علاج الخيانة.

علاج الخيانة.

لعل الدروسَ الحاليةَ التي أقدمها لك باحثين عن النجاة في كلام الله تعالى وفي سنة رسوله تصب بك في النهاية إلى قلب صلب بالإيمان لا يهتز ولا يتريب ولا يتحول؛ لأن هذه الأذكار والأوراد التي أقصها لك كل ليلة، وأقدمها إليك بالتدريج تنشئ قلبا حاضرا ولسانا ذاكرا، والحفاظ على هذا القلب الذاكر والحفاظ على اللسان الذاكر معناه راحة القلب وراحة البدن وبعد طول تمرس مِنِّي في التعرف على مشاكل الناس اليومية الطاحنة؛ فإنني لم أجد أصلح ولا أنفع لمداوة هذه القلوب ومعالجتها هذه القلوب من استدامة ذكر الله عز وجل وربما كان دعاء واحدا أو ذكرا واحدا يستطيع أن يقف الإنسان به على قدميه مرة ثانية كما رأيت – سلّمك الله وأحبك – من تحول الأحوال عند كثير من الناس؛ حيث كان توجيه النبي العظيم توجيها جميلا.
بالأمس تزلزل الناس معنا عندما ذكرنا أدعية يحذر فيها النبي من الخيانة وربما أتى هذا الكلام مناسبا لحالة كثير من الناس ممن يشعرون بهذه الحالة دون أن يقصدوا أنها خيانة شرعية، وسنحاول أن نستكمل الكلام في درس الليلة عن هذا الأمر، ودرس الليلة ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
1- القسم الأول:
جوامع الدعاء وهو باب مهم جدا ومؤثّر، ومن جوامع الدعاء: (اللهم طهر قلبي من النفاق، وعملي من الرياء، وعينيّ من الخيانة ولساني من الكذب)، والجملة الأخيرة: (ولساني من الكذب) هي زيادة في بعض الروايات، والدعاء بأكمله كما يلي: (اللهم طهّر قلبي من النفاق، وعملي من الرياء، وعينيّ من الخيانة ولساني من الكذب، فإنك تعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور). [أخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» (5/ 268)].
وهذا الحديث من جوامع الكلم عند النبي الكريم، وهو من الأحاديث التي يسميها بعض شرّاح الحديث: "أحاديث طهارة" أي: طهارة القلب وطهارة الجوارح؛ لأن الله عز وجل لا يستجيب لقلب إلا إذا كان هذا القلب نقيا تقيا بريئا من النفاق، ولا يستجيب الله لقلب معلقا ومتلوثا بالذنوب والمعاصي؛ فاللهمّ طهّر قلوبنا من النفاق يا ربّ العالمين.  
ومعنى الحديث: "اللهم طهّر قلبي من النفاق"؛  فالعمل عندما يختلط به الرياء فإنه يُحبط.
"وعينيّ من الخيانة": وتلك مصيبة كبيرة تحدثنا عنها بالأمس وهي خيانة العينين وخيانة القلب وخيانة المشاعر وخيانة الضمير، وهذه الأنواع الأربعة التي قلتها لك، كل نوع منها يعد مصيبة كبيرة في حد ذاته – أعاذني الله تعالى وإياكم من الخيانة – وهي تسمى بالأمراض المستترة، فهو إحساس في داخل الفرد وهو كلام صعب صعيب، ولا أحب أن أعيده ولا أن أعكر مزاجكم الكريم مرة ثانية فالرجل الذي يخون، والمرأة التي تخون ليس بالضرورة أن يقول: إنني خائن ولا حتى يعترف أنه يخون ولا يرى أنه على باطل، والاختلاط الذي بين الناس – سلمكم الله تعالى – يُسهِّل أسباب الخيانة، ليس لأن الإنسان سيخون بجوارحه ولكن تتاح له فرص معينة أن يجلس إلى نساء أو أن تجلس إلى رجال فترات زمنية طويلة ويدور كلامهم بطريقة أو بأخرى، وكل منهم يتمنى ويشتهي ويقارن فعندما تعود هذه المرأة إلى بيتها فترى زوجها فتقارن بين زوجها، وبين زميلها الذي كانت معه أو شيء من هذا القبيل، ولا أحب أن أتكلّم في هذا كثيرا، لكنه مما حذّر منه النبي الكريم – صلوات ربي وتسليمه عليه – ونفس الكلام معه فيما يتعلق بالنساء؛ فبعضهن يتعمد أن يهدم البيوت هدما، أو أن يسأل الرجل أسئلة تخترق أعماق بيته وتخترق في غرفة نومه والعياذ بالله – سلمكم الله تعالى وأحبكم – فهذه خيانة بطبيعة الحال دون أن يقع الإنسان في معصية مباشرة؛ فهي خيانة بالقول، وخيانة بالجوارح وتحت بند خيانة الضمير وهي خيانة بالإحساس؛ فبمجرد أن تقارن – سلّمك الله وأحبك وأعزك – ومجرد أن تشتهي ومجرد أن تتمنى ما في يد غيرك، ولعلكم تابعتم معنا اتصالا هاتفيا قبل شهر في أحد أيام الخميس في صباح الإيمان، وإذا بأحد الأشخاص يتصل بي وقال: إنه يحبّ امرأة متزوجة ويموت في حبها، وسيموت إن لم يتزوج بها وهي مع رجل آخر وعنده أولاد منها، ويقول: إنه ليس هناك مشكلة، ومن الممكن أن يطلقها ويتزوجها هو وكل هذا الكلام منه، ولا يرى نفسه على باطل، وليس عنده شعور بأنه مذنب ولا أي شيء من هذا القبيل أبدا، ولا يرى نفسه أنه خائن أصلا.
ولأجل هذا كله فإن النبي – صلوات ربي وسلامه عليه – عندما يتحدث عن العفة التي قد يبدو ظاهرا أنها موجودة لكن الباطن في حياة الناس وما تخفي الصدور – أعزك الله وأحبك – ولا تبيح به الألسن شيء كبير، وشيء عظيم  - سلمكم الله تعالى وأحبكم وأعزكم – وكل منا يراجع نفسه في هذه المسألة بالذات وهي مسألة العفة، ولعلكم تلاحظون أن معظم الأسئلة التي تأتي إلينا من الناس من أحبابنا تحمل هذه المعاني بصورة واضحة بصورة صريحة، وربما يتوارى بعض الناس عن الكلام ويخاف بعض الناس من الفضيحة، أو من الإثم أو من الشماتة ولكن بعض الناس – سلّمكم الله تعالى وأحبكم – يتصوّر أنه يفعل شيئا طبعيا أو شيئا تلقائيا عندما يتمنى ما في يد غيره، أو تتمنى المرأة ما في يد غيرها، ولذا قلت لكم: إن النبي محمد دقيق الملاحظة بمعنى أنه يتفرس الناس وأحوال الناس، ويلتقط من أحوال الناس ما يصلح به أحوال الناس، وهذه معانٍ جميلة لعلك تعيشها معي، إن شاء الله تعالى.
وكانت حلقتنا هذه تدور حول أهمية أن يتخلص الإنسان من أشياء معينة ويلقي بها في سلة المهملات كي يرتقي، وعلّمنا أن هذه الأشياء هي ما دار حولها الحديث الشريف والدعاء الكريم من تطهير القلب من: النفاق والعمل من الرياء، والعين من الخيانة واللسان من الكذب.
ومن الأدعية الجامعة – أيضا – دعاء مهم جدا يقدم لكم الزُّبد من المعاني المشتملة ، ونبدأ بتفصيل الأمر في هذه العناصر الثلاثة: (الدين – الدنيا - الآخرة).
والحديث كاملا: عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر» [مسلم، باب التعوذ من شر ما عمل، ومن شر ما لم يعمل، 4 /2987].
- والشقّ الأول والعنصر الأول من الدعاء هو صلاح الدين: (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري)؛ فعصمة أمر الإنسان أساسها في الدين، فالإنسان بلا دين بلا عقيدة لا يكاد يساوي شيئا، سلّمكم الله وأحبكم.
- والشق الثاني، والعنصر الثاني من الدعاء هو صلاح الدنيا: (وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي).
- والشق الثالث والعنصر الثالث والأخير من الدعاء هو الفلاح والصلاح في الآخرة: (وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي).
ونهاية الحديث الشريف: (واجعل الحياة زيادة لي في كل خير)، وهو معنى جميل مأخوذ من القرآن الكريم فلو كان الإنسان ملتزما أو كان في حالة خشوع مثلا أو كان في حالة ارتفاع بالإيمان أو كان ذهنه صافيا ثم بدأ الهم يطرق أبوابه، ويتكاثر عليه فإنه لو ترك الهمّ يسيطر عليه لقلت عنده الطاعات، وفي بعض الأحيان وباختلاف الأمور تتغير أحوال الناس، ويضعف عندهم الإيمان في فترة من الفترات، ولكنهم يجب عليهم ألا يستسلموا لذلك، وأن يعاودوا الكرَّة بعد الكرَّة، ويجب علينا أن نحذر عوامل التردي التي حذَّر منها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
ومن تأمل الحديث الشريف يلاحظ: (واجعل الحياة زيادة لي في كل خير)، فالكلمات الواردة بالحديث كلمات دقيقة جدا؛ فالدعاء بجملة: "أن تكون الحياة زيادة في كل خير" فيه مغزى، وهو أن الحياة من الممكن أن تكون زيادة، ولكنها زيادة ليست في الخير، بل من الممكن أن تكون الحياة زيادة في الشر؛ فمن الممكن أن يستخدم الإنسان وقت فراغه مع الرفقة السيئة ويفعل المنكرات والمحرمات والمعاصي والآثام في وقت فراغه، وعلى هذا فإن الحياة تكون زيادة في الشر وليس الخير إلا من رحم ربي.
ونجد في الحديث الشريف أيضا: (واجعل الموت لي راحة من كل شر)، والموت من الممكن أن يكون راحة للإنسان، وذلك يتضح من تعوذ النبي الكريم من فُجاءة نقمتك.
والحديث الذي بين أيدينا من أمتع الأحاديث، فهو من جوامع الكلم لم يترك شيئا إلا وقد ذكره النبي الكريم لإعانة الإنسان والأخذ بيده نحو ربه فنجد الحديث يتحدث عن: (الدنيا والدين والحياة والموت). 
 

تصفح أيضا

أخبار الطقس

SAUDI ARABIA WEATHER

مواقيت الصلاة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد عبده عوض