من علامات الحسد

من علامات الحسد
أمرٌ آخر نتناوله - سلمكم الله تعالى وأحبكم وأعزكم، وبارك الله تعالى فيكم وأذاقنا وإياكم حلاوة الإيمان وبرد الإيمان وعفو الرحمن – وهو أنَّ هناك علاماتٍ تظهر في جسم الإنسان، وتستقرّ في جسمه أشياء وعلامات مُعيَّنة من الحسد، مثل: بُقع معينة، وتغييرات مُعينة في الجسم أو في الوجه، وهذا هو حديث السيدة أم سلمة- رضي الله تعالى عنها - والحديث في البخاري: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى في بيتها جارية وفي وجهها سفعة، يعني علامة أو بقعة سوداء، فقال النبي: (استرقوا لها [أي قوموا برقيتها]، فإن بها النظرة)، يعني هذه الفتاة، هذه الخادمة، محسودة، بمعنى أن الحَسَدَ ينال الناس كلهم، سواء أكانوا أغنياء أم فقراء، كل الناس تصيبها العين ويصيبها الحسد، وعندما تمت رقية هذه الخادمة، ذَهَبَ مَا كَان عندها وذهبت تلك السَّفعةُ التي كانت في وجهها.
وفي هذا الحَديثِ تَحكي أُمُّ سَلمَةَ رَضيَ اللهُ عَنها أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَأى في بَيتِها جارِيةً في وَجهِها سَفعَةٌ، أيْ: سَوادٌ غير في لون الوجه، فَقالَ: استَرْقُوا، أيِ: اطْلُبوا الرُّقيَةَ لأن بها نظرة، أي: حسدا.
ذكر الإمام ابن القيم جميع الأدلة الصحيحة من الكتابِ والسُّنةِ التي تشير إلى وجوبِ أن يُحَصِّنَ الإنسان نفسه وبيته وأولاده من الحَسَدِ، ثم يرى ابن القيم أن الحَسَدَ يكون من الإنس، ويكون من الجِنِّ على حَدٍّ سواء.
ويعرض الإمام ابن القيم الموضوع عرضًا جميلاً، ويقول: إن العين فاتكة تفتك بالإنسان، ويستشهد ابن القيم بقوله تعالى: {وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} [القلم:51]، "فالزلق" في لُغةِ العَربِ: تَبَدُّلِ الحالِ وفساده وتردبها، ودمارِ النَّاسِ، {وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ} أي: يغتالونك، يزلقونك بمعنى يغتالونك، ولكن بماذا يغتالونك؟ بماذا يزلقونك؟ هل يتم ذلك بأسلحتهم؟ والإجابة لا، ولكن بأبصارهم، يقول تعالى: {وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} [القلم:51]، يعني يحسدونك على أنَّ اللهَ تعالى عَلَّمَكَ الذِّكرَ، وأنَّ اللهَ تَعَالى عَلَّمكَ القرآنَ - بأبي أنت وأمي يا رسول الله - ولذلك تُلاحظون أَنَّ أيامَ الدِّراسةِ في الامتحانات - بالذَّاتِ - يشتد الحسد؛ لأنَّ هناك من يزلقونكم بأبصارهم، وهذا التعبير القرآني:
{وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} [القلم:51]، هو تعبير قرآنيٌ عجيبٌ، مُزَلْزِلٌ، ولابد أَنْ نَعرِفَ أَنَّ قُوَّةَ الحَاسدِ مُتمركزةٌ في بَصَرهِ حتى سَمَّاها ابن القيم - رحمه الله – "القوة السُّمية"، أي: من السُّمِ، يقول تعالى: {وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ}[القلم:51].
اللهُ أكبرُ، كَلامٌ جَميلٌ، وكَلامٌ مُهمٌ، إشارةً إلى أنَّ العينَ الحَاسدةِ قد تَأتِي لك من المُسلمِ أو من غيرِ المُسلمِ، وهناك أدلةٌ في البخاري ومُسلمٍ على الحَسَدِ، وفي القرآنِ - نفسه - في سُورةِ البقرة مِثالٌ عَلَى حَسَدِ اليهودِ للمسلمين، وعلى حَسَدِ المُنافقين للمسلمين، وعلى حَسَدِ الكُفَّارِ للمسلمين، حتى قال الملك سبحانه: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [النساء:54].
وقد ذَكَرَ ابن القيم بعد كلامه مجموعة من العلاجات الجميلة المهمة التي نستعين بها في الحذر من العين، وسنستعير من الإمام ابن القيم بعضًا منها؛ لأنها جميلة.
عن هشام بن عُروة، عن أبيه أنه إذا رأى شيئا يعجبه، أو دخل حائطا من حيطانه ما هو الحائط؟ الحائط ليس الجدار، وإنما الحائط هو البستان، فكان إذا دخل الحائط يعني البستان - سلمكم الله تعالى وأحبكم وأعزكم، وبارك الله تعالى فيكم، وأذاقنا وإياكم حلاوة الإيمان، وبرد الإيمان وعفو الرحمن - فإنه كان يقول كما تعلم من القرآن: {مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} [الكهف: 39]، [تفسير الإمام البغوي]، وهناك رُقيةٌ يَجِبُ عَلَى الأمةِ الإسلاميةِ كُلَّها حِفْظُهَا، وهي رُقيةٌ مُعينةٌ تُسَمَّى بُرُقيةٍ "جبريل عليه السلام" التي كان يُرْقَى بِهَا النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان جبريل - عليه السلام - وهو يَرْقِي حبيبكم نبيكم - صلوات ربي وسلامه عليه - بأبي أنت وأمي يا رسول الله - كان يقول: "بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك، الله يشفيك، بسم الله أرقيك"، ونص الحديث كاملاً: عن أَبي سعيد الخدري - رضي الله عنه: أن جِبريلَ أتَى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، اشْتَكَيْتَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: بِسْمِ الله أرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ، اللهُ يَشْفِيكَ، بِسمِ اللهِ أُرقِيكَ"، [أخرجه الترمذي (972) باختلاف يسير، وابن ماجه (9523) واللفظ له].
هذا كَلامٌ مُهمٌ وكَلامٌ جَميلٌ، وهي رُقيةُ سيدنا جبريل - عليه السلام - للنبي الكريم، صلوات ربي وتسليمه عليه: "بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، من شرّ كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك، بسم الله أرقيك".


تصفح أيضا

أخبار الطقس

SAUDI ARABIA WEATHER

مواقيت الصلاة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد عبده عوض