خطبة الجمعة "72" أم الطور لفضيلة الأستاذ أحمد عبده عوض الداعية والمفكر الإسلامي
الحمد لله رب العالمين، سبحان من له الجلال، وله الكمال، وله العظمة والكبرياء، إن كل إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا (96) (مريم)، اللهم اجعل لنا ودا لديك يا رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، الواحد الأحد، الفرد الصمد، المنعوت بالجلال والكمال، وتوحيد الألوهية والربوبية وتوحيد الأسماء والصفات "مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ ۚ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ (92)". وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، المنصور من الله، والمؤيد من الله، "هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62)". ومن تكن برسول الله نصرته ** إن تلقه الأسد في آجامها تجم. اللهم صل أفضل صلاة وأزكاها، صلاة يفوح منها المسك والطيب والروح والريحان، معبقة بحب خير الأنام، حتى نلقاك وأنت راض عنا، ورسولك راض عنا، "وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62)" اللهم اجعل نبيك الكريم صلى الله عليه وسلم راضيا عنا. الخطبة الثانية والسبعون وعنوانها: أم "الطور"، وسورة الطور صلى بها النبي صلى الله عليه وسلم صلاة المغرب، يقول الصحابة: لم نسمع قراءة أفضل مما قرأه النبي صلى الله عليه وسلم، وسورة الطور آياتها سريعة الإيقاع شديدة الزجر. كان عمر بن الخطاب يسير في شوارع المدينة ليلا يراقب الأحوال، فسمع صوت رجل يقرأ سورة الطور، بقلب حاضر، خاشع متدبر متأمل " وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4).. إلى أن قال: إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7)". فوقع سيدنا عمر، ودخل في غيبوبة من الآية ونقلوه في بيته فظل يُعاد شهرا كاملا. "إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8) يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (10)". "أم" وردت خمس عشرة مرة، وكل واحدة منها تظهر عظمة الواحد الأحد الفرد الصمد. كان المنطق أن السورة تبدأ بالتوحيد، لكنها فاجأتنا مفاجأة مزلزلة، حيث إنها بدأت بالدفاع عن سيدنا صلى الله عليه وسلم. الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا يظهر لك أن الله تعالى يضع النبي صلى الله عليه وسلم في منزلة تليق بعظم الرسالة، والأمانة التي تحمّلها النبي ولم يقدر أحد على تحمّلها، وفي الوقت نفسه فإن الكفار اتهموا النبي اتهامات باطلة، ولم يدافع النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه، وإنما الذي دافع عنه هو الله. "أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30)" هو قبل الرسالة لم يكن شاعرا، فلماذا الآن أصبح شاعرا. "أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (32) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (33)"، هكذا فإن الله تعالى دافع عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقف النبي ذات مرة يدافع عن نفسه، وهذا درس للدعاة، لا تلتفت إلى لسعات البعوض، أو لدغات الأفاعي، خذ منها حصنا لك، فإن الله تعالى يسخر لك جندا من السماء كي يدافعووا عنك، "وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (7)". وبعد أن دافع الله عن سيدنا دفاعات قوية أظهر الله تعالى عظمة الخالق. "أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ" تصور أن هذا الكون بهذه العظمة، هل يمكن أن يكون قد نشأ فجأة؟ "أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35)" هل رأيتم الناس جميعا في الدنيا كلها مع التقدم العلمي، هل يستطيع العلم الحديث أن يخلق ذبابة؟ لن يخلقوا ذبابة ولو اجتمعوا له. "إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73)". القوة لمن؟ وأن القوة لله جميعا. هل خلق آدم نفسه؟ يستحيل، هل خلقت الملائكة نفسها؟ يستحيل، "أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36) "، "لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ". النظر عبادة، "أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ (6)"، "قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ (101)". أم عندهم خزائن ربك "أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (37)" المسيطرون بالسين، لكن الله تعالى جعلها بالصاد؛ لأن السين مع الخلق، أما الصاد فإنها مع الله الملك، "أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (37)" خزائن ربك: الأعمار، الأرزاق، المطر، الحياة، الممات، حركة الإنسان، النبات.. كل هذه من خزائن ربك التي لم يطلع الله تعالى عليها أحدا. من يعلم هذه الخزائن؟ "وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)" "وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ" . "أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (37)". "أم" في علم الغيب. "أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41)" "أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (64)" "قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ۚ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)". وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو، مفاتح الغيب خمسة: "إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)". "وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (59)". "عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا"؛ لأن علم الغيب بيد الله، فإذا خرج أحد فقال: سيحدث كذا وكذا، كل هذا باطل، لا يعلم الغيب إلا الله. قال صلى الله عليه وسلم: "من تنبأ فليس منا، ومن طير فليس منا. "أم" التوحيد. "أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43)" يستحيل أن يكون هناك إلهٌ غير الله ، أو أن يكون هناك إله مع الله، أو أن هناك إلها تقاسم الكون مع الله، لأن الله تعالى قال: "مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91)". وسبح بحمد ربك حين تقوم. "وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49)". هنا قال: وإدبار النجوم، وهما ركعتا سنة الفجر، وفي سورة "ق" وأدبار السجود أي ركعتا سنة المغرب، وهنا تختم سورة الطور بالنجوم، وتبدأ سوورة النجم، ب "والنجم" إشارة إلى ربط كل سورة بالتي بعدها لكي تعلم أن القرآن الكريم لا يكون إلا من عند الله، ﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمّا جاءَهم وإنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ﴾ ﴿لا يَأْتِيهِ الباطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ ولا مِن خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِن حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾. "وسبح بحمد ربك"، سبح فعل أمر، والتسبيح ليس حشوًا لحياتنا، وإنما هو أمر من الملك واجب النفاذ. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من قال بعد صلاة الفجر: سبحان الله وبحمده بعد صلاة الفجر مائة مرة لم يأت أحد بأفضل منه إلا رجلا قال أكثر مما قال". قال صلى الله عليه وسلم: "بال الشيطان في أذنيه" فأصبح من غفل عن ذكر الرحمن، مرحاضا للشيطان. الخطبة الأخرى. الحمد لله رب العالمين، من تكلم سمع نطقه، ومن سكت علم سره، ومن عاش فعليه رزقه، ومن مات يؤوب إلى رحمته، اللهم أدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين. والصلاة والسلام على خير الأخيار وإمام الأبرار، صاحب الوجه الأنور والجبين الزهر، وصاحب الشفاعة العظمى. محمد أشرف الأعراب والعجم .. محمد خير من يمشي على قدم. دعاء نصرة أهل بيت المقدس. يا قوي يا متين، يا عظيم يا جليل، من لأرض بيت المقدس غيرك يا الله؟ تجافى عنهم القريب والحبيب والصديق، ويواجهون عدوا غاشما معربدا، والعالم كله يدعمه ويشجعهم، وأهلنا معزولون، لا يساعدهم أحد، لا ينهض بهمتهم أحد، فأقفرت الأرض من حولهم، فلم يجدوا بابا إلا بابك، ولا ناصرا إلا أنت، أقسم بك عليك أن تعجِّل بزوال دولة إسرائيل كما تنبأ الحبيب صلى الله عليه وسلم، اللهم هيئ لهذه الأمة رجالا صالحين ونساء صالحات وشبابا صالحين يتكلمون بالحقّ وأنت الحقّ، فاجعل جنودك معهم، كف عنهم أذى المحتلين الغاشمين الظالمين، شتت شملهم بدد آمالهم، لا تمكّنهم من المستضعفين يا قوي يا متين، يا عظيم يا جليل عجّل بالفرج القريب لأهلنا في فلسطين، يواجهون عدوًّا غاشمًا، لا يرحم، يضرب بالحديد والنار، ولا يبالي ويعتقدون أنهم بقتلهم يتقربون إلى الله، أقسم بك عليك يا الله، حنّن الحكام العرب والزعماء العرب كي يقفوا بجوار المستضعفين الذين يحملون راية العروبة وراية الإسلام، من لهم غيرك يا الله؟ نستنصر بك فانصرنا، نستعين بك فأعنا، لأهلنا في بيت المقدس، قوِّ شوكتهم، لا يركعون إلا لك، قوِّ ظهورهم، اجعل جنودك معهم، حتى ينتصروا ويصمدوا، "ألا إن نصر الله قريب"، من لنا ومن لهم غيرك يا الله؟ "إن ينصركم الله فلا غالب لكم، وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده، وعلى الله فليتوكل المؤمنون". يا حنان يا منان افتح لهم أبواب فضلك وكرمك وعونك، بسرِّ قولك: "وكان حقا علينا نصر المؤمنين"، "وكان حقا علينا ننجي المؤمنين"، فنعم الناصر أنت، ونعم المعين أنت يا رب العالمين. وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد صلاة تبلغنا بها رضاك، وتقضي بها الحاجات، وتغيث بها اللهفات، يا أرحم الراحمين يا الله، "رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41)".