التعاون على البر والتقوى بين الزوجين

الرئيسية المقالات مقالات دينية

التعاون على البر والتقوى بين الزوجين

من أعظم الأهداف وأجلها ومن أهم الأشياء فى حياتنا أن نزرع السعادة فى بيوتنا؛ فتصبح بيوتنا جنة وارفة الظلال ينبع فيها الرفق والإحسان والمودة.قال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الروم: 21).

ولنتأمل ما تحمله هذه الآية من معانى السكينة التى يتبدد فى سمائها القلق والحزن والاضطراب ليجد المؤمن والمؤمنة البيت مكانًا للسكينة والراحة والسعادة.

وما تحمله كلمة بينكم التى تعنى المشاركة والتبادل لهذه المودة والرحمة وهما أعظم صفتين يقوم عليهما سعادة البيت المسلم. المرأة الصالحة تحرص على أن يطعمها زوجها من الحلال.. وترفض عيشة الرفاهية والقصور إذا كانت من مصدر لا يرضى عنه الرحمن.
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: (الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِهَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ) [أخرجه مسلم]. المرأة الصالحة تشد أزر زوجها وتعضده على دينه ودنياه، وتحوطه من الوقوع فى مأزق المعصية والذنوب، وتكفل له أجواء الحب والانس والسكينة والطمأنينة، وتقاسمه أفراح الحياة وأتراحها، يقول النبى – صلى الله عليه وسلم-: (ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله عزّ وجلّ خيرًا من زوجة صالحة) [أخرجه الترمذي].
المرأة الصالحة تحرص على أن تعين زوجها على الثبوت على طريق الطاعة فإذا فترت همته أعطته الحافز والتذكير والهمة.
وكأن هذه المرأة الصالحة تعرف أن نعيم طاعة ربها أعظم وأجل من نعيم الدنيا كلها.
وإننا حين نقول هذا الكلام لا نعدم له نماذج من تاريخنا المشرق بالطاعة، فكثيرة هى قصص السابقين ومواقفهم التى كانت المرأة تقول لزوجها، إذا خرج للعمل: اتق الله فينا، وأطعمنا الحلال، فإنا نصبر على الجوع، ولا نصبر على النار. وكانت المرأة تقول لزوجها: ألك إلى حاجة؟ فإن قال: لا، تستأذنه لقيام الليل. وكان الرجل يخرج لعمله، ويأخذ زاده، ويتصدق به، ويرجع إلى بيته صائما، ليعطى زوجته وأبناءه درسًا فى الإيثار ويضعهم على طريق الطاعة.
كان الزوج يحرص على أن تظلّ زوجته تحت ظل الطاعة الوارف وفى جنى رضى الرب الكريم ويقيها كما أمرنا ربنا كل طريق وفعل لا يرضى رب العالمين.
خاطب الله- تعالى- المؤمنين فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التحريم: 6].
قال بعض السلف: (إذا سمعت (يا أيها الذين آمنوا) فأرع لها سمعك؛ فإنه إما أمر تؤمر به، أو نهى تنهى عنه)، وهو إنما خاطب أهل الإيمان لأجل أنهم هم الذين ينتفعون بالخطاب والمعنى: اجعلوا بين أنفسكم وأهليكم وبين عذاب الله وقاية تقون بها أنفسكم وأهليكم من النار. قال زيد بن أسلم- رضى الله عنه- لما نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول الله، هكذا نقى أنفسنا، فكيف نقى أهلينا؟ قال: (تأمرونهم بطاعة الله). وهذا الأمر من الله من أعظم الأوامر لعباده؛ إذ تظهر فيه رحمة ربنا- سبحانه- لعباده، ولطفه بهم، وأنه أرحم بهم من آبائهم وأمهاتهم؛ لذا قال على- رضى الله عنه- فى تفسيرها: (علموا أهليكم خيرًا)، وقال مجاهد: (أوصوا أهليكم بتقوى الله)، وقال قتادة: (مروهم بطاعة الله، وانهوهم عن معصيته).
وقال ابن عباس- رضى الله عنهما-: (قوا أنفسكم) بالانتهاء عما نهاكم الله عنه، والعمل بطاعته، (وأهليكم) يعنى مروهم بالخير، وانهوهم عن الشر، وعلموهم وأدبوهم تقوهم بذلك، (نارًا وقودها الناس والحجارة)
وقد علّمنا النبى صلى الله عليه وسلم قيمة التعاون على الطاعة بين الزوجين:
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم-: (رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِى وَجْهِهَا الْمَاءَ رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِى وَجْهِهِ الْمَاءَ) [رواه أحمد].
وانظر فى ألفاظ الحديث واستهلاله بدعاء النبى – صلى الله عليه وسلم – بالرحمة لهذا الزوج الذى يعين زوجته على طاعة الله سبحانه وتعالى، ثم دعائه لهذه المرأة الصالحة التى تعين زوجها على طاعة ربه. ثم إن هذه الطاعة التى يحرص الزوج على أن تنال الزوجة خيرها هى الصلاة فى جوف الليل، وهو أقرب الأوقات إلى الإجابة وأقرب الأوقات إلى رضا الرحمن سبحانه وتعالى.
وكأن هذا الزوج بدافع الحب ودافع المودة يستشعر حلاوة الصلاة فى هذا الوقت الذى يخلو به بخالقه يبثه نجواه، فإذا به يريد أن ينال أقرب الناس إليه من هذا الخير العظيم فيوقظ زوجته التى جعل الله بينه وبينها مودة ورحمة وحبًا ورفقة على طريق الطاعة لتنال من هذا الخير. وكأن هذه الزوجة استشعرت فى صلاتها بجوف الليل عبير الجنة ورائحتها فأرادت أن ينال منها أحب الناس إليها وهو زوجها الصالح الودود. ما أجمل هذه الحياة الإيمانية، وما أجمل هذه الرفقة الدعوية. إنها أعظم بنيان للبيوت السعيدة التى تقوم على التعاون على البر والتقوى. الزوجة الهادية لزوجها امرأة صالحة فى نفسها ترغب فى بذل الخير وتسعى لنيل الأجر العظيم الذى وعد به النبى صلى الله عليه وسلم فى قوله: (الدال على الخير كفاعله) رواه أحمد والترمذي. فهى تبذل الوسع فى هداية زوجها وإعانته على الخير، وهى تسعى لزيادة إيمان زوجها، وتحرص أشد الحرص على الصحبة الطيبة.

تصفح أيضا

أخبار الطقس

SAUDI ARABIA WEATHER

مواقيت الصلاة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد عبده عوض