قال ربنا تبارك وتعالى:
{وَلَا تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ
فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:
34]. قرأت هذه الآية؛ فأحسست ببرد وسلام فى صدري، وراحة فى قلبي، كأننى أغتسل من
همّ عظيم، وأُنزل من عن كاهلى عبئًا جسيمًا.
لن تجد ردًّا أعظم فى
الدنيا والآخرة، وأرضى لله والناس من مقابلة الإساءة بالإحسان فهو الطريق الذى
يقودك إلى راحة البال، والتفرغ للهدف الإيمانى الأعظم الذى جئنا إلى هذه الحياة من
أجله.
هكذا علمتنى الحياة، أنك
ما دمت على طريق الإيمان فإنك لن تعدم حاسدًا، ولن تخل من مسيء إليك، ولن تخل
طريقك من معوق يريد أن يثنيك عن طريق الخير والهدى، ويرى الحق لديك باطلا، والباطل
حقًّا.
كان من هؤلاء فى طريقى
كثيرون تكلموا فصمت، وأساءوا فسكت، وبحثوا جاهدين عن هفوات ليصنعوا منها معضلات،
فدعوت لهم بالهداية والسداد، ورأيت الحلم أسلم طريق، والانشغال بالطاعة والعمل
أولى من التنازع والشقاق.
وأحمد الله تعالى أن
جعلنى فى زمرة الذين يدفعون الإساءة بالإحسان إلى من أساء إليهم، وأنا أتوجه إلى
الله بالشكر والاعتراف بالمنة لمعرفتى أن هذا الخلق الرفيع لا يستطيع عليه إلا من
وفقهم الله، ونرجو أن يكتبنا الله من الموفقين لطاعته فى الدنيا والآخرة.
علمتنى الحياة أن أقطف
ثمار السعادة من هذا الزرع اليانع زرع التسامح والإحسان، وأن أنشغل بطريقى الذى
تنبت على جانبيه أشجار الهدى خير من انشغالى بالتنازع والردود.
ومن العجب أن البعض يرى
أنك ضعيف إذا أحسنت إلى من أساء إليك، أو أنك تخشاه، وهذا فى نظرى مخالف للخُلقُ
الذى أمر الإسلام به أتباعه، وليس فيه حجة لمن لم يتخلق بهذا الخلق الحسن.
فحينما تُحْسِن إلى مَن
يُسِيء إليك مرَّات، يأتيك الشيطان يُوسْوس لكَ بأنَّه قد يظنُّ أنَّك خائفٌ منه،
أو محتاج إليه، أو غير ذلك من الوساوس، فلا يزال بك حتى تعامِلَه بالمثْل، فهنا
تحتاج النفسُ إلى تذكيرٍ بأنَّ هذا ليس ضَعفًا، وليس جُبْنًا، إنَّما هو علامة على
أنَّك محظوظٌ، فأنتَ خيرٌ منه، نِلْتَ الذِّكْر الْحَسن وراحة البال فى الدنيا،
والثواب فى الآخرة، فأنتَ محظوظٌ وليس هذا الحظُّ يسيرًا، بل هو حظٌّ عظيم.
إن على المرء أن يقول
الأحسن، ولا يسيء لأحد فى قول أو فعل، قال تعالى آمرًا عباده بأن يقولوا التى هى
أحسن: {وَقُل لِّعِبَادِى يَقُولُواْ الَّتِى هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ
يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا
(53)} [الإسراء]. وفى إساءة القول ينزغ الشيطان بين الناس؛ ليحدث بينهم الخصام
والفرقة والضعف، وليتذكر الدافع للإساءة خلق النبى صلى الله عليه وسلم لأجل أن
يتخلق به إذا كان من خلقه العظيم العفو والصفح عمَّن أساء إليه.
هذه نصيحتى التى أهديها
إلى كل من حصل بينه وبين أحدٍ خلاف أو سوء تفاهم أو عداوة أن يبدأ بالعفو والصفح،
وأن يمد يد الصلح، وأن يحسن بعضهم إلى بعضهم، لتبقى الصدور سليمة وتنسل من القلوب
السخيمة.
فمَن يلقاك بعبوسٍ
تَلقاه بطلاقة وجْهٍ وابتسامة، ومَن يُعْرِض عنك ويولِيك ظَهْرَه تستقبله، مَن لا
يسلِّم عليك ولا يُحَيِّيك تُحيِّيه بالسلام وبغيره من التحايا، مَن يقطعك ولا
يَصِلك تَصِله وتُواسيه فى النائبات، مَن يُسْمِعك كلامًا جارحًا تُسْمعه كلامًا
ليِّنًا طيِّبًا، مَن يحاوِل استفزازَك بالكلام، تتغافَل عنه وكأنَّك لم تسمعْ
كلامَه.
وَإِنْ بُلِيتَ بِشَخْصٍ لاَ خَلاَقَ
لَهُ |
|
فَكُنْ كَأَنَّكَ لَمْ تَسْمَعْ وَلَمْ
يَقُلِ |