خطبة الجمعة "48"
"السيادة"
فضيلة الأستاذ الدكتور
أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الإسلامي
27 – صفر – 1444هـ - 23 / 9 / 20022م
الحمد لله رب العالمين، تبارك من في
السماء عرشه، تبارك من في الأرض سلطانه، تبارك من في الحياة مشيئته، تبارك من في
الممات إرادته، له الملك والملكوت، سبحان الحي الذي لا يموت، سبحان من سبح الرعد
بحمده والملائكة من خيفته، {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ
يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ
لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ
وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (90) مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ
مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا
بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عَالِمِ
الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92)}.
والصلاة والسلام على صاحب الوجه
الأنور والجبين الأزهر وصاحب الشفاعة العظمى، اللهم صل أفضل صلاة وأنماها على خير
البرية ومصطفاها صلاة الأوابين والمحبين والعاشقين لسيد الخلق أجمعيبن وعلى آله
وصحبه أجمعين.
الخطبة الثامنة والأربعون بعنوان:
"السيادة"
السيادة البشرية
السيادة معناها أن الله تعالى جعل
قمة لكل عمل، يعني: أعلى الدرجات في العمل، فالذي يصل إلى أعلى الدرجات في العمل
اسمه سيد، يقول صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد آدم، وعلي سيد العرب" .
لفظ سيدنا ليس بدعة كما يقول البعض،
فلقد أطلق النبي لفظ السيد على عشرات الصحابة، مثل قوله: قوموا إلى سيدكم، وقوله:
الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وقال عن الصديق: إنه سيدنا وأعتق سيدنا.
إطلاق لفظ السيادة على رسول الله صلى
الله عليه وسلم من باب الأدب معه صلى الله عليه وسلم.
الأدب هنا أن تُنزل الناس منازلهم،
وخير منزلة على وجه الأرض هي منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لماذا جعل الله النبي سيدا؟ لأنه وصل
إلى أعل درجات الأخلاق، فهو سيد الأخلاق،
وسيد العرب والعجم، بل هو سيد الكون كله.
محمد أشرف الأعراب والعجم
محمد خير من يمشي على قدم
السيادة لرسول الله صلى الله عليه
وسلم؛ لأن الله تعالى قال له: "وإنك لعلى خلق عظيم"؛ لأن رسول الله أخذ
درجة أعلى من كل الأنبياء.
هذه حقيقة قالها الله تعالى حيث قال:
"وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" ولم يقل: للمؤمنين.
السيادة البشرية لسيدنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم في الدنيا ستكون أيضا يوما القيامة، حتى الأنبياء الكبار لا يشفعون
لقومهم، والذي يشفع لقومه ولغير قومه هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبالتالي فالسيادة البشرية لرسول
الله لا خلاف عليها؛ لأن الذي جعله سيدا هو الله.
سيد الاستغفار
قال الصديق: يا رسول الله علمني دعاء
أدعو ربي به، فقال: قل: "اللَّهمَّ إنِّي ظلَمتُ نَفسي ظلمًا كثيرًا ولا
يغفرُ الذُّنوبَ إلَّا أنتَ فاغفِر لي مغفرةً من عندِكَ وارحَمني إنَّكَ أنتَ
الغفورُ الرَّحيمُ" وقال: "من لزم الاستغفار، جعل الله له من كل هم فرجا،
ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب، {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ
إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11)
وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ
لَكُمْ أَنْهَارًا (12)} ، وإذا لم تستغفروا: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ
وَقَارًا (13)}
سيد الاستغفار جعله النبي سيدا؛ لأنه
من قاله فمات في يومه فهو من أهل الجنة، ومن قاله في ليلته موقنا به فمات في ليلته
فهو من أهل الجنة، "اللهمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إلا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي
وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ
بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ
بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي؛ فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا أَنْتَ".
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "دعاء
سيد الاستغفار: اللهم أنت ربي اللهمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إلا أَنْتَ،
خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا
اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ
عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي؛ فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ إلا أَنْتَ".. مَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا
فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ،
وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ
يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ.
سيد الكلام
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلام
ابن آدم عليه لا له إلا ذكر الله وما والاه"، وقال: "ما جلس قوم مجلسا
لم يذكروا الله ولم يصلوا على نبيه صلى الله عليه وسلم، إلا كان عليهم ترة، - وفي
حديث آخر: إلا كان عليهم نتانة -، فإن شاء غفر لهم، وإن شاء عذبهم".
كل كلام فيه ذكر الله تعالى، فالملائكة
معك، والملائكة من كل مكان في العالم تحب هذه الأنوار، روحها في الذكر، لأنها
مخلوقة من النور.
هناك صيغة يسبح بها مليارات
الملائكة، "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول
ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".
أفضل كلام على وجه الأرض ما تسبح
الملائكة به ربهم سبحانه وتعالى، والملائكة مخلوقون من نور ليذكروا الله تعالى.
فإذا ما قامت الساعة، قالت الملائكة:
ما شبعنا من ذكرك يا رب، أكلهم وشرابهم ونومهم ذكر الله، واستمدادهم ذكر الله،
بهذه الكلمات: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا
حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم". هذه هي التي تثقل ميزان العبد يوم
القيامة، فيؤتى بها لتثقل ميزان العبد يوم القيامة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"أحب الكلام إلى الله سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله
أكبر".
كلمة الله هي الكلمة الرئيسة فيها
جميعا، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: " سبحان
الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، تثقل موازين العبد يوم القيامة".
القرآن فيه سورة اسمها سيدة سور
القرآن، قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: "هي السبع المثاني، وأما سيدة آي
القرآن الكريم، فهي آية الكرسي، أمسك النبي صلى الله عليه وسلم بيد أبي بن كعب،
وقال له: يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله أعظم؟ فقال: الله لا إله إلا هو
الحي القيوم، فقال صلى الله عليه وسلم: ليهنك العلم يا أبا المنذر، فوصل منزلة
عظيمة لم يبلغها أحد.
ذهب النبي إليه وطرق عليه بابه، وقال
له: إن الله أمرني أن أقرأ عليك سورة البينة، فبكى، وقال: آالله ذكرني؟ فقال: نعم،
فاشتد بكاؤه، وتلك منزلة لم يبلغها أحد إلا أبي بن كعب رضي الله عنه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة لا يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت".
وإنها تحرق الشياطين، ولكن رسول الله
صلى الله عليه وسلم علمنا أن قراءتها بعد كل صلاة واجبة، فوجب على كل مسلم أن
يحفظها لأنها سيدة آي القرآن الكريم، ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من
قرأها بعد كل صلاة لا يمنعه من دخلو الجنة إلا أن يموت".
الخطبة الأخرى
الحمد لله رب العالمين، حمدا لا
ينبغي إلا له، وشكرا لا ينبغي إلا لجلال وجهه وعظيم سلطانه، يا من له الملك وله
الملكوت، بيده المقادير وهو على كل شيء
قدير، والصلاة والسلام على خير الأخيار، وإمام الأبرار النبي العربي المختار أشرف
الأعراب والعجم، خير من يمشي على قدم، اللهم بلغ نبيك وحبيبك صلاتنا وسلامنا عليه،
قال صلى الله عليه وسلم: "أكثروا من الصلاة والسلام علي يوم الجمعة وليلتها
فإن صلاتكم تبلغني"، فمن أراد الفرج وكان مكروبا، أو أراد السداد وكان
مديونا، أو أراد الشفاء وكان مريضا، أو أراد التوبة فليكثر من الصلاة والسلام على
سيدنا صلى الله عليه وسلم.
دعاء سيد الاستغفار
أقسمك بك عليك يا الله، يا أرحم
الراحمين، يا مجيب دعوة المضطرين، يا من سبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته،
سبحان من علا فعلا، فهو على كل شيء قدير، اجعلنا من الذاكرين الله كثيرا
والذاكرات، أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما، ارزقنا أجرا عظيما، وتوبة ليس بعدها
ضلال، واجعلنا ممن قلت عنهم: سيهديهم ويصلح بالهم، ويدخلهم الجنة عرفها لهم، اللهم
حبب إلينا سيد الاستغفار حتى نقوله صباحا ومساء، موقنين به، حتى يبلغنا رضاك، اللهمَّ
أَنْتَ رَبِّنا لا إِلَهَ إلا أَنْتَ، خَلَقْتَنا ونحن عَبْيدُكَ، ونحن عَلَى عَهْدِكَ
وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْنا، نعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْنا، نبُوءُ لَكَ
بِنِعْمَتِكَ عَلَينا، ونبُوءُ لَكَ بِذَنْوبنا، فَاغْفِرْ لنا؛ فَإِنَّهُ لا
يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا أَنْتَ..
سفري بعيد وزادي لن يبلغني.. وقوتي
ضعفت والموت يطلبني
ما أحلم الله عني حيث أمهلني.. وقد
تماديت في ذنبي ويسترني
يا من ستر القبيح، سترت علينا في
الدنيا كثيرا ونحن المذنبون الذين خلطوا عملا سيئا وآخر سيئا، اجعل سيد الاستغفار
تفريجا لهمنا، وإقالةى لعثراتنا، اجعل حبك أحب إلينا من الدنيا وما فيها ومن الناس
أجمعين، فوضنا أمرنا إليك، وأنخنا مطايانا بين يديك، ولقد نادانا نوح فلنعم
المجيبون، يا من أجبت نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى، ونجيت موسى وعيسى، ونجيت حبيبك
محمدا نجنا جميعا يا رب العالمين، نجنا من مشاكل الدنيا وهمومها ومن أهوال يوم
القيامة، يا ستار العيوب يا علام الغيوب، يا مفرح القلوب فرح قلوبنا الحزينة،
وأسعد بيوت المسلمين واجبر أمة حبيبك، وساعدنا حتى نساعد الناس، وأعنا حتى نعين
الناس، وخذ بأيدينا حتى نأخذ بيد الناس، وصل يا رب على أسعد الناس، وعلى آله وصحبه
وسلم تسليما كثيرا.
{رَبِّ
اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ
(40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ
الْحِسَابُ (41)}.
{إِنَّ
اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)}.