الخوف.
- التحكم في النفس عندما تنازعها نوازع الطمع.
- التحكم في النفس عندما تنازع الإنسان غرائزه وأهواؤه .
- التحكم في النفس عندما تنازع الإنسان دوافع الرعونة لتحقيق مطالب مادية أو معنوية معينة .
- التحكم في النفس عند تعرض الإنسان للسآمة والملل، ويطلب منه القيام بعمل يحتاج إلى جهد ومثابرة .
- ضبط النفس عند حلول المصائب والمكاره .